Skip to main content
الشحاتي يكتب : ثورة الخبز بين واجبات الدولة الاقتصادية وتكاليف فرض الامن
|

الشحاتي يكتب : ثورة الخبز بين واجبات الدولة الاقتصادية وتكاليف فرض الامن

كتب: محمد الشحاتي الخبير بمجال النفطي

يبدو أن الخبز في دول كثيرة أو أحيانا الأرز في دول أخرى وللغرابة البطاطس في بريطانيا هم ترمومتر الاستقرار السياسي.

التاريخ يخبرنا بأن شرارة الثورات دائما ما تبدأ من البطون الجائعة. الجوع ليس قضية اقتصادية بل هو في الأساس قضية مجتمعية تتعلق بالأمن والاستقرار.


في المدى الذي نعيش فيه فأن فردة الخبزة أو رغيف العيش هي أساس الحياة اليومية، هي أرضية الطلبات التي لا يمكن التراجع عنها.

بينما هي في الغالب مكونة من دقيق القمح أو الشعير ألا أن هناك مركبات أخرى كثيرة تدخل في صناعتها وهي: الخميرة، المحسنات، الماء، السكر، العمالة البشرية، الوقود.


من ناحية التكلفة المالية يمكننا أن نفصل ثلاث مكونات هما: الدقيق والوقود والعمالة البشرية بصفتهم أن أكبر جزء من التكلفة تتجه لهم.


توفير الدقيق كان المشكل الأكبر لدول المنطقة أحيانا أستعمل هذا كسلاح بالتهديد بالتجويع ضد بعضها للقبول بتنازلات سياسية مؤلمة.

تدخلت الحكومات لتوفير الأرضية الممكنة للغذاء عن طريق دعم تكلفة رغيف العيش. في العصر الذي تلى الحرب العالمية الثانية قررت الحكومات في الدول الأقل نموا والأكثر فقرا أن تملء بطون مواطنيها بأقل سلعة غذائية مكلفة وهي القمح.

هذا فرض نمطا غذائيا معينا استمر مع الأجيال المتتالية.
هذا النمط الغذائي جلب معه سلوك اجتماعي يتماهى إلى حد بعيد مع السلوك الاجتماعي الأوربي.

فليس من المفارقات هنا أن تقوم أول ثورة جياع خبز في فرنسا في نهايات القرن الثامن عشر، لنشهد بعد قرن من الزمن ثورة للخبز في مصر في 1977، وانتفاضة للخبز في تونس في 1984 وتعقبها في نفس السنة انتفاضة في المغرب وانتفاضات في الجزائر والأردن.


الدول المصدرة للنفط تجنبت هذا المصير بفضل العائدات المالية الكبيرة من تصدير النفط وسياساتها في دعم رغيف الخبز للجمهور.


دعم رغيف الخبز تحول إلى قضية اقتصادية عالمية وتولت منظمة فاو (منظمة الأمم المتحدة للزراعة والغذاء) مهاجمة سياسة الدعم بسبب ما تسببه من هدر كبير في الموارد.

حيث تسبب ارتفاع أسعار الاعلاف مع ثبات سعر الخبز المدعوم فجوة كبيرة في القيمة نتج عنها أن قام أصحاب المخابز ببيع الخبز إلى مربي الحيوانات خارج نظام التسعير المفروض من الدولة.

المنطق بسيط فبطن الانسان لا تحتاج أكثر من رغيف خبز طازج في اليوم بينما بطون البهائم تستحمل الخبز البايت.


ومع الصعوبات الاقتصادية التي لم تتيح للدول أن تغير النظام الغذائي لتصعد أعلى السلم للسلع الأغلى وتقلل الاعتماد على الخبز، ظهرت مشكلة لوجستية في نظام صناعة الخبز أصبح معها المحافظة على آلية الدعم من الصعوبة بمكان.

وبينما تخلت دول كثيرة عن أنظمة دعم رغيف الخبز جزئيا في الغالب ولكنها قامت بجهود جبارة في تنظيم لوجستيات صناعة وتوزيع الخبز لتفادي الهدر.


الامن الغذائي في ليبيا مشكلة جوهرية وقد حذرت منظمات دولية كثيرة من إمكانية حدوث أزمات في سلسلة توزيع الغذاء.

الاعتماد على عائدات تصدير النفط وفر للدولة مصدرا ماليا لتحقيق الامن الغذائي لعدة سنوات مع إدارة مناسبة في تنظيم التوريد والتخزين لتجنب أزمات العرض.


وبالرغم من أن الوضع بصورة عامة لا زال مطمئنا في ليبيا من ناحية رغيف الخبز ألا أنه على الأجهزة الحكومية أن تتخذ الحذر في هذه القضية والتي تمس الامن والاستقرار بعمق في البلد.

في الفترة الحالية مع كل ما يثار عن حتمية التحول إلى الاقتصاد الحر يجب القول أن الاتجاه لآليات السوق الحر لتوفير رغيف الخبز هو أشبه بالانتحار.

مشاركة الخبر