كتب : محمد الشحاتي الخبير بمجال النفطي مقالا
في يوم 2 ديسمبر سنة 1984 تسلل غاز ميثيل ايزوكتيان عبر الانابيب الصناعية لشركة يونيون كاربيد الكيماوية الامريكية ليملأ سماء بلدة بوبال الهندية ويفتك بما لا يقل عن 3000 نسمة من الأهالي خنقا بالغاز السام وأكثر من 1000 عاشوا للأبد وهم مصابون بعوارض صحية خطيرة نتيجة الحادث.
كانت هذه الحادثة فارقة بسبب الحجم الضخم للضحايا والاهتمام العالمي الذي تصاحب مع تسربات كيمائية أخرى قتلت الملايين من الأسماك في بعض الأنهار الاوربية، ليخرج مفهوم جديد في الإدارة الدولية وهو ما أطلق عليه المسؤولية الاجتماعية للشركات.
هذا المفهوم يعني أن الشركة الدولية تلزم نفسها بغض النظر عن القانون المطبق في الدول المضيفة والتي قد لا تملك أنظمة تشريعية دقيقة تتعامل مع تعقيد العمليات الصناعية بأن تقوم بتنفيذ أو تمويل تنفيذ مشاريع اجتماعية تعوض بها استغلالها لموارد المنطقة المضيفة سواء من الموارد الطبيعية أو البشرية.
كان النموذج المطبق في هذا المجال هو التنمية المكانية التي أطلقتها شركات النفط العالمية التي نشطت في بحر الشمال لإنتاج النفط والغاز الطبيعي للمناطق والمدن الساحلية في بريطانيا والنرويج.
بدأت تطبيقات المسؤولية الاجتماعية تنتشر بين الشركات العالمية في البداية كحملة علاقات عامة الهدف منها كسب المجتمعات المحلية وتخفيف مقاومتها لتواجد الشركات التي يمكن أن تحدث اضرارا بالغة في مناطق الإنتاج من الناحية البيئية وكذلك الاجتماعية.
ترافق مع حملة العلاقات العامة هذه فساد مالي كبير حيث وجدت شركات كثيرة هذا البند المالي كطريق غير مراقب سواء من الدولة الأم أو الدولة المضيفة لتقديم رشاوي لقيادات صناعية ومحلية وصلت إلى بناء ميليشيات مسلحة لحماية المصالح التجارية لهذه الشركات في الدول المضيفة.
وبسبب التطبيقات الدولية لهذا المفهوم بدأت الشركات الدولية تحس أنه يمكن التهرب من المسؤوليات الحقيقة التي تترتب على وجودها في أحد المناطق وذلك بتقديم الكاكاوية أو الفول السوداني Peanuts للأهالي والاحتفاظ بالجواهر، كما كان يحدث في دول غرب افريقيا في صناعة النفط والماس.
تأخر تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية في ليبيا من قبل الشركات النفطية لفترة طويلة بعد تقديمه على المستوى الدولي بسبب الشكوك القوية المحيطة به وعدم وجود تنظيم قانوني محاسبي لهذا المفهوم. في أواخر العقد الماضي بدأ الضغط على الشركات لتطبيق هذا المفهوم في ليبيا.
هناك مشكلة محورية في هذا التوجه تتمثل في الآتي:
أولا: أن تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية يجب أن يكون حصريا في مناطق الإنتاج ومناطق العبور وعبر تحديد هذه الاحتياجات مسبقا بالتفاهم مع الأهالي المحليين وليس بطريقة مركزية من حكومة تبعد آلاف الاميال عن هذه المناطق.
ثانيا: أن تطبيق المسؤولية الاجتماعية لا يعفي الشركات من التهرب من تعويض الآثار البيئية والاجتماعية والصحية لهذه المناطق وهذه لا تدخل محاسبيا تحت مفهوم المسؤولية الاجتماعية.
ثالثا: أن تخضع أي مصاريف في هذا البند لرقابة مالية شديدة من قبل أجهزة الرقابة المحلية أولا ومن ثم أجهزة الرقابة العامة على مستوى الدولة وألا يتم تسليمها نقديا إلى أي جهة حكومية أو تابعة للحكومة في ليبيا وألا ستكون غير محسوبة، وعلى الشركات أن تنشرها بالتفصيل في تقاريرها المالية في الدولة الأم (ايطاليا في حالة أيني).
النقاط أعلاه لم تطبق في ليبيا لذا فأن المناطق المنتجة تعتبر أن أي مصاريف تمت في السابق كأنها لم تكن وعلى الشركات أن تلتزم في المستقبل بالمعايير التي تطبق دوليا في هذا المجال.
نرجو من السلطة التنفيذية في ليبيا مراعاة هذه النقاط في سياساتها العامة حول هذه القضية.