كتب: محمد الشحاتي الخبير الاقتصادي مقالاً
في ظل الأزمة الكبيرة التي يعيشها قطاع الكهرباء اليوم وبالنظر لعدم وجود احصائيات وطنية رسمية صادرة عن الشركة العامة للكهرباء فإن الأقوال والتخمينات تتضارب حول أسباب معضلة الكهرباء سواء في اندلاعها بالأساس أو لاستمرارها بصورة أكثر تدهورا سنويا.
المشكلة واضحة وهي مشكلة ظاهريا في الأغلب تتمحور على عدم قدرة الشركة العامة للكهرباء على مقابلة الطلب الموسمي من الكهرباء، خلف هذه الظاهرة فإن هناك الكثير من العيوب الهيكلية الفرعية المستترة أهم هذه العيوب هي عدم وجود نظام تمويلي واضح لقطاع الكهرباء في البلد، الإعتماد شبه المطلق على الدعم الحكومي، اختلال ميزان الاستهلاك النهائي نحو الاستهلاك المنزلي وانخفاض نسبته في الصناعة والقطاعات الأخرى وأخيراً مشكلة الوقود المناسب لتوليد الكهرباء على المدى المتوسط والطويل.
بالرغم من البيانات المستمرة من الحكومة أو الشركة العامة للكهرباء فإن وضع تصور لحل المعضلة لا يزال بعيداً، ولكن لن يخرج الحل عن بديلين: الأول هو زيادة كفاءة إنتاج الكهرباء والثاني هو زيادة كفاءة استهلاك الكهرباء.
البديل الأول يعني في الأساس تخفيض الفاقد في عملية الإنتاج إلى الحد الأدنى عبر صيانة محطات التوليد وخطوط النقل مع احتمال إضافة قدرات توليد جديدة، وهذا سيثير المشاكل الآتية: الافتقاد للأمن والاستقرار نتيجة الاضطراب السياسي في الدولة يحد بشكل كبير من تنفيذ برامج الصيانة سواء بقدرات محلية أو من خلال الاستعانة بخبرات دولية، عدم وجود نموذج تمويلي واضح بسبب اضطراب برامج الدعم الحكومي وتعثر عمليات التحصيل وانتشار ظاهرة سرقة الكهرباء بشكل واسع، التنافس اللامتكافئ مع قطاع التوليد الجزئي الذي يعتمد على رخص أنواع الوقود المختلفة.
البديل الثاني يتعلق بترشيد الاستهلاك خصوصا في القطاع المنزلي أما عن طريق رفع التكلفة أو عن طريق التوعية المكثفة، لا يبدو طبعاً أن طريقة التوعية ذات جدوى كبيرة خصوصا مع العقلية الاستهلاكية التي تسيطر على سلوك المواطن الليبي لفترة طويلة من الزمن، وتصطدم عملية زيادة التكلفة بانتشار سرقة الكهرباء مع الضعف الواضح في عملية انفاذ القانون في البلد.
وبمراجعة وتحليل الاتجاهات التي تعكسها احصائيات وكالة الطاقة الدولية فيمكن ملاحظة التالي:
أولا: بمقارنة بعض الاحصائيات بين ليبيا وتونس ومصر نجد الآتي:
معدل استهلاك الفرد في ليبيا هو الأعلى بين هذه الدول حيث يبلغ 2.75 ك.و.س للفرد بينما هو في تونس 2.49 وفي مصر 1.56
نسبة استهلاك القطاع المنزلي في ليبيا هو الأعلى حيث يبلغ 50% من اجمالي الاستهلاك بينما هو في تونس 32% وفي مصر 36%
نسبة استغلال الكهرباء في القطاع الصناعي في ليبيا هي الأقل بمعدل 7% بينما يصل المعدل في تونس 33% وفي مصر 30%
ثانيا: التنوع في مصادر توليد الطاقة الكهربائية (سنة 2019)
نسبة النفط: ليبيا 33%، تونس 0.2%، مصر 13%
نسبة الغاز الطبيعي: ليبيا 66%، تونس 97%، مصر 77%
نسبة المساقط المائية: ليبيا لا شيء، تونس 0.3%، مصر 7%
نسبة الطاقة الشمسية: ليبيا لا شيء، تونس 1.1%، مصر 1%
نسبة طاقة الرياح: ليبيا لا شيء، تونس 2.3%، مصر 2%
نسبة المصادر الأخرى: تونس 1.3%
ثالثا: الفاقد التقني في قطاع الكهرباء كل دولة والاستهلاك غير المعلوم
نعني هنا بذلك الفاقد الذي ينتج عن الاستخدام الداخلي لمحطات التوليد وكذلك الذي ينتج عن النقل والتوزيع
نسبة الفاقد في تونس: 16%، نسبة الفاقد في مصر: 17%، ونسبة الفاقد في ليبيا: 20%.
أما بالنسبة للاستهلاك غير المعلوم فهو تلك النسبة التي تنتج عن الفرق بين الإنتاج المقدر بعد طرح الفاقد التقني ومجموع الاستهلاك الفعلي للقطاعات، بالنسبة لتونس ومصر لا يظهر هناك أي استهلاك غير معلوم بينما في ليبيا يشكل 13% من الإنتاج الفعلي وهو ما يرفع نظرياً الفاقد إلى 33% من الإنتاج.
ثالثا: الاحصائيات الوطنية (ليبيا) للكهرباء
النمو في الاستهلاك: بافتراض أن سنة 1990 هي سنة الأساس فأن الاستهلاك من الكهرباء قد ارتفع سنويا بمعدل 6% إلى سنة 2007 ليبلغ ذروته بمعدل 275% ومن ثم ينخفض من جديد بمعدل 8% سنويا من قمة 2007 ليصل إلى 206% مقارنة بمستوى 1990.
نظريا هذا يشير إلى عدم وجود ضغط على المنتج (الشركة العامة للكهرباء) لزيادة طاقته الإنتاجية بصورة كبيرة بسبب تباطؤ الطلب.
النمو في إنتاج الكهرباء: يتضح من الاحصائيات أن انتاج الكهرباء كان ينمو بانتظام مع زيادة الاستهلاك ليصل إلى الذروة في سنة 2012 بمعدل 273% عن مستوى 1990 بمتوسط قدره 5% سنويا.
ويتضح أن مستويات الإنتاج بعد سنة 2012 بدأت تتراجع بمتوسط 14% سنويا، والإنتاج هنا لا يعني الطاقة الإنتاجية، بل معدلات الوقود (نفط + غاز) التي دخلت إلى محطات التوليد وقد يعني تراجع الإنتاج انخفاض الطاقة التشغيلية لأسباب فنية.
الخلاصة:
أولا:
يبدو أن معضلة الكهرباء في ليبيا تعود أساسا إلى سوء التخطيط حيث لا يوجد ما يشير إلى نقص في الطاقة الإنتاجية مقارنة للاستهلاك والذي استجاب بالتخفيض أيضاً من مصدر الشركة (ربما تم اللجوء للمولدات الخاصة للتعويض) على مستوى سنوي، المشكلة تكمن في التغييرات الموسمية والتي لم تتمكن الشركة العامة للكهرباء من تخطيها.
ثانيا:
هناك حجم كبير من الإنتاج يعتبر فاقداَ يصل إلى 33% مقارنة بالوقود الذي يتم استخدامه في محطات التوليد. هذا أيضاً يؤثر على استقرار الشبكة وتلبيتها للاحتياجات وهو استهلاك محاسبيا يجب أن يحمل للشركة والتي بدورها تحمله على الدعم الحكومي وهذا يستدعي أثارة مبادئ الحوكمة والعدالة تماما مثل ما يحدث في تكاليف خطوط الطيران.
ثالثا:
على المدى الطويل يحتاج هيكل استهلاك الكهرباء في ليبيا إلى التعديل بزيادة مساهمة القطاع الصناعي والتجاري القادر على تحمل تكاليف التوليد الباهظة وتقليل حجم مساهمة القطاع المنزلي وذلك بتفعيل سياسات الترشيد.