كتب الخبير الاقتصادي سليمان الشحومي مقالًا بعنوان: إطار لتنظيم إدارة وتوزيع دخل النفط والغاز
مقدمة
بدون أدنى شك أن عدالة توزيع أو حسن إدارة عوائد النفط والغاز في ليبيا، أصبحت مطلب شعبي من قبل كافة المناطق الليبية والتي تعاني الحرمان وتزايد الشعور بالغبن، برغم حجم الإنفاق الحكومي الواسع، خلال السنوات الماضية، وفي ظل ما يقاسيه أبناء الشعب الليبي من صعوبات كبيرة على مستوى حياة المواطن وتردي للخدمات وانهيار في البنى الأساسية، وترافق ذلك مع إهدار واسع للموارد والثروة النفطية، لسنوات طويلة بسبب استشراء الفساد المالي وانفراد مجموعة بالتحكم، وتسخير الموارد المالية، وتسخير الثروة الطبيعية الليبية وعوائدها لصالحها، ولتحقيق مصالح ضيقة، الأمر الذي زاد بشكل غير مقبول ودلالة، عليه بوضوح، كافة تقارير ديوان المحاسبة وجهاز الرقابة الإدارية السنوية الصادرة.
وأكدت أن هناك إساءة واسعة لإدارة المال العام وتزايد مفرط في حجم الإهدار، وتهميش لمناطق إنتاج الثروة النفطية وغيرها من المناطق والتي استمرت دون وجود أبسط متطلبات الحياة الكريمة، بسبب انعدام العدالة في إدارة هذه الثروة ومواردها السنوية والذي زاد من تنامي الشعور والرغبة لدى عامة الليبيين ونخبهم الثقافية والعلمية والاجتماعية المتنوعة، بأن هناك حاجة لإعادة تنظيم إدارة الثروة وتحسين قدرتها على تحقيق الاستجابة الضرورية، وتسخيرها لتحقيق الأهداف الأساسية المرسومة بموجب القوانين والنظم بالدولة الليبية، والتي تؤكد على أن توزيع الدخل وإدارته، يتطلب عناية الرجل الحريص لتحقيق مستهدفات التنمية عبر مشروعات اقتصادية وتنموية واجتماعية، ترفع من المستوى المعيشي والإنساني والحضاري للشعب الليبي، في كل ربوع البلاد الليبية.
لهذه فان إعادة تنظيم وإدارة الثروة القومية يتطلب أن يصدر البرلمان الليبي قانونا يرسم إطارًا جديدًا يستهدف تحقيق العدالة في توزيع الإيراد وتنميته، بدلًا من إهداره وتحسين كفاءة استخدامه، في توفير سبل العيش الكريم عبر تحقيق التنمية المكانية والبشرية المناسبة.
أهداف إدارة وتوزيع الدخل من النفط والغاز
تأسيسا على ما سبق؛ فإن تحقيق إدارةٍ وتوزيعٍ عادلٍ لموارد الدولة الليبية من النفط والغاز، يهدف لتحقيق الآتي:
أولا: وضع قاعدة وطنية لسبل توزيع وتنمية الثروة الوطنية وسبل مساهمتها في التنمية الشاملة.
ثانيا: تحقيق العدالة في توزيع برامج التنمية المستدامة بكافة ربوع ليبيا.
ثالثا: تحقيق قدر عالي من الشفافية في إدارة الموارد الطبيعية والاستخراجية.
رابعا: تركيز الدخل والثروة الليبية من النفط والغاز في الاستثمار الأساسي، عبر رفع مقدرة البنى الأساسية، وعدم إهداره في النفقات الجارية، وإن تتم مطابقة الإيرادات المتحصلة من الإنتاج والتصدير بين المؤسسة الوطنية للنفط ووزارة المالية ونشرها عبر تقارير دورية، تحدد تفاصيل الإنتاج والتصدير لكل حقل والمنطقة التابع لها، ويوضح المستخدم محليا من الطاقات الإنتاجية للأغراض المختلفة.
خامسا: ربط الإنفاق التنموي، بمستهدفات محددة بكافة مناطق البلاد والتركيز على تخصيص مقدار معلوم، في حدود من عائد الإنتاج بالمحدد بكل منطقة استخراج وإنتاج وتصدير؛ لتمويل عمليات الحفاظ على البيئة والتخفيف من الآثار البيئية التي تسببها عمليات الاستخراج والإنتاج، للمساهمة المباشرة في التنمية المكانية والبشرية لهذه المناطق، على أن يتم وضع المخصص، فور تحقق العائد وبشكل دوري بحساب خاص، وتتولى الحكومة اتخاذ الخطوات اللازمة، بإنشاء جهاز جديد متخصص في تطوير وتنمية مناطق الاستخراج والإنتاج والتصنيع والتصدير، المرتبطة بصناعة النفط والغاز، ويستهدف جهاز إعمار مناطق الإنتاج والتصنيع والتصدير تنفيذ وتمويل مشروعات التنمية المكانية ومتطلبات البنى الأساسية بالمناطق دون استخدامها لأغراض التشغيل والتسيير.
سادسا: يتم إسناد مهمة تنظيم عمليات توزيع الإيراد من النفط والغاز، وفقا لقانون التخطيط رقم 13 لسنة 2000 بشأن مجلس التخطيط الوطني وتعديلاته ومتطلبات مشروعات التنمية، بكفاءة مناطق ليبيا وفقا للمعايير التي تضمن العدالة وفي إطار الاحتياجات التنموية البشرية والمكانية وتعتمد من قواعد مجلس التخطيط ومن مجلس التخطيط الوطني، وتقر بموجبها البرامج التنموية بالموازنة العامة للدولة الليبية، بقانون الموازنة العامة، وتتولى الحكومة التنفيذ وفقا لها، وعلى كل من الحكومة ومجلس التخطيط الوطني مراعاة تنمية الإيرادات المحلية، لمواجهة احتياجات الانفاق، وتركيز العائد من عمليات الاستخراج والإنتاج و التصدير للنفط والغاز على الأغراض التنموية وإعادة إعمار ليبيا .
سابعا: يتم إدارة و توزيع إيرادات النفط والغاز بعد خصم الحصة المحددة لمناطق الاستخراج والإنتاج و التصدير (يقترح أن يخصص 10% من المخصص للتنمية، وفقا لقانون التخطيط)، و يكون التوزيع وفقا لمعيار وطني واضح يستهدف العدالة بين المناطق الرئيسية التاريخية للدولة الليبية (طرابلس، برقة، فزان) على أساس مكون المحافظات بكل منها، ويراعي بشكل أساسي أن يرتكز على إعمال وإنفاذ قانون التخطيط والقانون المالي للدولة الليبية وقانون البترول وقانون إنشاء المؤسسة الوطنية للنفط وقانون التخطيط العمراني، وقانون الحكم المحلي، وغيرها من القوانين ذات العلاقة.
ثامنا: يتم مراجعة مشروع مخصصات التنمية السنوية وتوزيع الإنفاق التنموي، بين مناطق المكونات الرئيسية، للدولة الليبية التاريخية (طرابلس، برقة، فزان) وفقا للمحافظات، وحسب البلديات المكونة لها واعتمادها عبر مجلس التخطيط الوطني، وتلتزم الحكومة بتنفيذها عبر عرضها بمشروع الميزانية العامة للدولة الليبية، وتقديمه للبرلمان، حسب القانون المالي للدولة الليبية لإصدار قانون الموازنة العامة للدولة الليبية، والتي يجب أن لا تقل عن 70% من الإيرادات المحققة، حسب نص قانون التخطيط رقم 13 لسنة 2000، متضمنة حصة مناطق الاستخراج والإنتاج والتصدير، و تعلن في إطار البرنامج الوطني التنموي السنوي ومشروعاته التنموية حسب المناطق الليبية.
تاسعا: يتم تطبيق كافة القوانين المنظمة لإدارة المال العام وتلتزم الحكومة بتخصيص الموارد اللازمة وتعمل على تقليص الإنفاق على غيرها من الجوانب، وتخفيف الأعباء في أبواب الميزانية العامة للدولة، وتحفز تنمية وتحصيل الإيرادات السيادية والمحلية الأخرى.
وفي إطار تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه يقترح العمل على الآتي:
1- تعديل قانون التخطيط رقم 13 لسنة 2000
تأسيسا علي ما سبق يقترح أن يتم تعديل قانون التخطيط رقم 13 لسنة 2000 بما يعزز فعالية تنفيذ عملية إدارة وتوزيع دخل النفط والغاز لأغراض التنمية المستدامة المكانية، والبشرية المتوازنة بكافة أرجاء البلاد، مع تمكين مناطق الاستخراج والإنتاج والتصدير بشكل خاص من رفع مقدرتها والنهوض بها وبساكنيها وتعويضها عن الآثار البيئية وتعثر التنمية بها لفترة طويلة جدا، برغم أنها المصدر الأساسي لهذه الثروة القومية.
و عليه يقترح أن يعدل قانون مجلس التخطيط العام حسب الآتي:
– يتم تعديل قانون التخطيط عبر إعادة تنظيم مجلس التخطيط الوطني وتكوينه وعضوية المجلس، بحيث يضم ممثلين الإدارات المحلية والمتمثلة في المحافظات أو البلديات حسب التنظيم الإداري المعتمد أو الذي سيعتمد للدولة الليبية، و ذلك لتحقيق مشاركة أوسع حول برامج التحول وإدارة وتوزيع دخل النفط والغاز، فإنه يجب أن تنعقد اجتماعات المجلس بمكوناته المحددة، مرة على الأقل سنويا، لاعتماد خطط عمل المجلس ومشروع ميزانية التحول السنوي، بوقت مناسب في الربع الثالث من كل عام، ويتولى رئيس المجلس ترؤس اجتماعاته الدورية والتنفيذية و يكون له هيكل تنظيمي وملاك يعتمد ولوائح تنظيمية تعرض وتصدر بموجب قرار من المجلس في اجتماعه العام.
– يكون لمجلس التخطيط الوطني رئيس للمجلس ووكيل للمجلس يمارسون مهامهم على سبيل التفرغ، ويعاملون بدرجة وزير ووكيل وزارة، ويتبعون السلطة التشريعية من الناحية التنظيمية و الاشرافية.
– إضافة مادة بالقانون تتعلق بتخصيص مقدار مستقطع من الإيراد من النفط والغاز لصالح مناطق الاستخراج والإنتاج والتصدير، وسبل الاحتفاظ به بالحسابات وإدارته من قبل الحكومة عبر إنشاء جهاز لإدارة وتنفيذ مشروعات التنمية بهذه المناطق، و يتم التأكيد على المخصص لأغراض التحول بحد أقصى 70% المحدد بالقانون ويستقطع منه نسبة 10% لمناطق الاستخراج والإنتاج والتصدير؛ والباقي تتولى الحكومة استخدامه كأحد مصادر الأخرى لتمويل باقي أبواب الميزانية العامة للدولة.
– إضافة مادة تتعلق بآليات تنفيذ مشروعات التحول في حال عدم كفاية الإيرادات السنوية وآليات الاقتراض وسبل اعتماده و تنفيذه.
– إضافة مادة تتعلق بالشفافية في بيان الإيرادات ودور مجلس التخطيط في متابعتها مع المؤسسة الوطنية للنفط وإجراء المطابقة بينها وبين مصرف ليبيا المركزي، ووزارة المالية، وعرضها بشكل يحقق العدالة في إطار ما يتم إقراره من قبل المجلس في اجتماعاته الدورية.
– إضافة مادة تمنع على الحكومة التصرف في مخصصات التخطيط والتحول أو تعديلها إلا بإذن من مجلس التخطيط.
– إضافة مادة تتعلق بتحويل مجلس التخطيط الوطني بإصدار نظام العطاءات والمناقصات الخاصة بمشروعات التنمية، والتحول، لتنفيذه من قبل الحكومة والجهات المعنية بالتنفيذ.
2- تعديل قانون الحكم المحلي
سيكون من المهم أن يتم إعادة تنظيم قانون الإدارة المحلية، ليحقق حكم محلي أوسع عبر تقسيم البلاد إلى محافظات تشمل بلديات ويكون للمحافظات دور واضح في التخطيط وإدارة الموارد المحلية بالمحافظة وتحديد اختصاصاتها في إطار تعزيز الإدارة المحلية والحكم المحلي بصلاحيات تنفيذية وتخطيطية و إشرافية والمساهمة في وضع برامج التنمية المكانية والبشرية، وعرضها بمجلس التخطيط الوطني؛ وتحديد صلاحيات المحافظات في التعاقد على تنفيذ المشروعات والحدود المسموح بها وفقا لما يتم تحديده في اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية وقانون وللائحة التنفيذية لقانون التخطيط الوطني بعد التعديل.
3-إصدار قانون تنظيم إدارة وتوزيع عوائد النفط و الغاز
يقترح أن يصدر عن البرلمان الليبي قانون لتنظيم إدارة وتوزيع دخل النفط و الغاز، و يركز القانون المقترح على الآتي:
– يحدد القانون سبل إدارة و توزيع الدخل القومي من النفط والغاز وفقا للآتي:
– يخصص 30% من دخل النفط والغاز المنتج والمصدر والمستخدم محليا بالإضافة للمصادر الأخرى، لأغراض تمويل أبواب الإنفاق الحكومي من غير باب التنمية والتحول.
– يخصص 70% من دخل النفط والغاز سواء المصدر أو المستخدم محليا، بعد خصم الميزانية المخصصة لقطاع النفط والغاز المعتمدة من مجلس التخطيط العام والصادرة بموجب قانون لأغراض التنمية، وتمويل، برامج التحول والتنمية المكانية والبشرية بليبيا، ومخصصات الدعم، ويخصص منها مقدار 10% لمناطق الاستخراج والإنتاج والتصدير والباقي 60% يتم توزيعها في إطار العدالة بين الأجزاء الأساسية المكونة للدولة الليبية (طرابلس، برقة، فزان) وعبر المحافظات كمخصصات على أن يكون الإنفاق مركزيًا ولا مركزيًا عبر المحافظات، حسب حجم ونوع المشاريع لتمويل مشروعات البنية الأساسية والتنمية المكانية الأساسية، حسب ما يتم إقراره بمجلس التخطيط الوطني.
– في إطار تطبيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين وتنظيم عملية وصول الدعم لمستحقيه ورفع مستوى معيشة الفقراء والمعوزين وضعاف الدخل من المواطنين الليبيين؛ يتم إنشاء وتنفيذ برنامج حساب التمويل الوطني لليبيين، وذلك عبر مشروع وطني تقوم بتنفيذه الحكومة عبر وزارة المالية يستهدف لتحديد المستحقين، وبتحسين الدخل من كافة فئات الشعب الليبي، ووضع ضوابط لعملية تخصيص وصرف الدعم للمواطن والأسرة الليبية لمساعدتهم على مواجهة أعباء الحياة وتوزيع علاوة الأسرة ودعم الوقود وغيرها من البدالات والتعويضات لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الليبيين ويتم الإنفاق، من خلال مخصصات باب الدعم بالميزانية العامة وما يخصص وفقا لما يتم إقراره من قبل مجلس التخطيط الوطني ويعتمد بالميزانية العامة للدولة الليبية.
– يتولى مجلس التخطيط الوطني وعبر آلياته بعرض وإقرار نموذج التوزيع السنوي على كافة مناطق البلاد، بما يضمن العدالة والشفافية ووفقا لما ينص عليه قانون التخطيط بعد تعديله.
– يتم إجراء المطابقة لتسوية حسابات الإيرادات من النفط والغاز المختلفة، سواءً للتسويق الدولي أو التسويق والاستخدام المحلي بحسابات مستقلة بين المؤسسة الوطنية للنفط ووزارة المالية ومصرف ليبيا المركزي بشكل شهري.
– يتم إيداع الإيرادات بحسابات الإيراد العام ويتم فورًا نقل المخصص لغرض التنمية ووفقًا لقانون التخطيط إلى حساب التحول والذي لا يتم الإنفاق منه، إلا بموجب ميزانية التنمية والتحول، المعتمدة من مجلس التخطيط والمُقرة بموجب قانون الميزانية العامة للدولة الصادر عن البرلمان الليبي، و يصدر مجلس التخطيط التفويضات اللازمة على قوة القانون للحكومة، للقيام بعمليات تنفيذ مخصصات التنمية وفقا للتوزيع المعتمد من مجلس التخطيط على كافة الأجزاء الرئيسية للبلاد وبلدياتها، وفقا لما يقرره مجلس التخطيط الوطني من معيار وطني للتوزيع.
د. سليمان سالم الشحومي
أستاذ التمويل ومؤسس سوق المال الليبي
30 أكتوبر 2022