كتب الخبير الاقتصادي ومؤسس سوق المال الليبي “سليمان الشحومي مقالاً بعنوان: إعادة التأهيل الاقتصادي ..
أشرس وأقوى المعارك لم تبدأ بعد، فهي لا يمكنها أن تعمل تحت أصوات الرصاص، و لكنها حتما ستنطلق عندما تصمت المدافع، إنها معركة التنمية الاقتصادية .
البناء و إعادة البناء الاقتصادي يترقبه الجميع، حتى المتصارعين الآن يعدون الشعب برغيد العيش بعد انتهاء الصراع المرير الدائر الآن في بلادنا.
نحن في حاجة بدون شك لإعادة هيكلة الاقتصاد و بناء المؤسسات على أسس جديدة أساسها الشفافية المالية و شفافية الملكية و شفافية المنافسة و الشفافية التنظيمية.
الشفافية المالية تكون بتطبيق قواعد محاسبية و مالية متعارف عليها و تنعكس في الإفصاح الدوري عن نتائج نشاط المؤسسات ، أما شفافية الملكية فهو أمر معقد في ليبيا و يعمل بضوابط في حاجة للمراجعة بسبب التحايل عليها من أصحاب الشركات أو المساهمين بها، فالقوانين و اللوائح و القواعد التنظيمية تضع حدا لسقف التملك سواء بالمصارف أو الشركات الأخرى المساهمة و جلها جرى التحايل عليها و بشكل يتسق مع القانون عبر التنازلات عن الملكيات لدى محرري العقود، الأمر الذي احتاطت له العديد من الدول و اشترطت بالقانون أن نقل الملكيات يجب أن يكون صريحا و عبر آليات سوق المال حتى وإن كانت الشركات المساهمة غير مدرجة بالسوق، و نظمت عملية الاستحواذ بشكل قانوني عبر الإفصاح عن عمليات الاستحواذ الجزئي و الكلي بما يمكن من حماية الأطراف الأخرى مثل صغار المساهمين بل ذهبت التطبيقات في مسائل الملكية إلى إفراد تصنيف خاص بالمجموعات المرتبطة من الملاك و المساهمين بضرورة أن تفصح عن ارتباطها و اشتراك مصالحها أمام الجميع.
وفيما يتعلق بشفافية المنافسة فهي آلية لا يمكن تطبيقها في ظل وجود أي نوع من الحماية الجبائية أو الدعم بمختلف أشكاله لمنتجات أو سلع تقوم بإنتاجها جهات تملكها الدولة أو تساهم فيها و تعتبر ملكية عامة ، فشفافية المنافسة تتطلب مراقبة ومنع احتكار السوق و التي يربكها وجود قانون الوكالات مثلا و الذي مع التوجه لاقتصاد تنافسي و حر قد يكون في حاجة لمراجعة مستقبلا وإلغاء الحصرية في التوريد للسوق المحلي أو إعادة التصدير .
فيما يخص الشفافية التنظيمية فهي تتعلق بدور الجهات التنظيمية مثل وزارة الاقتصاد و التي أقحمت في عملية التملك و الاشراف علي قطاعات اقتصادية إنتاجية و خدمية و طوقت عنقها بأدوار لم تتمكن ولن تتمكن في المستقبل من القيام بها كالرقابة على الأسعار و التسعير الحبري و ربط بعض انواع أدوات النشاط الاقتصادي بموافقات وبيرقراطية عقيمة كالشركات المشتركة و فروع الشركات الأجنبية ، فهذه الجوانب التنظيمية في حاجة لمراجعة شاملة.
إعادة الهيكلة للاقتصاد المستقبل الليبي لا يجب أن يقتصر كما يطرح من البعض الآن في مشروع إصلاحات اقتصادية متعلقة بالدعم و سعر تقييم الدينار و نقف عند ذلك ، فالمراجعة يجب أن تكون شاملة و منظمة و مخطط لها في كافة جوانبها.
تعديل السياسات الاقتصادية أمر بالغ الأهمية وينتج آثار اقتصادية تعالج الخلل الموضعي في الاقتصاد و لكنها ستكون قاصرة عن الوصول إلى توظيف حقيقي بالاقتصاد و تساعد على تحقيق مستهدفات تنموية أساسية ، فهي ربما تحل أزمة السيولة مثلا و تحفظ الأسعار و لكنها لن تعيد تنظيم وتأهيل دور القطاع المصرفي في تفعيل عجلة الاقتصاد و لن تمكن من أن يلعب القطاع الخاص دورا محوريا في الاقتصاد الوطني بالشفافية المطلوبة.
اقتصاد ليبيا في حالة إعاقة و عدم قدرة على الحركة و في حاجة لإعادة تأهيل منظم و متدرج طويل الأمد ، نأمل أن يقف قريبا صوت الصراخ و أن تحل محله أصوات الأقلام التي ترسم مسارات واعدة لليبيا و اقتصادها.