كتب: د. سليمان الشحومي مصرفي ومؤسس سوق المال الليبي
مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي يعود تحت ضغط المجتمع الدولي ومطالبات النخب الاقتصادية الليبية والسياسية بضرورة توحيد مؤسسة النقد الليبية، ولعل أكبر مسرع لعودة التئام أجنحة المصرف المركزي المنكسرة هو اتفاق سوتشي حول إرجاع تصدير النفط مقابل حجب العوائد عن خزائن المصرف المركزي حتي يتم التوحيد الحكومي والمؤسسي للمصرف المركزي، وفي ظل الصراع الورقي والشفوي بين أقطاب وأطراف مسؤلي المؤسسات الحكومية، تسارعت الخطي واشرئبت الاعناق بعقد الاجتماع التمهيدي وبعدها الدعوي للاجتماع الذي سينظر فيه مسألة تعديل سعر الصرف قريبا.
كل ذلك كلام جميل ويعد بتحسن الأوضاع الاقتصادية بشكل عام، فالمركزي لم يجد حل وسط النار المشتعلة بينه وبين السلطة التنفيذية ومؤسساتها إلا أن يعود إلى قواعده ويتحالف مع نفسه بعد قطيعة سبع سنوات عجاف ليعود للمشهد عبر بوابة تعديل سعر الصرف وأن يكون في متناول الجميع، ذالك المطلب العتيد والذي استمرت المطالبات به لسنوات وتم فرض ضريبة على النقد كحل بديل من قبل الحكومة، في كل الأحوال تعديل سعر الصرف سيكون أمامه خيارات صعبة وفي تقديري فهو أمر ليس بالبساطة بما كان بسبب عدم وجود التنسيق بين السياسة النقدية من طرف والسياسات المالية والتجارية من طرف آخر، التعديل عبر قرار مجلس إدارة المصرف المركزي بسعر ثابت جديد والذي سيكون في مدى السعر الرسمي مع الضريبة الحالية مع زيادة محدودة جدًا لتقليص فجوة التوقعات بحجم الطلب على شراء الدولار (بين 3.80- 4.25) ولا يمكن أن تكون قريبة من أسعار السوق الموازي كونها تزيد من حالة التضخم والركود معًا وتزيد من حالة عدم الثقة بالسوق.
التعديل يعني ضرورة إعادة تقييم الأصول النقدية للعملة الأجنبية وسيزيد من حجم الانفاق بالموازنة الحكومية القادمة ويرفع المستوي العام للأسعار ويتطلب أن يتم اخطار صندوق النقد الدولي لإعادة تقييم العملة الليبية أمام وحدات حقوق السحب الخاصة وحتما يتطلب تعديل السعر أن تعدل الحكومة مشروع الموازنة العامة وفقا للسعر الجديد وتقوم بمعالجة دعم الوقود ورصد المخصصات اللازمة لمعالجة الانخفاض في الدخل الحقيقي للمواطن وحماية الفئات الهشة وعلى الأغلب يكون ذلك عبر علاوة العائلة المتوقفة والتي تراكمت عبر سنوات من عدم الصرف وإطلاق مشروع جديد للمرتبات والأجور وإعادة هيكلة الانفاق الحكومي الأخر لمجابهة العجز المتوقع في الموازنة والتوافق مع المصرف المركزي في آليات تمويل العجز بالميزانية القادمة وسداد وتسوية التزامات الدين العام السابقة عبر إجراء تعديل لتقيم الاحتياطيات.
لذلك هناك حاجة أن يصاحب إقرار السعر الثابت الجديد للعملة الليبية أن تعلن الحكومة عن مشروع إصلاحاتها الهيكلية وأن يتدارسها مجلس إدارة المصرف المركزي ليتمكن من استكشاف السعر الجديد وإقراره في وقت لاحق بعد إجراء التعديل الأساسي الآن، أما غير ذلك فقد يجد المصرف المركزي نفسه أمام الضغط برفع سقف السعر الثابت الجديد بشكل تقديري ليقلص فجوة التوقعات حول ما ستقوم به الحكومة من إجراءات وسداد الدين العام السابق وحجم عرض النقد بالاقتصاد، وفي تقديري قد يتجه المركزي لإقرار سعر جديد ويشترط على الحكومة أن تعلن عن برنامجها وتباشر تنفيذ الاصلاحات المالية والتجارية وذلك لمراجعة السعر والتاكد من أنه يحقق التوازن المطلوب.
إجراء الاصلاحات الاقتصادية يتطلب توافق وتناغم المفقود حاليا بين الأطراف المسؤلة عن إقرار وتنفيذ الاصلاحات المرتبطة بتأثير تعديل سعر الصرف وعلى صعيد السوق سيتم تقييم عملية تعديل سعر الصرف في ضوء التزام المصرف المركزي برفع القيود على عمليات الطلب والشراء للدولار، وسيقيم المواطن عملية التعديل لسعر الصرف بمدى تحسن الأسعار بالسوق ومدى التزام الحكومة بتحسين دخله الحقيقي ومدى مقدرته على حل أزمة السيولة المربكة.