كتب : د. سليمان الشحومي
بدون أدنى شك ان المعالجات النقدية التي أطلقت منذ أكتوربر 2018 ساعدت علي تحسين أوضاع أزمة السيولة الخانقة و خفضت بشكل كبير من فروق أسعار الصرف بالسوق الموازي و انعكس ذلك في تحسن ملحوظ في المستوي العام للأسعار و قلص من مستوي التضخم .
ولكن تبقى هذه المعالجة الوحيدة حتي الآن قاصرة علي إيجاد حلول ناجعة علي مستوي متطلبات الحياة اليومية للمواطن في كافة مناطق البلاد سواء بالمناطق الجنوبية التي تشهد احتقان وارتفاعا شديد في الأسعار ونقص في الوقود ونقص بالعديد من الأساسيات كالدواء و الغذاء، وللمواطن المهجر من مناطقه و المهمش و المتضرر مما يحدث بسبب انعدام العدالة في توزيع الثروة النفطية للبلاد و استغلال من بعض الجماعات لحقوق عامة لمواطنين عبر التهريب وغيرها.
السؤال الذي يدور الآن ما هو المطلوب عمله من قبل حكومة الوفاق ؟
بالتأكيد أن الاستمرار في تحسين آليات عمل الإجراءات النقدية علي مستوى البنك المركزي أمر مطلوب و حيوي في هذه الظروف و سيكون لحسم مسألة تحويل الدعم بالوقود الي دعم نقدي و تحسين مستويات الدخول الحقيقية للمواطنين أثر مهم جدا علي مستوي مجابهة الفساد بعمليات توزيع الوقود محليا و تهريبه خارجيا ،كل هذه المقترحات يدور بشانها نقاش وحوار علي عدة مستويات ولازالت لم تظهر بصورة واضحة ، كما أن تحسين قدرة البلديات علي مباشرة الخدمات الاساسية و تحسين مستوياتها في غاية الاهمية في هذه الاوقات التي فشلت الوزارات القائمة في معالجة و تقديم الاحتياجات الاساسية للمواطن .
لذلك فإنه يقترح أن يتم إدراج المعالجات الاقتصادية المزمع تطبيقها ضمن برنامج الترتيبات المالية للسنة القادمة 2019، وتشمل المرتكزات التالية :
1- أن يتم إدراج باب خاص بالترتيبات المالية للبلديات و تشمل نفقات كل بلدية من المرتبات و النفقات التسيرية للجهات العاملة تحت سلطة البلدية ، وذلك لتمكين البلديات من سرعة التنفيذ وخصوصا النظافة وحماية البيئة علي ان تظل لوزارة المالية سلطة الرقابة عبر تحديد المخصصات و سبل الانفاق منها ، ويسمح للبلديات بتحصيل الايرادات البلدية المختلفة، ويحق للبلديات التعاقد مع القطاع الخاص لتنفيذ الخدمات العامة مثل النظافة والصيانة والتشغيل وفقا لما هو محدد بالترتيبات المالية الخاصة بكل بلدية.
2- يخصص باب الدعم للمواطنين في شكل بديل نقدي ويرفع الدعم المباشر بالكامل و يوزع علي المواطنين وفقا للرقم الوطني وبعد اجراء عمليات فحص ومطابقة عبر منظومة الكترونية تدار علي مستوي البلديات للمواطنين المقيمين بها.
3- معالجة الحد الادنى والحد الاعلى لمرتبات الموظفين الحكوميين ومعاشات المتقاعدين ومعاشات التظامن الاجتماعي بحيث تتحمل الميزانية العامة الفرق عن الحد الادني للمعاشات والذي يقترح ان يتم وضع حد ادني له ضمن الترتيبات.
4- وضع ضوابط للانفاق من قبل وزارة المالية للبلديات لكل بند وخصوصا سبل التحكم في الانفاق علي الاصول مثل السيارات و الاثاث وغيرها.
5- يكون الانفاق علي باب التنمية تحت الاشراف المباشر لوزارة التخطيط وبالتنسيق مع البلديات و الجهات علي المستوي الوطني لسبل التنفيذ علي ان يرتكز في تنفيذ الاعمال التي لا تستغرق مدة طويلة وبشكل اساسي اعمال صيانة المرافق التعليمية و الطبية و غيرها من عمليات تأهيل واعادة الخدمات الاساسية.
6- إرجاع العمل بعلاوة العائلة المتوقفة منذ سنوات وادراجها ضمن باب الدعم و يتم تغطيتها للسنوات السابقة عبر عوائد عمليات بيع الدولار بالسعر الخاص الحالي.
7- إصدار قرار من المجلس الرئاسي مصاحب لقرار الترتيبات المالية يحدد مقدار الضريبة الجديدة علي بيع الدولار و يكون هو السعر الوحيد المعمول به في ليبيا داخليا وخارجيا بدون اي استثناءات.
ختاما ،،
إعادة تصوير الترتيبات المالية علي أسس تسمح للبلديات من التعرف علي مخصصاتها من ثروة البلاد و الدعم النقدي المباشر للمواطنين لديها و مقدار مخصصاتها للقيام بالواجبات الضرورية لتحسين البيئة المحيطة و استدامة الخدمات ، سيحقق ذلك العديد من الاثار الايجابية ويساعد الناس في كافة المناطق من التعرف علي نصيبهم من الدخل القومي و يمكنهم من التحقق اين يتم الانفاق و لماذا .
إن جملة السياسات العاجلة لتحقيق جملة من الاهداف و التي ترتكز في تحسين مستوي المعيشة للمواطن و ايقاف الفساد المستشري بسبب وجود اكثر من سعر لصرف الدولار و الفساد في ملف الدعم ،و لعل الظروف الان اكثر مناسبة لتحقيق اختراق شامل علي مستوي الوضع الاقتصادي و الذي قد يشكل قاعدة جديدة لاعادة اطلاق الاقتصاد الليبي وفقا لقواعد عادلة وشفافة وتساعد علي بناء قطاع خاص في ظل قواعد من المنافسة العادلة .