Skip to main content
الشحومي يكتب مقال بعنوان: حفل للانتحار الجماعي
|

الشحومي يكتب مقال بعنوان: حفل للانتحار الجماعي

كتب: د. سليمان سالم الشحومي أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة نتونجهام ترنت ببريطانيا، ومؤسس سوق المال الليبي.

أقل وصف يمكن أن يوصف ما يحدث في ليبيا أنه حفل انتحار اقتصادي واجتماعي وسياسي وأخلاقي مكتمل الأركان والعناصر وبحشد محلي واستخفاف دولي ورط الجميع .

توقف إنتاج وتصدير النفط كارثة بمعني الكلمة مهما كانت الشعارات والمنطلقات، بدون شك أن حكومة الوحدة الوطنية برفضها التسليم السلمي للحكومة الجديدة قد جرت البلاد جرا إلى عودة حالة الاستقطاب والمشهد المتكرر للصراع وجعلتنا أقرب إلى عودة الصراع المسلح مرة أخرى لنستمر في حالة الدوران المعتادة ، الواقع أن الأساس والمنطق أن لا حجب الإيرادات النفطية عن الايداع بحسابات الحكومة بالمصرف المركزي مهما كانت الدوافع فالاحتفاظ بها خارج قنواتها الطبيعية يؤدي إلى انحسار قدرة المصرف المركزي على تمويل عمليات التجارة الخارجية ويضعف قدرته على تمويل النفقات العامة حتى مع التقيد بالانفاق المرشد والاقتصار على المرتبات والدعم فقط والتوقف عن الإنفاق على غيرها من الأبواب والبنود وهذا آمر مرغوب ومطلب مهم لوقف حالة السيلان المتلازمة مع فساد مالي أقل ما يمكن أن يقال عنه انه كارثي وتمارسه شبكة منظمة .

أما من يطلبون أن يتم فرض إدارة أجنبية على ادارة الإيرادات فهو كلام غير واقعي وسيعني ذلك حتماً أن تذهب الإيرادات إلى حسابات الحكومة لدى المصرف المركزي في نهاية الأمر وفقاً للقانون لتسيير الإنفاق العام، ، وبالتالي ستزداد حلقة أخرى للحلقات المفرغة الموجودة وتسلب ما تبقي من السيادة ومقومات الدولة الوطنية التي تدير أموالها وتنظم شؤونها، وبالتاكيد أن مثل هذا المطلب سيكون في حاجة لاتفاق أطراف العملية المختلفين على آلية الادارة للأموال وربما اشراك اطراف الصراع السياسي .

بدون أدنى شك أن توقف إنتاج وتصدير النفط يعني تعثر شامل وحتماً ينعكس في مستويات الأسعار ويجر ورائه التزامات وتعقيدات فنية بقطاع الطاقة والذي هو الأمل الوحيد لإعادة الإستقرار الاقتصادي للبلاد وإعادة مسار التنمية لليبيا.

ما يحدث الأن هو إحتفال ينتهي بأن ينتحر جميع المشاركين فيه بإرادتهم، أن تجنيب إيرادات النفط وامساكها لدى مؤسسة النفط ليس حلاً على الإطلاق فذلك يعني أن المؤسسة الوطنية للنفط لن تجد موارد لاستمرار أعمالها أيضاً وهي وفقاً للقانون تدير عملياتها بالداخل وعبر قوانين الدولة المنظمة ولا يمكن أيضاً للمصرف المركزي أن يستمر في تمويل الإنفاق العام بدون توريد الإيرادات واتاحتها للانفاق العام اعتماداً على إقراض الحكومة فلا نعرف مدى القدرة التي يمكن للمركزي أن يستمر في التمويل بدون إيرادات في ظل وجود دين عام سابق لم تتم تسويته ولا نعلم ما هو الرصيد الحر من إجمالي الاحتياطيات لدى المصرف المركزي والذي يمول به عمليات التجارة الخارجية و بالتالي الاسلم وكمخرج من هذا الانتحار الجماعي أن تقر الموازنة العامة من السلطة التشريعية وأن تقيد الإنفاق بشرط الرقابة المصاحبة لوزارة المالية من قبل ديوان المحاسبة وأن توقف مؤقتاً الإنفاق على التنمية وعلى الطواريء في ظل تهتك وضعف مؤسسات الدولة وضعف القدرة على إدارة عمليات التنمية وغرقها في الفساد ، مع إمكانية اشراك مكاتب محاسبة وطنية وفقاً لمعايير وقواعد محددة في عملية الرقابة والمراجعة المصاحبة للمؤسسات الحكومية لتسريع قدرة الديوان على القيام بالمهام ضمن مشروع وطني لتعزيز الشفافية وحماية المال العام.

لابد لنا من سبيل لإيقاف هذه المهزلة ولابد لنا من التركيز على تنمية وتحسين استدامة النفط والغاز وأن لا نفقد دوره في مستقبل ليبيا ولابد أن نتشارك جميعًا في هذا الهدف الاساسي والذي سيساعد في ترميم اقتصادنا وإعادة الإستقرار .

مشاركة الخبر