كتب الخبير الاقتصادي “إدريس الشريف” مقال بعنوان: شفافيه لكن .. بدون مساءلة !
منذ أن ثبت بشكل قاطع أن فساد أنظمة الحكم وسوء إدارتها للموارد هو السبب الرئيس لتعثر برامج التنمية في الدول المتخلفة ( رغم توفر الموارد المحلية لديها ومصادر التمويل الخارجية) ظهر مفهوم ( الحوكمة ) – التي تعني الحكم الرشيد بإعتبارها متطلب أساسي لنجاح برامج التنمية في هذه الدول.
ويستند الحكم الرشيد إلى ( ركيزتين ) أساسيتين مرتبطتين ببعضهما ارتباطاً عضويا كاملاً بحيث لا يمكن الاكتفاء بإحداهما والاستغناء عن الأخرى.
هاتان الركيزتان هما : ( الشفافية) و ( المساءلة ) !
( الشفافية ) تعني ضرورة إطلاع الشعب – مباشرة أو عن طريق ممثليه على كيفية تخصيص واستخدام موارد المجتمع المالية والاقتصادية والتصرف فيها -حسب الأهمية والأولوية – بكفاءة وبأفضل الوسائل الممكنة .
أما ( المساءلة) فتعني القدرة على محاسبة ومساءلة ( السلطة التنفيذية ) عن كيفية تصرفها في موارد البلد ، المالية والاقتصادية، والقدرة على إتخاذ الإجراءات التصحيحية لأي انحراف عن الأهداف المرسومة بما في ذلك اسقاط أو تغيير هذه السلطة في حال فشلها.
ما دفعني إلى كتابة هذه المقدمة هو إعلان مصرف ليبيا المركزي عن ( إطلاق ) ما أسماه ( خطة الافصاح والشفافية ) من خلال نشره لبيان إيرادات الدولة ونفقاتها واستخدامات النقد الأجنبي .
وهو بيان يشوب غموض كبير الكثير من جوانبه كما أنه لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى احتياطيات الدولة الخارجية بل تم عمداً ( وبأمر من المحافظ ) حذف الجدول الخاص بها من النشرة الاقتصادية الدورية للمصرف وإخفاء أي بيانات عنها !!
فما هي قيمة ( الشفافية والافصاح ) التي يدعيها المصرف المركزي إذا كان ( المحافظ ) لايخضع لأي نوع من ( المساءلة ) أو المحاسبة من أي جهة في الدولة وعلى رأسها الجهة التي قامت بتكليفه وهي مجلس النواب التي رفض حتى المثول امامها رغم استدعائه ، وضرب بقراراتها عرض الحائط بما فيها قرار اقالته اضافة إلى تجميده لعمل مجلس الإدارة المفترض أن يعمل تحت إشرافه كما ينص القانون؟!
فالشفافية بدون وجود ( مساءلة ) لاقيمة لها ولا تعني شيئاً ولاتسمن ولاتغني من جوع.
وادعاء ذلك من المصرف لا يعدو كونه في نظري ( مزحه ) سخيفه الهدف منها محاولة الضحك على عقول الكثيرين من هذا الشعب المغلوب على أمره .
لكن الأكثر (طرافة) هو محاولة تسويقها واقناع العالم الخارجي بها والأغرب من ذلك (تماهي) الدول التي تدعي الحرص على مباديء الديمقراطيه والحكم الرشيد ( ومحاولة نشرها في العالم ) مع هذه (المهزلة).
حيث رأينا – الأسبوع الماضي – أن المحافظ شد الرحال وكلف نفسه عناء السفر إلى مقر اقامة ( حوش ) القائم بالأعمال الأمريكي في تونس ليقدم له تقريراً عن إيرادات ومصروفات الدولة عملاً بخطة (الافصاح والشفافية ) التي أعلنها المصرف !!
في الوقت الذي يرفض فيه الذهاب إلى الجهات التي يلزمه القانون بالمثول أمامها وتقديم تقاريره لها ، وبعضها لايزيد بعدها عن مكتبه عن مئات الأمتار “شر البلية ما يضحك” .