“الشمام” يكتب: التأمين الصحي بين الحاجة والضرورة
كتب الخبير في التأمين الصحي “عبد المنعم الشمام”، التأمين الصحي في ليبيا بين الحاجة والضرورة
مع تفاقم الأزمات التي يعاني منها القطاع الصحي في ليبيا وتزايد الضغوط على الموازنة العامة، يبرز خيار التأمين الصحي كبديل عملي وضرورة ملحة لتوفير الرعاية الطبية للمواطنين بجودة وكفاءة أعلى، وضمان حقهم في العلاج بكرامة.
أزمات متراكمة:
رغم النوايا الحسنة للحكومة وما يشير إليه حجم الإنفاق الحكومي الضخم على قطاع الصحة، إلا أن الواقع يكشف عن تحديات متراكمة، فوفرة الموارد لم تمنع من ضعف الأداء، ووفرة الأدوية لم تُترجم إلى توزيع عادل، فيما ظل تطوير الكوادر الطبية – رغم كثرتها – دون المستوى المطلوب. هذه الاختلالات دفعت كثيراً من المرضى إلى البحث عن العلاج في الخارج، خاصة في دول الجوار، بتكاليف باهظة تثقل كاهلهم وتزيد أعباء الدولة في آن واحد.
ووفق بيانات اقتصادية، بلغ الإنفاق الحكومي على الصحة في ليبيا 4.65% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022 مثلاً، فيما وصل الإنفاق الصحي للفرد إلى نحو 278 دولاراً سنوياً فقط، وهو رقم يعكس محدودية الاستثمار في قطاع حيوي بهذا الحجم. كما تشير تقارير دولية إلى أن حصة الصحة من إجمالي الإنفاق الحكومي لا تتجاوز 5.1%، بعد أن كانت حوالي 6.9% في 2021، ما يبرز تراجع الأولوية الممنوحة لهذا القطاع.
ما هو التأمين الصحي؟
التأمين الصحي، كما يوضحه الخبراء، هو عقد ثلاثي الأطراف يربط بين المواطن “المؤمَّن له”، مقدمي الخدمات الطبية من مستشفيات ومصحات ومراكز صحية، وشركات التأمين أو أدواته.
ويقوم النظام على أساس دفع اشتراكات مالية دورية لصندوق خاص يتولى لاحقاً تغطية تكاليف العلاج عند الحاجة، بما يضمن العدالة في توزيع الأعباء واستدامة التمويل.
فوائد التأمين الصحي
- توفير الرعاية الصحية لكل فئات المجتمع.
- رفع جودة الخدمات الطبية تحت رقابة صارمة.
- تخفيف العبء المالي عن الدولة والمواطن.
- جعل الاشتراكات متناسبة مع دخل الفرد.
- مواجهة تكاليف العلاج المرتفعة داخلياً وخارجياً.
شروط النجاح محلياً:
يرى الخبراء أن نجاح التأمين الصحي في ليبيا يتطلب تهيئة الأرضية المناسبة من خلال:
- قطاع صحي فعّال ومجهز ببنية تحتية متطورة.
- كوادر طبية وفنية مدرَّبة تدريباً جيداً.
- إدارة كفؤة قادرة على التخطيط والتنظيم.
- نظام معلومات صحي شفاف وحديث.
- رقابة صارمة على جودة الخدمات.
- مساهمة المواطنين في جزء من التكلفة لضمان الاستدامة.
بين التحدي والأمل
في ظل التحديات الاقتصادية وضغوط الموازنة، يبدو أن التأمين الصحي لم يعد خياراً ترفياً، بل ضرورة لتخفيف العبء عن الدولة وضمان العلاج للمواطن. التجارب الدولية تثبت نجاحه، لكن التحدي الحقيقي يبقى في القدرة على تطبيقه بما يتناسب مع الواقع الليبي، ويضع صحة المواطن في صدارة الأولويات.
وفي مقالات لاحقة، سنتوقف عند تجربة التأمين الصحي في ليبيا من حيث الواقع والتحديات، كما سنسلط الضوء على قانون التأمين الصحي ولائحته التنفيذية، بما له من مزايا وما قد يواجهه من عيوب
أرقام وإحصائيات:
بعض النقاط والإحصائيات حول قطاع الصحة في ليبيا سنة 2024 بالأرقام:
- الإنفاق الصحي الكلي: 9.07 مليار دينار (~1.88 مليار دولار)، أي 4.5% من الناتج المحلي، مقابل 7% في تونس و5% في مصر، و8–12% في الدول المتقدمة.
- نسبة الصحة من الموازنة العامة: 8% فقط، بينما المعيار الدولي ~15%.
- توزيع الإنفاق الصحي: 36% مرتبات، 16% تسيير، 17% دعم، 0% للتنمية أو الطوارئ.
- الاعتماد على الخارج: 389 مليون دولار خرجت للصحة، منها 101 مليون علاج بالخارج و288 مليون أدوية، أي 20% من الإنفاق الصحي بالدولار.
- القوى العاملة الصحية: 167,744 موظفاً، يمثلون 7.6% من إجمالي موظفي الدولة، بكثافة 23 موظفاً صحياً لكل ألف نسمة، مقابل الحد الأدنى لمنظمة الصحة العالمية 4.5.
- كتلة المرتبات: الصحة 3.275 مليار دينار من إجمالي كتلة مرتبات الدولة 67.6 مليار دينار، أي 4.85% فقط.
- متوسط الأجور: الموظف الصحي 1,627 ديناراً شهرياً مقابل 2,560 ديناراً للموظف العام، أي أقل بنسبة ~37%.
- ضعف الأجور بالنسبة للدخل الفردي: الأطباء يحصلون على 0.6 ضعف دخل الفرد مقارنة بدولياً 1.5–3 ضعف، والممرضون 0.6 مقابل 1–2.
- اختلال القوى العاملة: نقص في التمريض والفنيين وزيادة في الإداريين، ما يزيد الضغط ويضعف الخدمات.
- غياب الاستثمار والتنمية: البنية التحتية غير مجهزة، والاعتماد على الخارج للأدوية والعلاج يستهلك أموالاً كبيرة، والقطاع الصحي لا يقدم خدمات كافية ولا يحقق العدالة للعاملين فيه.