كتب الخبير الاقتصادي “محمد الصافي” مقالاً حيال سوق الأوراق المالية وعلاقته بالنمو الاقتصادي، قال خلاله:
لقد لاقت أخبار فتح سوق الأوراق المالية (البورصة) لأول مرة منذ عام 2011 صدى إيجابي اليوم داخل الساحة الاقتصادية. هنا، أسعى إلى عرض بعض النقاط المهمة حول أهمية هذا التطور وشرح العلاقة بين سوق الأوراق المالية والنمو الاقتصادي.
محركات الناتج المحلي لأي دولة (الأساسيات أولًا):
إن الناتج المحلي، المعروف بالناتج المحلي الإجمالي (GDP)، يتكون من إجمالي السلع والخدمات التي تنتج داخل البلد ويتكون من العناصر التالية:
الناتج المحلي = الاستهلاك + الاستثمار + الإنفاق الحكومي + صافي الصادرات (الصادرات – الواردات)
يلعب الاستثمار دورًا حيويًا في النمو الاقتصادي، إذْ يعزز الإنتاجية بما يُعرف في الاقتصاد بـ”نمو الإنتاجية” او Productivity Growth
الإدخار وعلاقته بالاستثمار (ليس كل إدخار مفيد اقتصاديًا):
الآن بعد أن فهمنا أن الاستثمار من بين المحركات الأساسية لنمو الدولة وتعزيز الإنتاج المحلي، كيف يتحقق الاستثمار؟ الشرط الأساسي للقيام بالاستثمار هو وجود الإدخارات (تحويشة) – الأموال المتاحة للاستثمار من قبل الأفراد والمؤسسات ومع ذلك، كيفية استعمال الإدخارات تحدد اهمية دورها في الاستثمارات
هناك ثلاثة آليات لإستخدام المدخرات:
1- النقود في البنوك أو “تحت الزليز”
2- الأصول المادية (العقارات أو الذهب).
3- الأصول المالية (ودائع في البنوك بفوائد، وأسهم، وسندات، وغيرها).
النوعان الأول والثاني لا يُنشئان رأس مال إضافي (مصانع ومعدات وما إلى ذلك) الذي يُحسّن من انتاجية السلع والخدمات. النوع الثالث هو الوحيد الذي يولّد رأس مال إضافي (تكوين رأس المال او Capital Formation) من خلال استثمار الادخارات في مشاريع إنتاجية.
الإدخار في ليبيا (لماذا العقار غالي؟):
تتبع غالبية الإدخارات في ليبيا النوعين الأول والثاني بسبب غياب السوق المالية (البورصة والوساطة المالية – النقطة التالية)، هذا التفاوت يؤدي إلى استخدام العقارات بشكل واسع (خصوصا الأراضي) كوسيلة رئيسية للإدخار في البلاد. وهذا يفسر بشكل كبير الارتفاع غير المنطقي في أسعار العقارات في ليبيا، حيث تتساوى بعض العقارات في بنغازي وطرابلس أو تتجاوز قيمتها العقارات في مدن مثل لندن ونيويورك، هذا ناتج عن جذب العقارات لكل الإدخارات المتاحة في البلاد كاستثمار آمن، ولكن على المستوى الشخصي بدلاً من المساهمة في الاقتصاد (استثمار العقارات هنا يُعتبر استهلاكًا وليس استثمارًا في محركات الإنتاج المحلي، حيث لا يخلق قيمة مضافة).
ربط الإدخار والاستثمار (السوق المالي):
وصلنا الآن إلى فهم أن الادخار مهم، ولكن يجب استخدامه بطريقة تُضيف قيمة في الاقتصاد من خلال الاستثمار في مشاريع تنتج سلعًا وخدمات ومع ذلك، ليس كل صاحب ثروة هو رائد أعمال أو تاجر قادر على توظيف الإدخارات.
لذا تحتاج الدول إلى سوق آمن يربط أصحاب رؤوس الأموال بالتجار وأصحاب المشاريع، وهنا تظهر فكرة السوق المالي (Financial Market) والذي يتألف من جزئين:
- سوق الأوراق المالية: من خلال السماح للشركات بعرض أسهم للاستثمار (أو للحكومات والمؤسسات بعرض سندات خزانة)، يجذب جزءًا كبيرًا من الإدخارات من “تحت الزليز” أو المتخبئة في العقارات.
- الوسطاء الماليين (قروض البنوك): تعمل البنوك كوسيطة في ربط رأس المال بأصحاب المشاريع من خلال الصيرفة الإسلامية أو معدلات الفائدة (بغض النظر عن الجدل المحيط بهذه الأدوات) هنا يتم إنشاء قيمة مضافة من خلال تحريك الأموال.
في الختام:
هناك أكثر من 40 مليار دينار ليبي خارج النظام المصرفي، هل ينجح سوق الأوراق المالية في جذب جزء منها؟ هل يمكن كذلك تفعيل الوساطة المالية للبنوك لتساند سوق الاوراق المالية؟ هذة اسالة سنعرف إجابته مع الوقت.