تزايد الصراع واستمرار الحرب الأهلية في البلاد قادر على أن يهدد قدرة المؤسسة الوطنية للنفط في الحفاظ على إنتاج النفط الخام ويهدد أيضاً بانهيار القطاع بأكمله.
وفي تقرير نشرته مجلة “بتروليوم إيكونوميست” البريطانية اليوم الجمعة ذكرت بأن الصراع المستمر الذي ترك آثارًا على المباني وسبب في خسائر مدنية وانعدام الثقة في طرابلس وغرب ليبيا منذ أبريل لا يُظهر أي إشارة إلى الاستسلام قريبا أو التوقف.
حيث لا تزال القوات التابعة لخليفة حفتر تحاول المضي قدمًا على الخطوط الأمامية جنوب العاصمة، وتقابلها قوات الوفاق التى تحاول أن توقفهم، حيث يعتمد كلا الجانبين بشدة على الدعم الأجنبي، وخاصة الأسلحة والذخيرة والطائرات بدون طيار للحفاظ على عملياتهم.
ولكن محاولات الحد من التدخل الأجنبي قد فشلت، مما يوحي بأن الحصول على الدعم الخارجي من المرجح أن يستمر حتى عام 2020. وبالمثل فإن إراقة الدماء والخطاب العدائي من جانب الفصائل المتناحرة قد عمق الانقسام وعدم الثقة بين الليبيين وهو إرث سيكون صعب التغلب عليه.
وأضافت “بتروليوم إيكونوميست“:
أنه وعلى الرغم من تفاقم الصراع على السطح يبدو أن قطاع النفط الليبي يتغلب على العاصفة ولم يتأثر إنتاج النفط بشكل كبير بالقتال، حيث ظل مستوى الإنتاج حوالي 1.3 مليون برميل يوميًا وفقًا لما صرحت به المؤسسة الوطنية للنفط، والجدير بالذكر أن مناطق النزاع لا تقع في الجوار المباشر لأي حقول نفط أو خطوط أنابيب رئيسية، ولم تحدث أي حواجز أو عمليات إغلاق طويلة الأجل منذ بدء القتال.
وعلى المستوى الوطني يحتاج كلاً من الطرفين المتنافسين إلى استمرار تدفق النفط حتى يتمكنوا بدورهم من الحصول على عائدات النفط من خلال مصرف ليبيا المركزي وهو “ما يميز ليبيا” ويحافظ على النظام الاقتصادي والذي به يستمر دفع الرواتب والإعانات وغيرها.
ورغم سيطرة الجيش بقيادة حفتر على أغلبية حقول النفط إلا أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يبدو موحدًا في دعمه للمؤسسة الوطنية للنفط الشرعية والوحيدة في ليبيا وهى مؤسسة التزمت بالحياد رغم الصراع، حيث أن الجيش الليبي ( في المنطقة الشرقية ) تحت قيادة حفتر سيخسر اقتصاديًا إذا حاول بيع النفط الخام بشكل مستقل.
وقد أدت المخاوف بشأن انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي بالفعل إلى هروب بعض شركات النفط الكبرى، على الرغم من موافقة العديد من الشركات غير الأوروبية على استئناف أنشطتها مؤخرًا و تم تأجيل صفقة تاريخية بين إيني الإيطالية وبي بي، حيث كان من المفترض أن تبدأ الشركة الإيطالية عمليات التنقيب في ثلاث كتل استكشاف في أوائل عام 2019، في حين هددت شركة وينترشال ديا الألمانية بالانسحاب من البلاد.
وفي المقابل تؤكد المؤسسة الووطنية للنفط أنها محايدة في الصراع وهو خط صعب المضي فيه قدمًا، حيث قام الجيش الوطني بقيادة حفتر بشن حملة من الترهيب والتضليل المؤسسة وموظفيها وتم التسويق أعلامياً على أن المؤسسة منحازة إلى الطرف الأخر (حكومة الوفاق ) ، ويأتى ذلك بعد أن اتهمت المؤسسة الوطنية للنفط الجيش بعسكرة منشآت النفط مما سبب في تقييد إمدادات وقود الطائرات إلى المنطقة الشرقية وفي الآونة الأخيرة أنشأت السلطات المتحالفة ( الحكومة الليبية المؤقتة ) شركة لتوزيع الوقود في المنطقة الشرقية في محاولة للوصول إلى الحسابات المصرفية التابعة للمؤسسة .
وفي نهاية المطاف ، يحاول الجيش دخول طرابلس والاستيلاء عليها لأنه يريد السيطرة على ليبيا ، بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط ، وبالنظر إلى أن السيطرة الصريحة على طرابلس لا تزال بعيدة المنال، فإن هذه القوات تبحث عن طرق أخرى للوصول إلى الموارد الاقتصادية للبلاد.
وحسب ما نقلته المجلة البريطانية فإن السيناريو الأكثر تطرفًا قد يؤدي ذلك إلى قيام الجيش الوطني الليبي التابع للبرلمان بقيادة حفتر بتقسيم البلاد فعلياً من خلال الاستيلاء على الأصول النفطية في شرق ليبيا وأنه حتى إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار قريبًا، فإن الجيش بقيادة حفتر وأنصاره لن يتخلى عن هدف تحقيق قدر أكبر من الاستقلال الاقتصادي في الشرق ، مما يعني أن قطاع النفط سيستمر في الاستفادة من المكاسب السياسية لشهور عديدة قادمة.
وعلى مستوى أكثر عملية، فإن جذبت المعارك في طرابلس القوات المتحالفة مع الجيش الوطني الليبي بعيدا عن مناطق مثل جنوب غرب ليبيا ، مما خلق فراغًا في الطاقة يمكن أن يعني أن حقول النفط ومواقع الاستكشاف في هذه المناطق معرضة بشكل متزايد.
ولا تزال المؤسسة الوطنية للنفط تعاني من نقص مزمن في التمويل وقد أدى الصراع المستمر إلى تحويل المزيد من الأموال عن ميزانيتها بالإضافة إلى ذلك ، منذ بدء النزاع علقت حكومة الوفاق الوطني الإصلاحات الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها الأن مما يعني أن الاقتصاد الليبي من المرجح أن يظل تحت الضغط، حتى لو انتهى الصراع قريبًا.
ونتيجة لذلك؛ من المحتمل أن تكافح المؤسسة لتمويل جميع أعمال الصيانة المطلوبة للحفاظ على الإنتاج مستقراً في عام 2020، ناهيك عن البدء بمشروعات توسعية جديدة وأنه وطالما استمر النزاع، وحتى إذا تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار، فمن المحتمل أن يتم تأخير إعادة الارتباط والاستثمار من شركات النفط العالمية حتى يصبح الاستقرار على المدى الطويل أكثر ضمانًا.
وأخيراً؛ وعلى الرغم من أن قطاع الطاقة الليبي يبدو مرنًا بشكل مفاجئ في الوقت الحالي، إلا أن الدلائل تشير إلى أن الصراع والانقسام الحاليين سيستمران وتتمثل التوقعات الأكثر ترجيحًا لعام 2020 في ركود الإنتاج أو تدهوره التدريجي مع تراجع الاستثمار واستمرار انعدام الأمن ولكن في أسوأ الأحوال قد يشهد العام الجديد انهيارًا كارثيًا للأساسات التي يقوم عليها قطاع النفط الليبي، مما قد يؤدي إلى انخفاض سريع في الإنتاج وزعزعة الاستقرار على المدى الطويل.