نشرت ” صحيفة أهفال التركية اليوم ” مقال بعنوان ( السياسة الخارجية للعثمانيون الجدد كلفت تركيا 100 مليار دولار والعد في النازل )
وقال الكاتب الذي أستهل المقال بسرد واقعة في نوفمبر 2010 :
لقد كان رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا في ذلك الوقت ضيف شرف لمعمر القذافي في ليبيا وحصل على جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان وأثنى أردوغان على الدكتاتور الليبي ووصفه بأنه “أخ”.
وبعد أقل من عام تم سحب القذافي من أنبوب تصريف كان يختبئ به بعد فراره من حصار المتمردين في مسقط رأسه في سرت.
وبعد أربعة أشهر فقط من وفاة القذافي أستضاف أردوغان الكيب – رئيس وزراء المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا ، وهنأ ضيفه على الثورة.
وعلى جدول الأعمال كانت الصفقات النفطية ودراسة أمكانية أنشاء بنك مشترك ومجموعة كبيرة من الفرص للشركات والمقاولين الأتراك في ليبيا.
وكان رئيسا الوزراء يتطلعان إلى ما يأملان أن يكون مستقبلاً مشرقًا للعلاقات التركية الليبية.
أما بالنسبة للكثيرين في المعارضة التركية كانت حكومة أردوغان مستعدة للغاية للانخراط في الصراع في ليبيا الذي أعقب سقوط القذافي وكان هناك غضب على خلفية دفع مبلغ 300 مليون دولار نقدًا نُقل إلى إدارة المجلس الوطني الانتقالي.
وأضاف الكاتب
أن مخاوف العثمانيون على مايبدوا كانت قائمة على أسس قوية فلقد تدهورت علاقات تركيا مع ليبيا في السنوات الست الماضية ، حيث أحتدمت الحرب الأهلية الليبية.
وقد تجلى ذلك بوضوح في مؤتمر ليبيا الذي انعقد الشهر الماضي في باليرمو – إيطاليا حيث شجع المتنافسون على الموافقة على شروط لإجراء انتخابات على مستوى البلاد.
وكان أحد هؤلاء المنافسين قائد الجيش الوطني الليبي حفتر الذي يقود المنطقة الشرقية ويسيطر عليها بدعم دولي واسع من مصر والسعودية والسودان بالإضافة إلى إيطاليا وفرنسا وروسيا.
وأن العلاقات مع تركيا تعتبر ليست دافئة جدا ، حيث أضطر الوفد التركي إلى ترك الأجتماع عندما أعترض حفتر على وجوده.
لقد خرج نائب الرئيس التركي ” فاتح اوكتاي والوفد التركي الذي يرافقه ” من المؤتمر في وقت مبكر نتيجة لذلك ، وقال أوكتاي لا يوجد حل لمشكلة ليبيا من الممك أن يستثني تركيا .
ولقد بدأت العثرات في ليبيا في وقت مبكر ولم تعتقد أنقرة قط أنه من الممكن الإطاحة بالقذافي حتى بعد اندلاع الانتفاضة ، حيث قاوم أردوغان مبدئياً تدخل حلف الناتو.
ولكن بمجرد أن كان الصراع على قدم وساق ، كانت حكومة أردوغان هي التي قدمت الدعم الأكثر أهمية للمتمردين الإسلاميين.
ومع تقدم الحرب ألقى حلفاء تركيا و حلف الناتو و إيطاليا وفرنسا وألمانيا ، وأيضاً الكتلة المكونة من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة ثقلهم لحماية مصالحهم في ليبيا. غير أن تركيا تُركت خارج الحلقة ونُهبت نتيجة ذلك مواقع بناء المقاولين الأتراك وحُرقت الآلات وأُخضع مواطنون أتراك للأسر أو الترحيل .
وأذا ما أعتبرنا أن تركيا داعماً رئيسي لإدارة الإخوان المسلمين التي تتخذ من طرابلس مقراً لها والتي تحكم غرب ليبيا ، فإن تركيا تقف بشكل شبه تام لوحدها .
وكما كان الحال في العراق وسوريا حيث أثبت دعم تركيا للقوى والأحزاب الإسلامية نتائج عكسية كان على أردوغان وحزبه ” حزب العدالة والتنمية ” أن يدفع ثمناً باهظاً لسياسته الخارجية العثمانية الجديدة في ليبيا.
وربما تتغير الأمور في المستقبل ، لكن في واقع الأمر كانت هذه السياسة مكلفة للغاية بالنسبة لاقتصاد تركيا في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج وشمال إفريقيا.
حيث كانت ليبيا أكبر سوق أجنبي للمقاولين الأتراك حتى عام 2011 ، لكن السوق ضاعت وأكثر من 600 شركة تركية ، كانت متورطة في مشاريع بقيمة 28.8 مليار دولار في ليبيا و لم تتمكن منذ سبع سنوات من المطالبة بأموالها ، وشهدت مشاريعها الحرق والأتلاف وفقد آلات قيمتها مليارات الليرات مما جعلها في حالة يرثى لها.
وبالمثل خسرت تركيا نصيبها في السوق العراقية بفضل سياسة خارجية تدعما الجماعات السياسية السنية في البلاد .
,في هذه الأثناء كان إغلاق المعابر الحدودية بعد بداية الحرب الأهلية السورية في مايو 2011 يعني نهاية مشاركة تركيا في الأسواق في سوريا والتي كانت قد جلبت قبل الحرب نحو 2 مليار دولار من الأعمال.
كما أزال أحد أهم الطرق للشاحنات تركية قوامها 120،000 والتي عبرت سورية من قبل لتصدير البضائع إلى دول الخليج وما وراءها مع تضرر اقتصاد جنوب تركيا بشدة نتيجة لذلك.
وأن التجارة المفقودة مع سوريا في السنوات السبع الأخيرة تصل إلى 20 مليار دولار و في الوقت نفسه تظهر الأرقام التي كشف عنها أردوغان في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين في نهاية الأسبوع الماضي أن الإنفاق على اللاجئين السوريين في تركيا قد بلغ 33 مليار دولار.
وبعبارة أخرى فإن العائدات المفقودة من الصادرات والنقل والتجارة الحدودية مقترنة بالتكاليف المرتبطة بملايين اللاجئين السوريين في تركيا حيث وصلت الخسائر إلى حوالي 50 مليار دولار من سوريا وحدها.
ويزداد هذا السعر كل يوم مع استمرار الحرب السورية ولا يزال لا يمكن أحصاء الأموال التي تنفق على العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا والمساعدات المقدمة إلى السوريين المساعدين في الجيش السوري الحر.
وأشار الكاتب أن تركيا خسرت الصفقة التي وقعتها إدارة مرسي بمنح الشحن التراكمي للبضائع من مصر إلي إفريقيا عبر مدينة الإسكندرية المصرية وهذا يعني توقف قناة أخرى لصادرات تركيا مما أدى إلى خسائر بقيمة 15 دولارًا مليار في ست سنوات.
وهكذا فإن الخسائر الإجمالية التي لحقت بالاقتصاد التركي بسبب الأخطاء السياسة الخارجية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية منذ ثورات الربيع العربية قد تجاوزت 100 مليار دولار في سبع سنوات.
وهذه الخسائر تبقي تصاعد ية يوما بعد يوم وحتى في حالة روسيا وبعد عودة العلاقات معها في عام 2016 عندما اعتذر أردوغان عن إسقاط طائرة روسية في العام السابق لم تتمكن تركيا من إعادة حجم تجارتها وعلاقاتها الاقتصادية إلى مستوياتها قبل أن يثير حادث الطائرة أزمة في عام 2015.
وفي حين أن تركيا وسعت السفر بدون تأشيرة للمواطنين الروس لا يزال يتعين على الأتراك تقديم طلب للحصول على تأشيرات الذهاب في الاتجاه الآخر و وأن العديد من القيود المفروضة على الصادرات التركية والعمال والشركات لا تزال في مكانها.
حيث حصل الروس على صفقة مربحة للغاية من تركيا في مشروع أكوكيو الذي تبلغ تكلفته 22 مليار دولار لبناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا بالإضافة إلى صفقة قيمتها أربعة مليارات دولار لتزويد تركيا بنظم دفاع صاروخي من طراز اس -400 وفي غضون ذلك سيحمل مشروع خط أنابيب تركستريم مليارات المليارات من الغاز الطبيعي تحت البحر الأسود من روسيا إلى تركيا مما يزيد من تعميق اعتماد أنقرة على موسكو.
ولكن رغم كل هذه الأتفاقيات وكما لاحظنا مرة أخرى عندما انسحب الوفد التركي من مؤتمر ليبيا ، فإن الأخطاء السياسة الخارجية التركية سوف تترك البلاد خالية الأيدي وأنه من المرجح أن نواصل دفع الثمن لسنوات قادمة.