يمثل القانون رقم 59 الخاص بالانتقال إلى الإدارة المحلية في البلاد خطوة مهمة نحو المزيد من الاستقرار الاقتصادي للبلديات والذي يساهم في إيجاد حل نهائي لمسألة الانقسام السياسي والصراع على الشرعية.
وعلى الرغم من صدور القرار منذ ست سنوات تقريبًا، لكنه بقى حبيس أدراج وزارة الحكم المحلي التابعة لحكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس.
كانت انتخابات المجالس البلدية في العام 2014 نقطة مهمة في التحول نحو اللامركزية في الحكم. لكن مع مرور الوقت ظلت المجالس البلدية المنتخبة غير قادرة على العمل بكفائة عالية وتلبية احتياجات السكان نتيجة افتقارها للموارد.
تصر وزارة المالية ومن خلفها وزارة الحكم المحلي بحكومة الوفاق على عدم السماح للبلديات بفتح حسابات للإيراد المحلي والتحكم في الموارد وتفعيل القانون اللامركزية، مما جعل القرار بدون فاعلية حتى الآن.
يُظهر تأخر حكومة الوفاق الوطني في الدفع نحو اللامركزية إلى وجود ضعف بقدرة الحكومة في مراقبة البلديات من حيث إدارتها للمال، إضافة إلى إمكانية خوفها من فقدان الشرعية التي تكتسبها عبر ولاء البلديات لها.
يسمح القانون 59 بحصول البلديات على نسبة من الضرائب المحصلة من الدولة في حالة وقوعها في نطاقها الإداري قد تصل إلى 35% إلى 37% إضافة إلى الإيراد المحلي.
مع استمرار الصراع على السلطة التي تدور حول طرابلس منذ أشهر، أصبحت البلديات غير قادرة على إبقاء نفسها بعيدة عن التجاذبات السياسية حيث أدت في بعض المدن إلى إنشاء مجالس موازية تابعة للحكومة المؤقتة ودفعت بعض اللبديات إلى التعامل مع الحكومتين من أجل الحصول على الدعم المالي.
بلديات ولكن!
يُفسر الوضع في بلدية سبها جنوب البلاد حالة من الصراع الذي يجري بين حكومة الوفاق الوطني والحكومة المؤقتة التي تتخد من بنغازي مقرًا لها، حيث أدى النزاع القائم بينهم إلى تجميد حكومة الوفاق الحسابات المصرفية الخاصة بالبلدية بعد تواصلها مع المؤقتة مؤخرًا.
وقال عضو المجلس البلدي في المدينة قدفي بوسعده إن البلدية أصبحت بدون مصادر للأموال بعد تجميد حكومة طرابلس لجميع الحسابات المصرفية الخاصة بهم نتيجة تعاملها مع الحكومة المؤقتة.
وفي حديثه لـ”صحيفة صدى الاقتصادية”، أوضح قدفي إن تأخر حكومة الوفاق في تفعيل القرار جعل البلدية لا تستطيع توفير الخدمات اللازمة للمواطنين بعد توقف الدعم. وأضاف: “على الرغم من التعامل مع الحكومة المؤقتة لم الأموال حتى الآن”.
يشكل الوضع في سبها تحديًا خاصا للمسؤولين على البلدية، فعدم حصول المدينة على الدعم الكافي قد يسبب في عودة حالة اللااستقرار والتي كانت تعاني منها في ماضي لايزال قريبًا.
يعتقد قدفي بوسعده أن إنهاء اللامركزية في البلاد سيعود بنوع من الاستقرار االاقتصادي إلى المناطق والمدن بعيدًا عن الاعتماد على الحكومة.
خيارات محدودة
على بعد 180 كم تقريبًا من طرابلس، تقع بلدية زليتن وهي من بين المدن الصناعية أو التي تملك العديد من المصانع ولكن نتيجة تضييق الحكومة على البلدية من خلال نقص التمويل جعلهم يسلكون طرقا مختلفة قد يحاسبهم عليها القانون يومًا ما. يقول وكيل الديوان عمر البربار.
وفي مقابلة نشرت في وقت سابق لـ”صدى الاقتصادية”، قال البربار إن تأخر الحكومة في تفعيل القانون كل هذه الفترة جعل خيارتهم محدودة في معالجة مشاكلهم الداخلية وتقديم الخدمات للمواطن.
ومع ذلك، يصر المسؤول المحلي بأن نجاحهم في توفير الخدمات وإنشاء مشاريع على نطاق واسع داخل البلدية كان تحدي كبير أمامهم حققوا فيه بعض النجاحات في ظل الظروف الصعبة.
مدن فقيرة
يقول المسؤول عن الملف الاقتصاد ببلدية مصراتة محمد التومي، إن الحكومة ليست لديها إرادة حقيقية في تفعيل قانون الإدارة المحلية وخاصة من ناحية الموارد المالية.
وأشار التومي إلى أنه في حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي المستمرة فإن حصول البلديات على الأموال سيساهم في تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطن بطريقة مباشرة وفعالة.
وأضف بأن الحكومة متخوفة من وجود مدن فقيرة ولا تملك إيرادات محلية مقارنة بمدن أخرى، ويعتبر اقتصداها متدني مما سيحدث فارق كبير بين البلديات.
وقال في حديثه لـ”صدى الاقتصادية”: “نحن نعتقد بأن الحكومة تعاملت مع الأمر بطريقة خاطئة ووضعت عدة أسباب غير منطقية، يجب عليهم إعادة النظر الموضوع من خلال تفعيل القانون وتحسين بعض البنود”.
عند النظر بصوة عامة إلى المدن في مختلف أنحاء البلاد يلاحظ وجود بعض البلديات ليست لديها مقومات تمكنها من الحصول على إيرادات كبيرة خاصة مع عدم تواجد المؤسسات السيادية في نطاقها إضافة للمنشآت الصناعية الكبرى.
يسمح قرار 59 المدن التي تتواجد بداخلها مؤسسات سيادية من الحصول على 10% من إيرادتها لصالح البلدية مباشرة للاستفادة منها.
ومع كل ما سبق، يبقى التحدي الذي يواجه الحكومة من خلال تطبيق القرار 59 هو كيفية إيجاد توازن من خلال توزيع الموارد على البلديات الهشة اقتصادية ودعمها بعكس المدن التي تملك فيها الدولة مشاريع ومؤسسات صناعية مهمة.