كتب المستشار “مصطفى المانع” استراتيجية ليبيا والبنك الأفريقي للتنمية 2025–2028
تسعى ليبيا في هذه المرحلة إلى تجاوز النماذج التقليدية لتمويل مشروعات التنمية، وهجر نموذج الاعتماد الحصري على الميزانية العامة، وذلك بسعي حكومة الوحدة الوطنية لاستعادة الثقة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وتحفيز رؤوس الاموال الاجنبية، وأدوات التمويل الخارجية. وفي هذا السياق، تبرز الشراكة المتجددة مع البنك الأفريقي للتنمية كأحد أهم الأدوات العملية لدعم هذا التحول، خاصة بعد اعتماد البنك خلال هذا الأسبوع إطار للتعاون الاستراتيجي مع ليبيا للفترة 2025–2028.
البنك، الذي يضم في عضويته أكثر من 80 دولة أفريقية وغير أفريقية ويدير محفظة تمويل سنوية تتجاوز 10 مليارات دولار، لا يقتصر دوره على تقديم القروض، بل يعمل على دعم الحوكمة، وبناء المؤسسات، وحشد التمويل من مصادر متعددة. وتكتسب هذه المقاربة أهمية خاصة بالنسبة لليبيا، التي تبحث اليوم عن حلول تمويلية وتنموية.
ويتزامن إطلاق استراتيجية البنك 2025-2028 مع تبني حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، نهجًا أكثر انفتاحًا على الإصلاح الاقتصادي، وتحريك عجلة التنمية، وبناء الشراكات مع المستثمرين الاجانب.
غير أن التحدي البنيوي في هيكل الانفاق العام لا يزال قائمًا، إذ يستهلك بندي المرتبات والدعم أكثر من 70٪ من الميزانية العامة، مقابل هامش محدود للتنمية والاستثمار، ما يجعل الاعتماد على الموارد العامة وحدها غير كافٍ لتحريك عجلة الاقتصاد أو خلق فرص عمل مستدامة.

أهم محاور الاستراتيجية
وتركز استراتيجية البنك بشأن ليبيا 2025-2028 على مجموعة مستهدفات، أهمها تعزيز الحوكمة والإدارة المالية العامة، كدعم إصلاحات الموازنة، رفع كفاءة الإنفاق، تطوير أنظمة الشفافية والمساءلة، بما في ذلك التحول الرقمي للمالية العامة.
وإعادة تأهيل وتطوير البنية التحتية، خاصة في قطاعات الكهرباء والمياه والنقل واللوجستيات، لضمان بيئة جاذبة للاستثمار الخاص.
كما تركز الاستراتيجية على قطاع الطاقة والتحول الطاقي، ودعم استدامة الشبكة الكهربائية، تحسين كفاءة الطاقة، وتهيئة ليبيا للاستفادة التدريجية من مشاريع الطاقات المتجددة.
وأيضاً الزراعة والأمن الغذائي، بتحديث سلاسل القيمة الزراعية، تطوير نظم الري، وربط الإنتاج المحلي بالأسواق، بما يقلل الاعتماد على الاستيراد.
ومن أهم محاور الاستراتيجية، تمكين القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، عبر تحسين الوصول إلى التمويل، تطوير بيئة الأعمال، ودعم ريادة الأعمال، خاصة للشباب.
تجارب سابقة للبنك
لقد أثبتت تجربة البنك الأفريقي للتنمية نجاحًا في دول مثل المغرب، مصر، كينيا، إثيوبيا، السنغال، رواندا، حيث ربطت تدخلات البنك التمويل بالإصلاحات المؤسسية، هذه الدول وغيرها موّل البنك مشروعات لها ذات أثر اقتصادي واجتماعي مباشر، شملت مشاريع توليد ونقل وتوزيع الكهرباء، والطرق السريعة والممرات اللوجستية العابرة للمدن والحدود، ومحطات المياه والصرف الصحية، برامج زراعية متكاملة (إنتاج – تخزين – نقل – تسويق)، وخطوط تمويل للمصارف المحلية لدعم القطاع الخاص، ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، وهي نماذج قابلة للتطبيق مع واقعنا الليبي.

أدوات تمويل متاحة من البنك
ان أدوات التمويل التي يملكها البنك يمكن لليبيا استثمارها وبالأخص منها:
• الضمانات السيادية وغير السيادية لتقليل مخاطر المستثمرين
• التمويل المشترك (Co-financing) مع مؤسسات دولية وصناديق سيادية
• تمويل الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP)
• تمويل مباشر للقطاع الخاص
• نوافذ دعم التجارة البينية الأفريقية
ختاماً
إن استراتيجية البنك الأفريقي للتنمية للفترة 2025–2028، إذا ما اقترنت باستمرار جهود الحوكمة والإصلاح التي تقودها حكومة الوحدة الوطنية، يمكن أن تشكل فرصة للمساهمة في خلق نمو مستدام ينعكس أثره على المواطن، وتستفيد منه الدولة على المدى الطويل.
المستشار مصطفى المانع هو محامٍ ليبي وخبير قانوني واقتصادي منذ أكثر من 24 عامًا، عمل مع عدد من المؤسسات الاستثمارية والصناديق السيادية والبنوك في عدد من دول العالم بالإضافة إلى ليبيا، ويعمل كخبير لمراكز بحثية دولية، وعمل لسنوات كمستشار لمصرف ليبيا المركزي، وعضو مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار والمصرف الليبي الخارجي، كما مثّل ليبيا في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كما يرأس الفريق التنفيذي لمبادرات رئيس الوزراء والمشروعات الاستراتيجية، كما عمل خبيراً ومحاضراً مع نقابة المحامين الأمريكية، كما انه عضو المجلس الليبس الامريكي للتجارة والاستثمار، وله عدد من البحوث والمقالات المنشورة بالصحف العربية والأمريكية والأوروبية، وله آراءه الجريئة في ملفات التحول الاقتصادي والمالي.