
| مقالات اقتصادية
المانع: افتتاح المرحلة الأولى من الطريق الدائري الثالث “إنجاز استراتيجي يعكس التزام الدولة بالتنمية والحوكمة الرشيدة”
كتب المستشار “مصطفى المانع”: افتتاح المرحلة الأولى من الطريق الدائري الثالث “إنجاز استراتيجي يعكس التزام الدولة بالتنمية والحوكمة الرشيدة”
في خطوة تُعد من أبرز مؤشرات التقدم في البنية التحتية الليبية، دشّنت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة المهندس عبدالحميد الدبيبه افتتاح المرحلة الأولى من مشروع الطريق الدائري الثالث، الذي يُعد من أهم المشاريع التنموية التي شهدتها البلاد منذ عقود، المشروع يمثل تحولًا حقيقيًا في شبكة المواصلات، ويؤكد التزام الدولة بنهج التخطيط المتكامل والتنفيذ المنضبط في إطار الحوكمة والشفافية.
“وصف المشروع ومكوناته الفنية”
الطريق الدائـري الثـالث هو طريق دائري سريع، يحيط بالعاصمة طرابلس، بطول إجمالي يبلـغ 24 كيلومترًا، من جزيرة غوط الشعال غرباً إلى تقاطع طريق الشط مع الدائري الثاني شرقاً.
يهدف المشروع إلى الربط بين مداخل العاصمة ومخارجها دون المرور بمركز المدينة، ما يسهم في خفض الازدحام وتقليل زمن التنقل بشكل كبير.
وقـد شملـــت المرحلة الأولى التي تم افتتاحهــا مقطعًـا بطول 6 كيلومترًا وبعرض يصـل إلى 30مترًا في الاتجاهين (يحتوي كل اتجاه على 3حارات بعرض3.6 مترًا لكل حارة إضافة إلى حارة طوارئ بعرض 3 مترًا وحارة دخول وحارة خروج عند الجسور بعرض 3.6 مترًا)، لضمان انسيابية الحركة.
كما تضمنت المرحلة الطرق الخدمية على جانبي الطريق بطول 10 كيلومترًا (تحتوي حارتين بعرض 3.5 مترًا لكل اتجاه)، إضافة إلى عدد 4 جسور للمركبات وعدد 3 جسور مشاة، فضلًا عن تجهيزات السلامة، والإنــارة الذكية، وصـرف مياه الأمطار، بالإضافة إلى المساحات الخضراء، ولافتات الطرق، هذا عدى عن تغيير خطوط المياه، والصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، وخطوط الاتصالات الواقعة في مسار المشروع.
“تنفيذ إقليمي وخبرة دولية”
تولى تنفيذ المشروع ائتلاف من الشركات المصرية الرائدة المتخصصة في مشاريع البنية التحتية الكبرى، ويمثل هذا التعاون نموذجًا ناجحًا للشراكة الإقليمية في مشاريع التنمية.
كما اسند رئيس الوزراء مهمة الإشراف على المشروع والدعم الاستشاري، إلى شركة هيل إنترناشونال (Hill International)، وهي شركة أمريكية عالمية رائدة في مجال إدارة المشاريع، حيث ساهمت في ضبط جودة التنفيذ، ومراقبة الجداول الزمنية، وإدارة المخاطر وفق أعلى المعايير الدولية المعتمدة في مشاريع البنية التحتية الكبرى.

“المشروع في إطار رؤية استراتيجية متكاملة”
الطريق الدائري الثالث ليس مشروعًا منفصلًا بذاته، بل يندرج ضمن حزمة من المشروعات الاستراتيجية الكبرى التي أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية، ضمن رؤيتها لعودة الحياة، والتي يندرج ضمنها إعادة تأهيل البنى التحتية والاقتصادية للدولة، ومن أهم مشروعات الرؤية إطلاق مشروع مطار طرابلس الدولي، ومطار مصراتة الدولي بتصاميم حديثة ومرافق ذكية، و مشروعات زيادة إنتاج النفط والغاز، ومشروعات الطاقة الشمسية، ومشروعات الإمدادات المائية، بالإضافة إلى مشروعات الصرف الصحي، بالإضافة إلى مدارس المستقبل، وبرامج التحول الرقمي وتوسعة شبكات الألياف البصرية، ومشاريع الإسكان الحضري الميسر للمواطنين، بالإضافة إلى حزمة مشروعات السياحة والترفيه، وغير ذلك من أهداف الرؤية التي لا يتسع المقام لسردها.
هذه الحزمة تعكس توجه الدولة نحو تنمية متوازنة ومستدامة، ترتكز على تنويع الاقتصاد، وتحسين جودة الحياة، وبناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، من خلال مؤسسات خادمة للمواطن بانجازات ترى بالعين.
“حوكمة المشروع: شفافية وتنظيم ومتابعة دقيقة وتكامل مؤسسي”
في سابقة مهمة على مستوى المشروعات العامة، خضع الطريق الدائري الثالث إلى منظومة حوكمة صارمة منذ انطلاقه، شملت:
• إجراءات تعاقدية شفافة تمّت من خلال لجان فنية متخصصة، وعبر آليات التنافس المفتوح.
• إشراف مباشر من الأجهزة الرقابية، بما في ذلك ديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية، لضمان كفاءة الإنفاق ومنع التجاوزات، هذا بالإضافة إلى الدور الذي لعبه مصرف ليبيا المركزي من خلال صلاحياته في العناية الواجبة المصاحبة لتنفيذ مخصصات المشروع.
• تطبيق معايير الأداء والمحاسبة، حيث تم قياس مراحل التنفيذ بمؤشرات واضحة ترتبط بالزمن والجودة والتكلفة KPIs.
• وجود فريق اشراف من جهاز الإسكان والمرافق، يعمل بالتنسيق مع الاستشاري “هيل إنترناشونال”، ويخضع للمتابعة الدورية المباشرة من رئيس الوزراء، لضمان الالتزام وتذليل أي عقبات.
• نظام إلكتروني لتوثيق وتدقيق جميع مراحل المشروع، ما يعزز إمكانية المراجعة الشاملة والتقييم الدوري.
لقد كانت الحوكمة هي القاعدة وليس الاستثناء في هذا المشروع، وهو ما يعزز فرص الإنجاز بشفافية ومسؤولية.
“أثر اقتصادي وتنموي ملموس”
مستهدف أن ينعكس المشروع على الاقتصاد الليبي من خلال:
• خفض وقت التنقل بين شرق وغرب العاصمة بنسبة تتجاوز 35%.
• توفير كلفة وقود سنوية تُقدّر بملايين الدينارات نتيجة انسيابية الحركة.
• تحفيز الاستثمار العقاري والخدمي في المناطق الواقعة على طول الطريق.
• توسيع الربط اللوجستي بين المطارات والموانئ ومراكز الإنتاج.
• توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة خلال التنفيذ والتشغيل.
• الرفع من معدلات الامن والسلامة المرورية، من خلال التقنيات الحديثة المصاحبة للمشروع.
• تحسين المظهر العام للبلاد ما يعزز فرص جذب المستثمرين ورؤوس الاموال الاجنبيه.
• تقليل مخاطر السوق الليبي، بتأكد المستثمرين والمقاولين الاجانب من وجود ارادة حكومية قادرة على التنفيذ وضامنه لحقوق المقاولين والموردين من نجاح هكذا مشروع.
• تحريك عجلة الاقتصاد وفتح المجال للشركات الوطنية، وتوفير فرص العمل.
ختاماً..
بينما تتواصل أعمال المرحلتين الثانية والثالثة من المشروع، تترسخ القناعة بأن ليبيا قادرة أن تسير بخطى ثابتة نحو تحسين البنية التحتية، وخلق اقتصاد أكثر مرونة، ومؤسسات أكثر انضباطًا وكفاءة.
ان افتتاح المرحلة الأولى من الطريق الدائري الثالث ليس فقط إنجازًا هندسيًا، بل هو دليل قاطع على قدرة الدولة الليبية على التخطيط والتنفيذ والرقابة. وقد أثبتت حكومة الوحدة الوطنية أن الإرادة السياسية، حين تقترن بالإمكانيات الفنية والإدارية، والرقابة والإشراف ، والتناغم بين كل مؤسسات الدولة، تنتج مشاريع تليق بطموحات الشعب الليبي.
المستشار مصطفى المانع، هو محامي ليبي وخبير قانوني واقتصادي منذ أكثر من 23 عام، عمل مع عدد من المؤسسات الاستثمارية والصناديق السيادية والبنوك في عدد من دول العالم بالإضافة إلى ليبيا، ويعمل كخبير لمراكز بحثيه دولية، كما عمل كمحاضر ومدرب لدى نقابة المحامين الأمريكية والرابطة الأوروبية للمحامين، وعمل لسنوات كمستشار لمصرف ليبيا المركزي، وعضو مجلس ادارة المؤسسة الليبية للاستثمار والمصرف الليبي الخارجي، كما مثل ليبيا في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كما يرأس الفريق التنفيذي لمبادرات رئيس الوزراء والمشروعات الاستراتيجية، وله عدد من البحوث والمقالات المنشورة بالصحف العربية والأمريكية والأوروبية.