Skip to main content
"المانع": حكومة الوحدة الوطنية وجهود المساءلة والشفافية وفق تقرير البنك الدولي الصادر في ديسمبر 2025
|

“المانع”: حكومة الوحدة الوطنية وجهود المساءلة والشفافية وفق تقرير البنك الدولي الصادر في ديسمبر 2025

كتب المستشار “مصطفى المانع”: حكومة الوحدة الوطنية وجهود المساءلة والشفافية وفق تقرير البنك الدولي الصادر في ديسمبر 2025

في ديسمبر 2025، أصدر البنك الدولي تقريره الاقتصادي حول ليبيا ضمن سلسلة Libya Economic Monitor تحت عنوان «تمهيد الطريق نحو المساءلة والشفافية في إدارة المالية العامة».

التقرير يقدّم تقييمًا واقعيًا لمسار إدارة المال العام في ليبيا، ويؤكد أن ما تحقق خلال الفترة الأخيرة لم يكن مجرد تحسّن ظرفي، بل نتيجة قرارات تنفيذية انعكست في مؤشرات مالية واقتصادية قابلة للقياس، خاصة خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية.

التعاون المتطور بين ليبيا والبنك الدولي: من التقييم إلى الشراكة

ويأتي هذا التقرير في سياق تطور لافت في العلاقة المؤسسية بين ليبيا والبنك الدولي، تُوّج بتوقيع مذكرة تفاهم بواشنطن أبريل الماضي هدفت إلى تعزيز التنسيق الفني، وتوحيد الجهود في ملفات المالية العامة، والحوكمة، وبناء القدرات، وتطوير بيئة الأعمال للمستثمرين الاجانب، سبقها اجتماع رئيس الوزراء الدبيبه مع نائب رئيس البنك الدولي، وتلى ذلك عقد عديد الاجتماعات والتعاون في ملفات مهمه كالشفافية، وآخرها زيارة المدير التنفيذي للبنك الدولي السيد انداي وممثلة البنك في ليبيا السيدة هنرييت إلى طرابلس قبل أيام قليلة واجتماعهم مع أغلب وزارات حكومة الوحدة الوطنية.

هذا التطور نقل العلاقة من إطار تقارير التقييم والمشورة العامة إلى شراكة أكثر قربًا من الواقع التنفيذي، حيث أصبح البنك الدولي أكثر تنسيقًا مع المؤسسات الليبية، وأكثر مواءمة لأولويات الحكومة، بما يدعم تحويل التوصيات إلى مسارات عمل قابلة للتنفيذ والمتابعة.

"المانع": حكومة الوحدة الوطنية وجهود المساءلة والشفافية وفق تقرير البنك الدولي الصادر في ديسمبر 2025
الدبيبة يستقبل نائب رئيس البنك الدولي في فبراير الماضي

تحوّل فعلي في إدارة المالية العامة

يسجّل التقرير أن ليبيا بدأت، ولأول مرة منذ سنوات، الانتقال من الإنفاق غير المنضبط إلى إدارة مالية أكثر قابلية للتتبع والمساءلة. هذا التحول انعكس في:
• تحسّن مستوى الإفصاح عن البيانات المالية الأساسية.
• ضبط أفضل لدورة الميزانية وتقليص الفجوة بين الاعتماد والتنفيذ.
• تعزيز قدرة الجهات الرقابية على الوصول إلى المعلومات المالية في وقتها، لا بعد فوات الأوان.

هذه الإجراءات، وفق التقرير، أعادت للدولة جزءًا من قدرتها على التحكم في مسار المال العام.

الأرقام التي تؤكد التقدم الحاصل

التقرير يدعم هذا التقييم بمجموعة مؤشرات إيجابية واضحة، من أبرزها:
• نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 13.3٪ خلال عام 2025، مدفوعًا بتعافي النشاط الاقتصادي وتحسن إدارة الموارد العامة.
• نمو القطاع النفطي بنسبة 17.4٪، مقابل نمو غير نفطي بلغ 6.8٪، وهو مؤشر مهم على تحسن الأداء خارج قطاع النفط، ولو بشكل تدريجي.
• ارتفاع متوسط إنتاج النفط إلى نحو 1.3 مليون برميل يوميًا في 2025، مقارنة بنحو 1.1 مليون برميل يوميًا في 2024، ما انعكس مباشرة على الإيرادات العامة.
• زيادة إيرادات الهيدروكربونات بنحو 33٪، نتيجة تحسّن الإنتاج والالتزام المؤسسي، رغم بيئة أسعار دولية غير مواتية.
• تحقيق فائض في الموازنة العامة بنحو 3.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025، مقارنة بفائض محدود بلغ 0.7٪ في الفترة نفسها من العام السابق.

هذه الأرقام، كما يوضح التقرير، ليست معزولة عن إدارة المالية العامة، بل مرتبطة مباشرة بتحسّن الانضباط المالي وإجراءات الصرف والتحصيل.

"المانع": حكومة الوحدة الوطنية وجهود المساءلة والشفافية وفق تقرير البنك الدولي الصادر في ديسمبر 2025
أبريل الماضي حكومة الوحدة الوطنية توقع مذكرة تفاهم مع البنك الدولي في واشنطن

إرادة حكومة الوحدة الوطنية

التقرير لا يستخدم لغة سياسية، لكنه يربط التحسن المحقق بوجود إرادة تنفيذية لدى الحكومة التي تبنّت مسارًا مختلفًا، من حيث:
• تعاملت مع الشفافية كأداة إدارة مالية وليست مجرد التزام شكلي.
• قبلت بالعمل ضمن منظومة المساءلة الدولية والتعاون الفني مع الشركاء الدوليين.
• بدأت في تحسين تحصيل الإيرادات غير النفطية وتقليص أوجه الصرف غير المبرر.

هذا النهج هو ما سمح بتحقيق فائض مالي وتحسن في المؤشرات، رغم استمرار التحديات.

التحديات الموروثة… بواقعية

التقرير لا يغفل أن هناك تحديات اقتصادية قائمة ، بسبب ملفات ما زالت مفتوحة، أبرزها:
• تراكم تشوهات مالية ناتجة عن سنوات من الانقسام والإنفاق خارج الأطر المؤسسية.
• عدم اكتمال توحيد الأنظمة المالية والمحاسبية بين الجهات المختلفة.
• الحاجة إلى تعزيز الاستقلالية التشغيلية للأجهزة الرقابية لضمان استدامة الإصلاح.

إلا أن الفارق الجوهري – كما يبرز التقرير – أن هذه التحديات لم تعد سببًا للشلل، بل أصبحت جزءًا من مسار إصلاحي واضح.

الخلاصة

رسالة تقرير البنك الدولي الصادر في ديسمبر 2025 واضحة:
إصلاح المالية العامة في ليبيا لم يعد مسألة نظرية، بل مسارًا بدأ ينعكس في الأرقام.

ما تحقق خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية لا يعني اكتمال الإصلاح، لكنه يؤكد أن الدولة استعادت جزءًا من قدرتها على إدارة المال العام بمسؤولية، وأن الشفافية والمساءلة أصبحتا شرطًا للاستقرار الاقتصادي، لا عبئًا سياسيًا.

الطريق لا يزال طويلًا، لكن هذه المرة، الحديث مدعوم بالمؤشرات، لا بالشعارات.

مشاركة الخبر