Skip to main content
"المانع": عودة الحياة لقطاع الطيران
|

“المانع”: عودة الحياة لقطاع الطيران

كتب المستشار “مصطفى المانع”: عودة الحياة لقطاع الطيران

تشهد ليبيا اليوم تحولاً استراتيجياً في أحد أكثر القطاعات قدرةً على خلق القيمة الاقتصادية وجذب الاستثمار، مع إعلان حكومة الوحدة الوطنية بدء تأسيس شركة طيران قابضة وطنية ترتكز على نموذج حديث للإدارة وتشغيل الأساطيل والمطارات، وتستند إلى شراكات تقنية وتجارية مع شركات عالمية مثل لوفتهانزا وبوينغ.

هذه الخطوة لا تأتي بمعزل عن السياق الاقتصادي، بل تنسجم مع رؤية لإعادة تموضع ليبيا كمركز مهم للحركة الجوية في المتوسط وإفريقيا، في وقت تتجه فيه الأسواق العالمية لإعادة تطوير خطوطها وشبكاتها بعد موجة التعافي من الأزمات الجيوسياسية وجائحة كورونا.

ويأتي هذا التوجه متزامناً مع اجتماعات حكومية رفيعة المستوى عُقدت في واشنطن مع شركة بوينغ في أكتوبر الماضي، ثم اجتماع آخر هذا الأسبوع استُكملت فيه مرحلة اعتماد “الورقة البيضاء” الخاصة بتطوير قطاع الطيران الليبي، في إطار شراكة اقتصادية تاريخية بين ليبيا والولايات المتحدة عبر شركة بوينغ Boeing تعيد بناء قطاع الطيران وفق أعلى المعايير العالمية، بالإضافة إلى التعاون الذي انطلق سابقاً مع شركة لوفتهانزا تكنيك Lufthansa Technik.

"المانع": عودة الحياة لقطاع الطيران
الدبيبة في جولة تفقدية لمشروعات المطارات الجديدة

تملك ليبيا أحد أهم المواقع الجغرافية في حوض المتوسط، حيث تقع على مسار رئيسي يربط أوروبا بشمال إفريقيا ووسط القارة، إضافة إلى قربها من المسارات العابرة بين الشرق والغرب.
إلا أن هذا الموقع ظل لعقود أقل استغلالاً من قيمته الاقتصادية الحقيقية.

لذلك فإن تأسيس شركة طيران قابضة يمثل رافعة لإعادة بناء القطاع على نمط الشركات الوطنية الكبرى في المنطقة، مثل:
• الخطوط القطرية التي أسهمت في رفع مساهمة قطاع النقل الجوي لأكثر من 11% من الناتج المحلي لقطر.
• الخطوط التركية التي تحولت من شركة محلية متعثرة إلى لاعب عالمي يخدم أكثر من 340 وجهة، وأسهمت في جعل إسطنبول أحد أكبر مراكز العبور في العالم.
• طيران الإمارات التي أصبحت نموذجاً عالمياً للربط الجوي بين القارات الثلاث، وارتفع معها حجم مساهمة قطاع الطيران في اقتصاد دبي إلى نحو 27% من الناتج المحلي، ما يؤكد قدرة شركات الطيران على صناعة اقتصادات متكاملة حول مراكز العبور.

هذه التجارب تؤكد أن بناء منظومة طيران حديثة يمكن أن يرفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 2% و4% خلال خمس سنوات، ويوفر آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة في التشغيل والصيانة والخدمات الأرضية واللوجستيات.

"المانع": عودة الحياة لقطاع الطيران
اجتماع وفد حكومة الوحدة الوطنية مع شركة بوينغ في واشنطن.

التعاون مع لوفتهانزا تكنيك وبوينغ يمثل انتقالاً من عقلية التشغيل التقليدي إلى عقلية الصناعة المعرفية.
الشركتان تمتلكان خبرات في:
• إعادة هيكلة الأساطيل
• بناء أنظمة سلامة وتشغيل وفق أعلى معايير ICAO
• تطوير مراكز الصيانة MRO
• تدريب الطيارين وأطقم الضيافة
• تطوير أنظمة الحجز والتسويق الرقمي

اقتصادياً، تشير الدراسات إلى أن الدول التي اعتمدت نماذج إدارة حديثة مع شركات مصنعة عالمية استطاعت تقليص كلفة التشغيل بنسبة 15% – 25%، وزيادة كفاءة استخدام الطائرات بما يصل إلى 12%.

كما أن وجود شريك فني عالمي يرفع قدرة ليبيا على استعادة تصنيفها في منظومة الطيران الأوروبية EASA، ويفتح أمام الليبيين المزيد من وجهات الطيران العالمية.

يتزامن هذا التوجه مع مشاريع إنشاء وتطوير عدد من المطارات في عدد من المدن، فالاستثمار في البنية التحتية هو المتطلب الأول لصناعة طيران قادرة على النمو، خاصة أن:
• كل مليون مسافر سنويًا يخلق نحو 2600 وظيفة مباشرة وغير مباشرة وفق تقديرات IATA.
• توفر مطارات حديثة يرفع العائد الاقتصادي بـ 3 إلى 5 أضعاف حجم الاستثمار خلال 10 سنوات.

هذا التحول البنيوي ترافق أيضاً مع عودة شركات طيران كبرى للعمل في الأجواء الليبية خلال السنتين الأخيرتين، منها الخطوط التركية والتونسية والملكية الأردنية والإيطالية ومصر للطيران والطيران السوري.

بالإضافة إلى استعادة وجهات دولية جديدة إلى كل من مالطا، إيطاليا، الأردن، الإمارات، مصر، سوريا، المملكة العربية السعودية، اليونان،إلى جانب الوجهات السابقة مثل تركيا وتونس.
وقريباً قطر والمملكة المغربية والمملكة المتحدة وغيرها.

يتوازى كل ذلك مع نجاح وزارة المواصلات بحكومة الوحدة الوطنية في استعادة مكانة ليبيا في المنظمات الإقليمية والدولية الخاصة بالطيران وأصبحت ليبيا عضواً فاعلاً في تلك المنظمات، وتمكنت من اجتياز تقييمات جاهزية المطارات الليبية التي أجرتها مجموعة من سلطات الطيران المدني الدولية والإقليمية، وهو تطور حاسم في مسار فتح الأجواء أمام الشركات العالمية.

"المانع": عودة الحياة لقطاع الطيران
حكومة الوحدة الوطنية تعتمد الورقة البيضاء مع شركة بوينغ

خطة الحكومة لقطاع الطيران تفتح الباب لتحويل ليبيا إلى مركز للخدمات الجوية المتقدمة، تشمل:
• الشحن الجوي
• الخدمات اللوجستية
• صيانة الطائرات MRO
• تدريب الطيارين
• خدمات الإيكاو والامتثال والاعتماد الدولي

تشير التجارب العالمية إلى أن مراكز الصيانة وحدها قد تشكل صناعة تدر بين 150 و300 مليون دولار سنويًا إذا ما تم تشغيلها وفق المعايير الدولية وجذب الطائرات العابرة للمنطقة.

ختامًا

خطوة حكومة الوحدة الوطنية نحو تأسيس شركة طيران قابضة والتعاون مع لوفتهانزا وبوينغ ليست مجرد إعادة تشغيل لطائرات أو مطارات، بل إعادة بناء لقطاع اقتصادي كامل سيكون أحد محركات التنويع الاقتصادي وخلق الوظائف واستعادة الربط الليبي بالعالم.

إن نجاح قطاع الطيران في ليبيا سيقاس بالدرجة الاولى بقدرته على تقديم خدمة تليق بالمواطنين وتسهيل تنقلهم، وبالأخص:
• تحسين جودة الخدمات
• فتح وجهات جديدة
• تعزيز ثقة المسافر
• جذب الشركات العالمية
• وتحويل المطارات إلى نقاط حركة اقتصادية لا مجرد بوابات عبور

هذه الخطوة — إذا أُديرت كما خططت لها الحكومة بحوكمة قوية وشراكات دولية مستدامة — ستعيد ليبيا إلى خريطة الطيران الإقليمي، وتمنح الاقتصاد الليبي صناعة مستقرة لا تتأثر بأسعار النفط وحدها، بل ترتكز على المعرفة والخدمات والربط العالمي.

مشاركة الخبر