كتب المستشار “مصطفى المانع”: حرب إيران وإسرائيل انقلاب موازين أسواق النفط والاقتصاد العالمي
في وقتٍ يشهد فيه الشرق الأوسط واحدة من أكثر فتراته اضطرابًا خلال السنوات الأخيرة، اندلع نزاع عسكري مباشر بين إيران وإسرائيل خلّف آثارًا فورية على الأسواق العالمية، خاصة سوق الطاقة، فالهجمات المتبادلة التي وقعت خلال الساعات الماضية، حركت الأسعار والأسواق بطريقة تذكّر بالأزمات النفطية الكبرى في العقود الماضيه.
وعلى الفور وكما كان متوقعاً، اشتعلت الأسواق العالمية نتيجة القلق المتزايد من تعطل إمدادات الطاقة، وخصوصًا تلك التي تمر عبر مضيق هرمز الحيوي.
فارتفع سعر خام برنت بنسبة 5.9% ليصل إلى 74.2 دولارًا للبرميل، مع توقعات بصعود الأسعار إلى 90–120 دولارًا للبرميل إذا استمرت الحرب أو شملت منشآت نفطية داخل إيران أو إغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو 20% من إمدادات النفط العالمي المنقول بحرًا.
من المتوقع أن يتعرض سوق النفط لهزة هي الأعنف منذ غزو العراق للكويت عام 1990، وفي المقابل، إذا ما تم احتواء الأزمة دبلوماسيًا خلال أسابيع، فإن الأسعار قد تهدأ تدريجيًا، لكن من غير المتوقع أن تعود إلى مستويات ما قبل يونيو.
كما امتدت تأثيرات الحرب إلى الأسواق المالية والاقتصادات العالمية اذ سجلت مؤشرات الأسهم العالمية تراجعًا، فمثلاً انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 1.8%، وقفز سعر الذهب بنسبة 1.7% ليصل إلى مستويات تفوق 3,400 دولار للأونصة، مدفوعًا بمخاوف المستثمرين من فقدان الاستقرار المالي.
وارتفعت أسعار البنزين في عدة دول، أبرزها أستراليا التي شهدت زيادة قدرها 12 سنتًا للتر الواحد، وهو ما يُتوقع تكراره في أوروبا والولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يتسبب استمرار الأزمة في رفع معدلات التضخم الأمريكية إلى 5% أو أكثر، وهو ما قد يدفع البنوك المركزية لإعادة النظر في سياساتها.
وأيضاً بلاشك سترتفع تكاليف الشحن نتيجة تحوّل طرق الملاحة وزيادة أقساط التأمين، مما يؤثر على أسعار السلع الاستهلاكية .
كما أن المخاطر الجيوسياسية العالمية ستشكل ضغطًا اضافياً على الاستثمار والنمو الاقتصادي العالمي.
أين ليبيا من كل ذلك؟
في هذا المشهد الاقتصادي المعقد، تبرز ليبيا ذات الاقتصاد المنكشف على الخارج كلاعب يمكن أن يملأ جزئيًا الفجوة التي قد تتركها صادرات إيران، بقدرة إنتاج تتجاوز 1.2 مليون برميل يوميًا، بلا شك بإمكان ليبيا أن تقدم جزءًا من الحل ما سيكون له أثر ايجابي على الاقتصاد الليبي.
النفط الليبي قد يحقق مكاسب مباشرة من ارتفاع الأسعار، مما يعني دخولًا إضافية قد تتجاوز 10–15% مما كانت عليه بداية العام. وإذا ما استغلت ليبيا هذه الفرصة بتحسين كفاءة التصدير وتثبيت الاستقرار ودعم قطاع النفط وتعزيز الشراكات الاستثمارية الليبية الاجنبية في القطاع وتجاوزت القيود البيروقراطية، فقد تكون الأزمة مصدرًا نادرًا للتحفيز الاقتصادي وفرصةً لاستدعاء رؤوس الاموال الاجنبية، وداعماً نسبياً لقوة الدينار الليبي الذي تهاوى خلال الأشهر الاخيره.
ختاماً:
الصراع الإيراني الإسرائيلي لا يدور فقط في سماء طهران وتل أبيب، بل تمتد تداعياته إلى جيوب المستهلكين، وخزائن الدول، ومؤشرات الأسواق في طوكيو ونيويورك وطرابلس. وفي حين أن الحرب تجلب معها الخوف والدمار، فإنها تفتح أحيانًا نوافذ نادرة لبعض الدول للاستفادة الاقتصادية، إذا ما أحسنت إدارة الموقف.
ويبقى النفط، كما كان دائمًا، ليس مجرد سلعة بل سلاحًا سياسيًا ومحرّكًا خفيًا لعالم لا يعرف الاستقرار.
المستشار مصطفى المانع
هو محامي ليبي وخبير قانوني واقتصادي منذ أكثر من 23 عام، عمل مع عدد من المؤسسات الاستثمارية والصناديق السيادية والبنوك في عدد من دول العالم بالإضافة إلى ليبيا، ويعمل كخبير لمراكز بحثيه دولية، كما عمل كمحاضر ومدرب لدى نقابة المحامين الأمريكية والرابطة الأوروبية للمحامين، وعمل لسنوات كمستشار لمصرف ليبيا المركزي وعضو مجلس ادارة المؤسسة الليبية للاستثمار والمصرف الليبي الخارجي، وله عدد من البحوث والمقالات المنشورة بالصحف الأمريكية والأوروبية والعربية.