
| مقالات اقتصادية
“المانع” يكتب: كشف الرخاء: آليات تقاسم الثروة لتحقيق السلام والنمو العادل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
كتب المستشار “مصطفى المانع”: كشف الرخاء: آليات تقاسم الثروة لتحقيق السلام والنمو العادل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
قراءة في تقرير البنك الدولي الصادر هذا الأسبوع 2025أبريل
أصدر البنك الدولي في أبريل 2025 تقريرًا تحليليًا بعنوان “كشف الرخاء” و “آليات تقاسم الثروة من أجل السلام والنمو العادل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، تناول فيه العلاقة بين توزيع الثروات الطبيعية، خاصة النفط والغاز، وبين الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي طويل الأجل في دول المنطقة.
يركز التقرير على إدارة الثروات، والعدالة في توزيع عائداتها، يمثلان عوامل مؤسِّسة للصراع ومُعيقة للتنمية، وأن اعتماد نماذج اقتصادية تضمن تقاسمًا أوسع وأكثر شفافية للثروة، يمكن أن يشكّل ركيزة لتحقيق سلام دائم وتنمية مستدامة.
أشار البنك الدولي إلى أن معظم دول المنطقة تعتمد على نظام اقتصادي قائم على الريع، حيث تُحتكر الإيرادات الناتجة عن الموارد من قبل الدولة المركزية، وتُعاد توزيعها في شكل دعم مباشر أو إنفاق عام، غالبًا بطريقة غير شفافة. هذا النموذج، بحسب التقرير، يُفضي إلى تفكك في العقد الاجتماعي، ويزيد من فجوة الثقة بين المواطنين والدولة، خاصة في المجتمعات الهشة أو الخارجة من النزاع.
التقرير يقترح ثلاث مستويات رئيسية لتقاسم الثروة:
بين الدولة والمواطن: ويشمل إعادة توجيه العائدات نحو خدمات التعليم، الصحة، والحماية الاجتماعية، وتعزيز القدرة الاقتصادية للمواطنين من خلال استثمارات مباشرة في رأس المال البشري.
بين المركز والأطراف: عبر سياسات مالية أكثر عدالة بين المناطق، تُمكّن البلديات والسلطات المحلية من الاستفادة المباشرة من عائدات الموارد المنتَجة في نطاقها الجغرافي.
بين الأجيال: وذلك عبر تأسيس صناديق سيادية قوية وشفافة، تضمن تحويل جزء من إيرادات اليوم إلى استثمارات استراتيجية طويلة الأجل تحفظ حقوق الأجيال القادمة، وتقلل من الاعتماد الأحادي على النفط.
ويحذر التقرير من أن استمرار تركز الثروة، وعدم وجود آليات فعالة لمساءلة الإنفاق العام، يزيد من مخاطر التوتر الاجتماعي، ويُضعف فرص بناء اقتصادات أكثر تنوعًا ومقاومة للصدمات الخارجية.
وفي استعراضه لبعض النماذج الدولية، يشير البنك الدولي إلى تجارب دول مثل النرويج وتشيلي التي اعتمدت آليات تقاسم واضحة وشفافة لعائدات الموارد، مكنتها من تحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي على المدى البعيد.
ويخلص التقرير إلى أن تقاسم الثروة لا يجب أن يُفهم فقط كإجراء اقتصادي، بل كأداة للتهدئة السياسية وإعادة بناء الثقة، وهو ما يجعل من هذا التوجه ضرورة ملحة في دول تمر بمراحل انتقالية أو خارجة من صراع، مثل ليبيا، اليمن، والعراق.
تقرير “كشف الرخاء” يُشكل دعوة إلى إعادة النظر في أسس إدارة الثروة في المنطقة، وتطوير نماذج أكثر عدالة وإنصافًا في التوزيع، باعتبارها مدخلًا أساسيًا لتحقيق السلام والنمو العادل.
المستشار مصطفى المانع، هو محامي ليبي وخبير قانوني واقتصادي منذ أكثر من 23 عام، عمل مع عدد من المؤسسات الاستثمارية والصناديق السيادية والبنوك في عدد من دول العالم بالإضافة إلى ليبيا، ويعمل كخبير لمراكز بحثيه دولية، كما عمل كمحاضر ومدرب لدى نقابة المحامين الأمريكية والرابطة الأوروبية للمحامين، وعمل لسنوات كمستشار لمصرف ليبيا المركزي وعضو مجلس ادارة المؤسسة الليبية للاستثمار والمصرف الليبي الخارجي، وله عدد من البحوث والمقالات المنشورة بالصحف الأمريكية والأوروبية والعربية.