كتب المستشار “مصطفى المانع”: “مؤشرات الإصلاح والتحديات الموروثة” في تقرير صندوق النقد الدولي
استعرض المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، في 25 يونيو 2025، نتائج مشاورات المادة الرابعة مع ليبيا للعام 2024، وهي مراجعة دورية يجريها الصندوق مع بلدانه الأعضاء لتقييم السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، والتأكد من توافقها مع الاستقرار الداخلي والنظام المالي العالمي.
ويمثل انتظام هذه المشاورات خلال آخر ثلاث سنوات بعد انقطاع استمر لعشرة سنوات، انجازاً يسجل لمصرف ليبيا المركزي الذي قاد المشاورات على الصعيد الوطني، ولحكومة الوحدة الوطنية بوزاراتها ومؤسساتها المعنية، وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية لجهودهم جميعاً وتفاعلهم البناء مع المشاورات، ويعد انجاز المشاورات دليل على انفتاح السياسات الليبية على قنوات الدعم الفني، وتوظيفاً لإمكانات المؤسسات الدولية لصالح اقتصاد بلادنا، والتزاماً وطنياً بمتطلبات الإفصاح والشفافية.
وفي هذه السانحة أوجز أهم خلاصات تقرير صندوق النقد الدولي القابلة للبناء عليها، بلغةٍ حرصت على أن تكون في متناول الجميع.
“تحسن نسبي في بعض المؤشرات والاقتصاد ما زال هشًا”
أكد الصندوق أن الاقتصاد الليبي لا يزال يعاني من هشاشة بنيوية، نتيجة الاعتماد المفرط على النفط، والانقسام المؤسسي، والضعف المتراكم في الإدارة العامة، ومع ذلك، أشار إلى بعض المؤشرات الإيجابية، خاصة في السياسة النقدية.
ورغم انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1% عام 2023، أشار الصندوق إلى حدوث تحسن في الأنشطة غير النفطية.
“تحقق إصلاحات نقدية ومصرفية أولية”
رحب التقرير بجهود الإصلاح النقدي التي قادها مجلس ادارة مصرف ليبيا المركزي. واعتبر أنها تعكس تحسنًا في كفاءة أدوات السياسة النقدية، لكنها تبقى محدودة ما لم تُستكمل بإصلاح هيكلي يشمل:
• تعزيز استقلالية المصرف المركزي.
• الانتقال التدريجي إلى نظام صرف أكثر مرونة.
• وضع إطار واضح لاستهداف التضخم.
وفي القطاع المصرفي، أشار الصندوق إلى تحسن مستويات الرسملة، من خلال خطة زيادة رؤوس أموال المصارف التي أطلقها المركزي، لكنه نوه إلى أهمية التطور في ملف الإقراض و ملف الشمول المالي، مؤكدًا أهمية تطوير البنية التحتية للمدفوعات ومراجعة الإطار التنظيمي للرقابة المصرفية.
“ضبط نسبي للإنفاق العام”
اشار الصندوق إلى تحقيق الميزان المالي العام فائضًا بفضل الإيرادات النفطية المرتفعة، إلا أن الصندوق أشار إلى أن بنية الإنفاق ما تزال مختلة، مع هيمنة بندي الأجور والدعم، مما يحدّ من قدرة الدولة على تنفيذ سياسات تنموية فعالة.
ودعا الصندوق إلى:
• إصلاح تدريجي لمنظومة دعم الوقود.
• تطوير إدارة المشتريات العامة.
• وضع إطار متوسط الأجل للمالية العامة أكثر شفافية وانضباطًا.
“التقدم في معالجة مقايضة النفط”
سجّل التقرير تحسن التنسيق بين وزارة المالية ومصرف ليبيا المركزي، ووقف ترتيبات المقايضة بالنفط، ونشر بيانات الإنفاق العام، معتبرًا أن هذه التطورات تمثل تقدمًا في ملف الحوكمة المالية. لكنه أكد الحاجة إلى تعميم هذه الممارسات على جميع المؤسسات العامة، وتفعيل المساءلة والرقابة.
“الحاجة إلى التدرج والتنسيق في تنفيذ الإصلاحات”
أشار الصندوق إلى أن الانقسام السياسي لا يزال يعوق تنفيذ إصلاحات شاملة، لكنه شدد في المقابل على أن ذلك لا يمنع البدء بخطوات فنية جزئية قابلة للتنفيذ، خاصة في مجالات إدارة الدين، وتحديث النظام الضريبي، وتطوير نظم الدعم.
وفي الختام، أكد المجلس التنفيذي أن ليبيا تملك حاليًا فرصة لتعزيز استقرارها المالي والنقدي، شرط الاستمرار في مسار الإصلاحات، وتعزيز التنسيق المؤسسي، وضمان الشفافية في إدارة الموارد العامة.
المستشار مصطفى المانع، هو محامي ليبي وخبير قانوني واقتصادي منذ أكثر من 23 عام، عمل مع عدد من المؤسسات الاستثمارية والصناديق السيادية والبنوك في عدد من دول العالم بالإضافة إلى ليبيا، ويعمل كخبير لمراكز بحثيه دولية، كما عمل كمحاضر ومدرب لدى نقابة المحامين الأمريكية والرابطة الأوروبية للمحامين، وعمل لسنوات كمستشار لمصرف ليبيا المركزي وعضو مجلس ادارة المؤسسة الليبية للاستثمار والمصرف الليبي الخارجي، كما مثل ليبيا في في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي،وله عدد من البحوث والمقالات المنشورة بالصحف العربية والأمريكية والأوروبية.