يعتقد الخبير في منظمة التجارة العالمية إسماعيل المحيشي بأن هناك فرصة للنهوض بالاقتصاد الوطني خلال الفترة المقبلة على الرغم من التحديات القائمة والتي تشكل خطرًا على البلاد بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص.
وأوضح المحيشي في مقابلة مع صحيفة صدى الاقتصادية، بأن إحداث تغيير داخل الاقتصاد مرتبط بالدرجة الأولى بالظروف التي تعيشها البلاد والمتمثلة في الصراعات السياسية والعسكرية والتي تشكل تهديدًا لأمن ووحدة الدولة أيضاً.
ويرى الخبير الاقتصادي بأنه من الممكن وضع نقاط يمكن البناء عليها والانطلاق نحو مستقبل أكثر نجاحا يعتمد على القطاع الخاص وعلى الصناعة والإنتاج والاستثمار بدلا من النمط المتبع حاليا من خلال ثقافة الاستهلاك عبر بيع النفط الخام مصدر الدولة الوحيد.
وفي ما يلي نص المقابلة:
في البداية كيف تقيم وضع الاقتصاد الوطني خلال هذه الفترة؟
الاقتصاد الليبي يعيش مرحلة من الأزمات وهي خطيرة جدًا في ظل انقسام مؤسسات الدولة والحروب الحاصلة والصراعات، نحن نتكلم عن حرب على أطراف العاصمة طرابلس حيث هناك عدد كبير من النازحين والضحايا والمفقودين ومع وجود خلاف بين المصرف المركزي وحكومة الوفاق الوطني وغياب رؤية واضحة المعالم لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، إضافة إلى أزمة إغلاق الحقول والموانئ النفطية منذ فترة طويلة، كل هذه الملفات تشكل تحديًا للجميع والوضع الاقتصادي معقد جدأ.
إشكالية ليبيا معقدة حيث أنها تعيش مرحلة من الصراعات الخطيرة ولايمكن الحديث عن برامج إعادة الأعمار مثلا في ظل استمرار انقسام الدولة بين الشرق والغرب واستمرار النزاع أيضا وتدخل الكثير من الدول الكبري في هذا الصراع مع تفاقم الحالة الأمنية والسياسية والإنسانية نحو الأسوء.
مع كل ما سبق، من الصعب التنبؤ بما سيؤل إليه الوضع في المستقبل حتى يمكن وضع خطط قصيرة أو طويلة الأمد للاقتصاد.
هل يمكن إقرار إصلاحات اقتصادية خلال المرحلة المقبلة؟
في الوقت الحالي ومع هذا الواقع من الصعب أن نشاهد إصلاحات اقتصادية حيث أن الإصلاح يعتمد على الاستقرار السياسي بالدرجة الأولى وهذا غير متوفر، لكن في حالة وجود توافق دولي من خلال مخرجات مؤتمر برلين الأخير لأحداث نوع التوازن عبر إنشاء حكومة موحدة وتوحيد المؤسسات العسكرية والمالية، من خلال ذلك يمكن أن نضع إصلاحات اقتصادية على الرغم من كل التعقيد.
كما نعلم ليبيا اقتصادها ريعي يعتمد على النفط فقط على الرغم من انخفاض سعره إلا أن الانتقال نحو الإصلاح أمر ممكن بالنسبة لدولة مثلنا، فقط الأمر يتعلق بوجود حكومة وحدة وطنية تملك خطة واضحة المعالم من خلال توافق بين السياسات المالية والتجارية والنقدية وتطبيقها على أرض الواقع. يجب علينا الرجوع للماضي والنظرة للبلد منذ اكتشاف النفط وخلال عهد سبتمبر وفبراير وأيضا بعد أزمة كورونا لتكوين عقلية جديدة لنقل الاقتصاد من الريعية إلى الإنتاج. لاتوجد دولة ديمقراطية يكون اقتصادها مبني على المواد الخام فقط.
هل يمكننا الاستفادة من أزمة كورونا للتخطيط للمستقبل؟
أزمة فيروس كورونا والتي على الرغم من عدم تأثيرها الكبير من حيث الإصابات في البلاد مقارنة بالدول الأخرى إلا أنها كانت لها انعكاسات سلبية. سوف تؤثر الأزمة على الكثير من اقتصادات الدول الكبيرة والنامية مع عدم وجود تنبؤات قريبة حتى من قبل المؤسسات الاقتصادية الدولية حول ما هو الوضع الاقتصاد والتجارة الدولية ما بعد كورونا، أيضا الوضع في ليبيا لايختلف كثيرا عن ذلك.
ولكن في ظل بقائنا في مرحلة اللا استقرار وتعاقب الحكومات المستمر فالدولة لم تستفيد من أخطاء الماضي ولن نستفيد من الأحداث التي تقع خلال هذه الفترة، بشكل عام الدولة لم تستفيد من التجارب في الدولة النامية الأخرى ولا حتى بالمنظمات الدولية المعنية بالنظام الاقتصادي والسياسي للدول، لكن تبقى ليبيا عضو دائم في منظمة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ولدينا الحق في الحصول على مساعدات لتحسين الوضع الاقتصادي والسياسي، لكن مع حالة عدم الاستقرار من الصعب إحداث تغيير والتي تحتاج إلى إرساء نظم سياسية واقتصادية حديثة مبنية على تونيع مصادر الدخل وتغير نمط ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج.
ما هو مستقبل القطاع الخاص في البلاد؟
منذ العام 2016 ومع قدوم حكومة الوفاق الوطني واستلام مقاليد الحكم في البلاد قامت بحزمة من الإصلاحات الإقتصادية لكنها لم تكن مبنية على أسس حديثه وحقيقة، حيث أن بعض الشركات تحصلت على مجموعة من الاعتمادات المستندية بأسعار منخفضة من المصرف المركزي لكننا شاهدنا ما حدث فيها من فساد ونهب وهي بسبب تلك السياسات والإصلاحات أيضا. أدى هذا الأمر إلى حدوث خلل في القطاع الخاص عبر إقدام الكثير منهم على بيع العملات في السوق الموازي وبالتالي تسبب في أضرار بالقطاع بصفة عامة.
حتى هذه اللحظة هناك دمار حقيقي للقطاع الخاص ورجال الأعمال، يجب على الإصلاحات الاقتصادية أن تعمل على مساعدة الاقتصاد لاحداث نوع من الاستقرار خاصة في هذه المرحلة. بشكل عام يجب أن نعتمد على الاقتصاد الخاص في المستقبل وعدم الاعتماد على تصدير النفط من خلال التصنيع والإنتاج حيث أننا نملك الكثير من الإمكانيات لتحقيق ذلك.
مع كل ما حدث، نحن نشاهد بروز للمشروعات الصغيرة والمتوسطة على الرغم من غياب الدعم الحكومي لها من حيث التدريب والتطوير حتى تتمكن من النمو والمساعدة على تشكيل الاقتصاد الوطني والتي يمكن أيضاً أن تكون أولى الخطوات للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الصناعي والتجاري.
من وجهة نظري تبقى المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي أحد المقومات الأساسية لاحداث نهج اقتصادي حديث، مع ضرورة اعتماد الإصلاحات الاقتصادية على دعم هذه المشاريع.
هل يمكن التعويل على المؤسسة الليبية للاستثمار التي تمثل الصندوق السيادي الوطني؟
إشكالية هذه المؤسسة أنها لم تكن مبنية على أسس اقتصادية خاصة بالاستثمار إنما كانت مبنية لأغراض سياسية من قبل النظام السابق الذي كان يرى بأن المؤسسة ستساعد في بناء علاقات سياسية مع الدول الأخرى ولم يكن الهدف منها إنشاء مؤسسات مالية تكون بديل للنفط الذي تعتمد عليه الدولة، وحاليا أغلب المشاريع والاستثمارات الليبية في الخارج تتعرض الخسائر بسبب الفساد ونتيجة عدم انتهاجها مبدأ الشفافية والتنافسية. هذا كله يظهر أننا بحاجة إلى دفعة قوية لنهج التمنية الاقتصادية في البلاد وتطويره مع كل تلك الموارد نستطيع خلال فترة قصيرة إحداث نوع من التغيير.
أما بالنسبة إلى الاستثمارات الموجودة في الخارج فالمؤسسات التي لدينا الآن غير قادرة على الاستفادة منها وإدارتها بالشكل الصحيح حيث أن قطاع الاستثمارات لايزال يعاني الكثير من المشاكل.
هل يمكن الاعتماد على القطاع المصرفي بنهضة اقتصادية في المستقبل؟
عندما نتكلم عن القطاع المصرفي والنهج المتبع فهو أسلوب تقليدي ويعتبر نظام متخلف تجاوزه الزمن، نحن ليست لدينا مؤسسات مالية ومصرفية تمتلك النظرة بأن يكون هذا القطاع أحد محركات التمنية الاقتصادية في البلاد ، لاتزال المصارف تعاني من عديد المشاكل ولا تملك الرؤية لوضع خطة تطويرية وإصلاحية سواء في مركزي طرابلس أو البيضاء. العالم الآن تجاوز مسألة عمل المصارف التقليدية وأصبجنا نشاهد المصارف الإلكترونية والعملة الإلكترونية والتي تمثل العمود الفقري للعديد من اقتصادات الدول، لكن في ليبيا يبقى القطاع المصرفي معطل وربما يتحمل الكثير من المسؤولية عن إحداث نوع من الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
يجب عليا التفكير بجدية لتغيير جذري للنظام المصرفي المعمول به الآن ويكون مبني على التكنولوجيا مع العمل على جلب المصارف التجارية العالمية للبلاد وصناعة شراكات قوية ومهمة يمكن من خلالها الاعتماد على هذه المصارف في دعم الاقتصاد وتنميته.