كتب رجب المسلاتي لصحيفة صدى الاقتصادية مقال بعنوان : المصارف وذوي المصالح الخاصة
رأينا فيما سبق أن ما يربط بين المصرف وعملائه، عقد مكتوب أو غير مكتوب، تنظم أحكامه القانونية أو العرفية العلاقة بينهما على إعتبار أن أحدهما دائن والآخر مدين، أو أن أحدهما مودع والآخر مودع لديه، أو أن أحدهما بائع والآخر مشتري، أو أن أحدهما مقدم لخدمة والآخر مستفيد منها، بحسب نوع وطبيعة وموضوع العلاقة أو المعاملة، وأن هدف وغاية العلاقة هو تحقيق مصالح مشتركة ومنافع متبادلة، وسيلتها التعارف وتوطيد الثقة والتعاون بين طرفيها، علي أساس من الفهم المتبادل والمراكز المتوازنة، التي لا تستند علي غير أصول المهنة ومتطلباتها الفنية والقانونية والأخلاقية ولم نشر، في حينه، إلي أنه قد يكون من بين عملاء المصرف، أفراد أو جماعات أو مؤسسات تربطها بالمصرف علاقة خاصة تستطيع أن تباشر عليه، من خلالها، تأثيراً أو نفوذاً قوياً، عن طريق الملكية أو عن أي طريق آخر يتيح لها القدرة علي أن تمارس عليه سلطة، مباشرة أو غير مباشرة، تؤثر في موضوعية قراراته وحيادها، ومن بين الأطراف ذات التأثير، الشركة الأم، والشركات الفرعية والتابعة، والمساهمون المسيطرون، والمساهمون المؤسسون، وأعضاء مجلس الإدارة، والمنشآت والشركات التي يجمعها بالمصرف الخضوع لنفوذ شخص أو عائلة أو مجموعة أو مؤسسة خاصة أو عامة.
إن عمليات وتعامل ذوي العلاقات الخاصة مع المصرف هي دائما موضع إهتمام خاص لسلطة الرقابة علي المصارف، ومحلاً لعنايتها واهتمامها، فمن ناحية يمكن لذوي العلاقات الخاصة الإستفادة من قوة تأثيرهم على المصرف بتوجيه قروضه وتسهيلاته لمنفعتهم الخاصة أو لمنفعة من يهتمون بأمرهم، أو التمتع منه بشروط ميسرة لا تمنح لبقية المتعاملين معه، ومن ناحية أخرى فقد لا تدرس طلباتهم للحصول على التسهيلات المصرفية المختلفة، بنفس الحياد والموضوعية التي تدرس بها طلبات غيرهم من طالبي الاقتراض والتسهيلات المصرفية المختلفة، مما يتيح لهم الحصول علي قروض وتسهيلات، هم أصلاً غير مؤهلين للحصول عليها، وما كان المصرف ليوافق علي منحها لهم، لولا قدرتهم، المباشرة أو غير المباشرة على التأثير علي قراراته لتجري في اتجاه مصالحهم، دون إعتبار للمتطلبات الاقتصادية والفنية، وأصول المهنة، ومثل هذا الأمر إذا تكرر وكبر يمكن أن يضع المركز المالي للمصرف برمته في وضع غير سليم.
من حيث المبدأ لا يوجد ما يحول بين المصارف وبين التعامل مع من تربطهم بها علاقات خاصة، غير أنها يجب أن تمتنع عن معاملتهم معاملة تفضيلية، وأن تحرص على أن يتم إقراضهم على أسس تجارية محضة، وبالشروط والقواعد التي تطبق على غيرهم من عامة عملاء المصرف، في الظروف المشابهة، وأن تدرس طلباتهم بنفس الدقة والحياد والموضوعية التي تدرس بها طلبات غيرهم من المقترضين، وتطالب النظم المتبعة في معظم الدول أن تخضع القروض التي يمنحها المصرف لأي عضو من أعضاء مجلس إدارته، أو لأي من ذوي العلاقات الخاصة به، للتدقيق بعناية خاصة من قبل مراجعي حسابات المصرف الخارجيين، وتلزمهم بإبلاغ الجمعية العمومية لحملة الأسهم خلال اجتماعها السنوي بنتيجة مراجعتها لمراكزهم في تقرير منفرد، كما ألزمت الإدارة التنفيذية بأن توضح اوضاعهم تفصيلاً لمجلس الإدارة في كل اجتماع من اجتماعاته، وطالبت مجلس الإدارة بأن يفرد أوضاعهم تحت بند مستقل في تقاريره السنوية للجمعية العمومية، وتضع سلطات الرقابة المصرفية في دول أخرى حدوداً قصوى لما يمكن منحه من تسهيلات مصرفية لأي من الجماعات ذات العلاقات الخاصة، وتشترط إبلاغها بها وفي بعض الحالات تقوم بخصمها من رأس مال المصرف المعني، عند حساب كفاية رأس ماله.
في هذا الشأن اشترطت الفقرة الثانية من المادة التاسعة والسبعين من قانون المصارف رقم 1 لسنة 2005 بشأن المصارف موافقة الجمعية العمومية على أي تسهيلات تمنح لأعضاء مجلس إدارته، أو لأي ” منشأة تكون للعضو مصلحة فيها كأن يكون شريكاً، أو مديراً، أو وكيلاً، أو ضامناً لها، وكذلك لأي شخص يكون العضو ضامناً له”. ولم تشر المادة المذكورة لأي أطراف، أو جهات أخرى، يمكن أن تكون مؤثرة علي قرارات المصرف لنفوذ مادي، أو معنوي، أو إداري، تمارسه عليه، وعلى كل حال، وبصرف النظر عن المسائل المتعلقة باختصاصات الجمعيات العمومية، ومواعيد انعقادها، وشروط صحتها، وقواعد التصويت واتخاذ القرار بها، فإنني لا أرى أن الجمعيات العمومية، وخاصة الجمعيات العمومية لمصارف القطاع الخاص، والتي قد يحضرها العشرات، إن لم يكن المئات، من حملة أسهمها، تعتبر مكاناً مناسباً لنقاش طلبات الحصول على تسهيلات مصرفية مقدمة مباشرة أو غير مباشرة من ذوي العلاقات الخاصة، أو من غيرهم، لأسباب منها:
•ليس هناك ما يؤكد أن الجمعيات العمومية، أقل تأثرا بنفوذ أصحاب العلاقات الخاصة من غيرها من مستويات الإدارة العليا بالمصرف.
•للنظر في طلبات الحصول على الإئتمان المصرفي، يتطلب الأمر عرض كم هام من البيانات والمعلومات والإحصائيات، على من له حق اتخاذ القرار، وعرض مثل هذه البيانات للمناقشة في الجمعيات العمومية، المتاح حضورها ليس لحملة الأسهم فقط، ولكن حتى لغيرهم من المراقبين ورجال الإعلام والموظفين، يتضمن نشراً لمعلومات، بعضها إن لم تكن جميعها، يتسم بالسرية، ويمنع قانون المصرف نفسه إفشاءه.
•لا يمتلك أعضاء الجمعيات العمومية الخبرة، ولا الفهم المعمق لقواعد وأصول منح الإئتمان المصرفي، التي تؤهلهم للنظر في طلبات منح القروض، ولا بد لهم، في ذلك، من الاعتماد على ما يردهم من أجهزة المصرف الفنية، من دراسات وتحاليل وتوصيات. ومرة أخرى، ليس هناك ما يضمن عدم قيام أصحاب العلاقات الخاصة من ممارسة ضغوطهم على من يعد ملف القرض؛ إذا رأوا أنهم لا يستطيعون التأثير على قرارات الجمعية العمومية.
•القرارات الصادرة من أعلى سلطات اتخاذ القرار، في المصارف وفي غيرها، عادة ما تكون إجراءات تنفيذها متأثرة بموقع وسلطات من اتخذها، وكثيراً ما تكتسب مناعة، ولا أقول حصانة تؤثر على متطلبات التدقيق في صحتها، والمتابعة الجيدة لآثارها وتأثيراتها وما ينتج عنها.