كتب رجب المسلاتي لصحيفة صدى الاقتصادية مقال بعنوان : حكايات من زمن القديم
نحن معشر الليبيين نعانى مشكلة اقتصادية حقيقية ما في ذلك شك من بعض مظاهرها وليس كل مظاهرها ارتفاع الأسعار، تدنى القيم الحقيقية للأجور والمرتبات، انكماش الحركة الاقتصادية، ضمور الاستثمارات وتوقف النمو، إنخفاض قيمة العملة الوطنية، هيمنة عمليات السوق السوداء، وظواهر ومظاهر لبعض أشكال البطالة بطالة حقيقية خاصة في قطاع الشباب ، وبين الخريجين الجدد من بعض المعاهد والكليات، مشكلة اقتصادية خاصة بنا لا علاقة لها بالأزمة الاقتصادية الدولية ، ولا بانخفاض أسعار النفط ، ولا بتحديد انتاجه، مشكلة كنا سنواجهها لا محالة مشكلة نحن الذين زرعنا بذورها ، وهيئنا لها أفضل سبل الانبات المشكلة الاقتصادية الدولية ، وانخفاض أسعار النفط ، وتحديد انتاجه، ليست سبباً في مشكلتنا الاقتصادية وإن كانت قد كشفت عنها ، وعجلت بقدومها .
مشكلتنا من صنع أنفسنا ، توهمنا أن الرخاء الذى توفره لنا الأسعار فوق العادة للنفط ستدوم غرتنا المظاهر السطحية التى وجدناها بين أبدينا والواجهات البراقة لمتاجرنا طلينا أنفسنا بمختلف الأصباغ ومساحيق الزينة من كل أسواق العالم حسبنا أنفسنا من الجميلات فتصرفنا كما تتصرف الجميلات بنفس دلال الجميلات، ونفس بذخ الجميلات، ونفس ترف الجميلات، فلما أصبح النفط مجرد سلعة عادية لا بريق لها، سلعة تخضع لجميع متطلبات العرض والطلب، في سوق يسيطر عليه المشترون ، انخفضت أسعاره ، ونقصت موارده غير العادية، زالت عنا الأصباغ وسالت من على وجوهنا المساحيق، فسدت الزينة وهالتنا الصورة المحزنة التى تطل علينا من المرآة نسينا قيمة هامة في الحياة وهى قيمة العمل أصابنا الكسل ، وترهلت عضلاتنا ، وتكورت بطوننا ، وعرفنا جميع الأمراض التي يعانى منها {الأغوات فى قصر السلطان} ، فتكشفت حقيقتنا قميئة متواضعة شكلا وموضوعاً ومن يستطيع الاعتراض ومن يريد الاعتراض او يقره ؟؟ فما دمنا نمارس السلطة من خلال الجلوس على الكراسى ، فلماذا لا نزاول العمل أيضاً جلوساً على الكراسى ؟
غاب عنا أن الرخاء الرخاء الحقيقي والمستديم لا يتاح إلا بالعمل ، وأن الرفاهية، الرفاهية الثابتة هى التي تترتب عن الجهد والعرق ، وأنه لا تقدم مادي ، ولا تقدم معنوى بدون جهد وعناء حقولنا لا تحرث بأيدينا، آلات مصانعنا وورشنا لا تدار بجهودنا، وحتى حوانيت البقالة عندنا ، وأكشاك بيع الخضروات في أسوقنا الشعبية ، يقوم عليها نيابة عنا ، عمال من كل دول الجوار ، ودول ما بعد دول الجوار ، ولا أريد أن أتكلم عمن يشيد مبانينا ، ويمهد طرقنا ، ويقيم سدودنا وكبارينا ، ويمد أنابيب نفطنا وغازنا ومياه نهرنا الصناعي العظيم ؟
خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولى خبراء الاقتصاد في المصرف الدولى خبراء الاقتصاد في منطقة التنمية والتعاون الاقتصادى الدولى ، وجميع علماء وأساتذة الاقتصاد ، في العالم الأول ، والعالم الثانى ، والعالم الثالث ، ليس لديهم لمشكلتنا حل! مشكلتنا ليست في ندرة الموارد ، فمواردنا لا تزال كافية بل أكثر من كافية، مشكلتنا ليست في القطاع العام ، وأجهزة القطاع العام ، وفلسفة القطاع العام التى يحاول بعضنا تحميلها جميع أوزارنا ، ويعلق عليها عيوبنا ، وفشلنا ، ويجعلها سبباً لجميع مشاكلنا الاقتصادية ؟؟ مشكلتنا لا تحل بقرارات إدارية ولا حتى بتشريعات تصدر من المؤتمرات الشعبية الأساسية .
مشكلتنا أعمق ، واشمل ، واخطر مما نتصور ونعتقد إنها مشكلة ثقافة ، وفهم ، ووعي مشكلة الأنانية ، وفقدان الاحساس بالموطنة، تلك الرابطة “المتينة” التى تربط كل المواطنين فى كل واحد قوى، مشكلة الفردية وحب الذات، مشكلة مفاهيم وقيم جديدة طرأت علينا بمناسبة الرخاء المجانى الذى عشناه مع اكتشاف النفط، مشكلة عزوفنا عن العمل ، ونكراننا لأهمية العمل، وقيمته وفضله، العمل الذى لا علاقة له بالتكدس في المكاتب وبكتابة الاستمارات وتحرير المراسلات ، وحفظ المستندات، ليس لمشكلتنا سبب من خارجنا، ولن يكون لها حل لا ينبع من ذاتنا.