كتب رجب المسلاتي لصحيفة صدى الاقتصادية مقالا بعنوان: محنة الدينار الجزء الثاني
يهمنا من قانون المصارف رقم 4 لسنة 1963 لأغراض هذا المقال ما ورد بمادته الحادية والثلاثين، بشأن غطاء النقود الورقية والمعدنية في التداول إذ تقول هذه المادة:
“يجب أن تقابل مجموع قيمة النقود الورقية والمعدنية المتداولة بصفة دائمة (وضعوا خطاً تحت بصفة دائمة) أصول مكوّنة من الاتي:
• سبائك أو نقود ذهبية أو كلاهما أو نقود أجنبية قابلة للتحويل بمقتضى نصوص إتفاقية صندوق النقد الدولي أو نقود أخري قابلة للتحويل بحيث لا تزيد قيمة كل ذلك على نسبة 25% من مجموع أصول قسم الإصدار.
• أذون مالية وسندات تصدرها أو تضمنها الحكومة الليبية، وتستحق الدفع خلال مدة لا تتجاوز خمس عشرة سنة بحيث لا تزيد قيمتها عن 10% من مجموع أصول قسم الإصدار (رفعت هذه النسبة في القانون رقم (1) لسنة 2005 بشأن المصارف إلى 20%).
• أذون خزانة تصدرها حكومات أجنبية يمكن الاحتفاظ بعملاتها بموجب الفقرة (1) من هذه المادة.
• سندات مالية تصدرها أو تضمنها حكومات أجنبية يمكن الاحتفاظ بعملاتها بموجب الفقرة (1) من هذه المادة وتستحق الدفع خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات بحيث لا تزيد قيمتها على 65% من مجموع أصول قسم الإصدار، ويجوز لمجلس إدارة المصرف أن يحتفظ ضمن هذه النسبة بسندات أجنبية تستحق الدفع خلال مدة لا تتجاوز خمس عشرة سنة على ألاّ تزيد قيمتها على 15% من مجموع أصول قسم الإصدار.
أصبح الدينار يصدر عن مصرف مركزي كامل الشروط وأصبح يتمتع بغطاء متنوع وقوى مكوّن من الذهب وعملات متينة قابلة للتحويل وأوراق مالية صادرة عن أو مضمونة من دول ذات عملات قوية وقابلة للتحويل ولكنه ظل مقيداً بنظم الرقابة على النقد وشروطها، الرقابة على العملة أو النقد تعني بكل بساطة احتكار الدولة، عن طريق مصرفها المركزي لملكية جميع الموارد من العملات ألأجنبية ونعني هنا بالذات بالعملات الأجنبية العملات الرئيسية الكبرى مثل الدولار الأمريكي واليورو الأوربّي والجنيه الإسترليني والين الياباني والفرنك السويسري.
تفرض الدولة وبحكم القانون على جميع مواطنيها من الشخصيات الطبيعية والاعتبارية العامة والخاصة بيع ما يمتلكونه وما يحصلون عليه من العملات الأجنبية والأصول المقوّمة بعملات أجنبية للمصرف المركزي والجهاز المصرفي التجاري واستلام مقابلها بالعملة الوطنية بسعر الشراء المحدد فلو قامت، على سبيل المثال: المؤسسة الوطنية للنفط ببيع شحنة من النفط الخام بمبلغ مائة مليون دولار، فهي ملزمة ببيع هذا المبلغ للمصرف المركزي وتستلم مقابله دينارات ليبية بسعر الشراء الساري يوم إجراء العملية، فلو فرضنا أن سعر شراء الدولار ذلك اليوم هو دينار وربع للدولار فإنها تستلم مائة وخمس وعشرين مليون دينار، ولا يتم الاستلام والتسليم عدّا ونقداً بل بقيود في الحسابات المصرفية للطرفيين وتجري بناء على تعليمات إلكترونية مشفرة يقوم المصرف المركزي بقيد مبلغ مائة وخمس وعشرين مليون دينار لحساب المؤسسة الوطنية للنفط في دفاتره تمهيداً لأن تقوم هذه الأخيرة بتحويل المبلغ لحساب وزارة المالية، وتقوم المؤسسة الوطنية للنفط بقيد مبلغ مائة مليون دولار لأحد حسابات المصرف المركزي بالدولار، التي يحتفظ بها في مصارف أجنبية في إحدى العواصم المالية في العالم.
هكذا تتم عمليات حيازة المصرف المركزي على موارد الدولة والأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة من العملات الأجنبية وعليه أن يحتفظ منها على الدوام بما يكفي كغطاء لما يصدره ويضعه في التداول من أوراق نقدية وطنية مصدرة بمختلف فئاتها والباقي يكون مهيأً للصرف منه لتوفير احتياجات الدولة ومؤسساتها واحتياجات القطاع الخاص، أفراد وشركات، بالنقد الأجنبي وفقاً لأوليات وآليات متفق عليها وينظر للرقابة على النقد على أنها تقييد للتعامل بالنقد الأجنبي بحرية مطلقة وترشيد الإنفاق بالعملات الصعبة حين تكون الموارد منها غير كافية لسد الحاجة إليها كما تستهدف كذلك منع تهريب رؤوس الأموال، وحماية القيمة الخارجية للعملة الوطنية من التدهور.
وللرقابة على النقد صيغ مختلقة من المتشددة التي تتطلب عرض طلبات شراء النقد الأجنبي على سلطة الرقابة على النقد بصفة فردية والحصول على موافقتها على كل طلب على حده ومنها الأقل تشدداً والتي تخضع طلبات التحويلات الرأسمالية لموافقة سلطة الرقابة على النقد المسبق وتسمح للمصارف بالتحويلات مقابل السلع والخدمات دون الحصول على موافقة سلطة الرقابة على النقد مقدماً، على أن تحيل إليها الطلبات الفردية لاستعمالها في أغراض إحصائية على الأعم، وهناك صيغة الموازنة تقدر على أساسها موارد الدولة السنوية المتوقعة من النقد الأجنبي وتحدد أوجه إنفاقه حسب أولويات محددة ويسمح لكل قطاع الصرف بالنقد الأجنبي في الحدود المخصصة له في الموازنة وهناك صيغ أكثر تساهلاً تسمح لموردي النقد الأجنبي بالاحتفاظ بنسبة منه يتصرفون فيها بمعرفتهم، عرفنا منها في ليبيا الصيغ الثلاث الأولى، ولم نتمكّن من الاستقرار على أي منها طويل؛ لتذبذب مواردنا من النقد الأجنبي وتنامي حاجاتنا منه من ناحية وتعرض أسعار النفط العالمية لأزمات متتالية تتسبب في صعودها وهبوطها في ظهور حالات مفاجئة وغير منضبطة.