كتب السيد / رجب المسلاتي :
خلال الحكم التركي لليبيا كانت العملة المتداولة فيها هي جنيه الذهب التركي واستمر هذا الوضع حتى الغزو الإيطالي لليبيا. واستشهاد شيخ الشهداء عمر المختار بعد أسره وإخضاعه لمحاكمة صورية، قضت بإعدامه شنقاً، وانتهاء المقاومة الوطنية التي لم تستمر بعده طويلاً، واستتباب أمر الحكم في ليبيا لإيطاليا، واكتمل تحويلها إلى مستعمرة إيطالية، عندها اندمج الاقتصاد الليبي في الاقتصاد الإيطالي بالكامل،
وحلّت الليرة الإيطالية عام 1933 في التداول في ليبيا، محل الجنيهات الذهبية والمجيدي الفضية التركية، واستمر الأمر كذلك، حتّى هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، واحتلال برقة وطرابلس من قبل الجيش الثامن البريطاني، واحتلال فزّان من قبل جيش فرنسا الحرة، من ذلك التاريخ وحتّى شهر مارس 1952 أي بعد حوالي ثلاث أشهر فقط من إعلان الاستقلال يوم 24 ديسمبر 1951، كانت العملة المتداولة في ليبيا كما يلي: الجنيه المصري وتقسيماته في إقليم برقة، والمال وتقسيماته (وهو عملة أصدرتها السلطة الإدارية البريطانية في ليبيا، ويتكوّن اسمها من الأحرف الأولي من كلمات Military Administration of Libya)) ويجري تداوله في اقليم طرابلس، والفرنك الفرنسي وتقسيماته ويجري تداوله في إقليم فزّان، الخاضع للسلطة العسكرية الفرنسية.
بناءً على اتفاقيات بين الحكومة الليبية الفتية، وحكومة بريطانيا العظمى، تم تشكيل لجنة برئاسة المرحوم “عبد الرازق شقلوف” وكيل وزارة المالية الليبية حينذاك، سمّيت بلجنة النقد الليبية، وهي التي أصدرت أول عملة ليبية باسمها، سميت وحدتها القياسية بالجنيه، المقسم إلى مائة قرش وألف ملّيم، ويعادل جنيهاً إسترلينيا، طرحت للتداول في مارس 1952، عن طريق فرع مصرف إنجليزي يسمّى باركليز بنك جاء إلى ليبيا مع القوّات العسكرية البريطانية، عهد إليه حينئذ بتقديم الخدمات المصرفية للحكومة الليبية الاتحادية ولحكومات الولايات الثلاث؛ طرابلس وبرقة وفزان.
تم إحلال العملة الليبية محل العملات التي كانت متداولة فيها، جنيه ليبي مقابل جنيه مصري، وجنيه ليبي مقابل 480 مال، وجنيه ليبي مقابل فرنكات فرنسية، بسعر الصرف الذى كان سائداً آنذاك بين الجنيه الاسترلينى والفرنك الفرنسي، وسلمت الجنيهات المصرية والمال والفرنكات الفرنسية، التى تم سحبها من التداول في ليبيا باستبدالها بالجنيه الليبي لبريطانيا مقابل تعهدها بتغطية العملة الليبية الجديدة، بجنيهات إسترلينية وسندات مالية مقوّمة بالإسترليني، وبذلك أصبح الجنيه الليبي من عملات منطقة الإسترليني، (التي كانت تشمل أيضاً من الدول العربية مصر والأردن والعراق)، يتمتع بحرية التحويل في نطاق منطقة الإسترليني، ويحتاج إلى ترخيص لأي تحويل خارجها.
في ذلك الوقت كانت مصادر دخل ليبيا من العملات الصعبة، في منتهى الشح، وكانت مصادرها منها تقتصر على ما تستلمه من معونات ومساعدات من الدول الصديقة والشقيقة، ومن إيجار قواعد عسكرية لبعض الدول ومقابل قليل من صادرات بسيطة، لم تكن لها قيمة ذات بال، وكان لابد من تشديد الرقابة علي النقد، وإحكام الإشراف علي عمليات تحويل العملة، ولذلك صدر في 12 سبتمبر 1955 مرسوم ملكي بقانون بِشأن الرقابة علي النقد، تولت وزارة المالية تنفيذ أحكامه حتّى افتتاح البنك الوطني الليبي في شهر مارس عام 1956 حينها أسندت إليه مهام الرقابة على النقد والاختصاصات التي كانت مخولة لوزارة المالية بموجب المرسوم بقانون بشأن الرقابة على النقد المذكور أعلاه، ومن بعده لبنك ليبيا، الذى يسمّى مصرف ليبيا المركزي الآن، والحقيقة أنه وحتى صدور قانون المصارف رقم 4 لسنة 1963 لم تكن لدينا سياسة نقدية ولا بنك مركزي بالمعنى الكامل للكلمة، فالمصرف الوطني الليبي لم يكن يتمتع بصلاحيات المصارف المركزية المعروفة. وكان مجرد مصرف وطني، عهد إليه بتقديم الخدمات المصرفية للحكومة، هذا الوضع دام حتّى صدور قانون المصارف رقم 4 لسنة 1963 وهو الذي أسس لاستقلال السياسة النقدية والمصرفية والائتمانية في ليبيا.
صدّرت ليبيا أول شحنة من نفطها عام 1961 وبدأت إيراداته تحدث تأثيرات بالغة الأهمية، تأثيرات اجتماعية وتأثيرات مالية، وتأثيرات اقتصادية، لم تكن أسعار النفط وبالتالي إيراداته آنذاك تقارن بأسعاره وإيراداته اليوم، ولكن طلبات الناس كانت متواضعة والتدبير المالي والاقتصادي كان محكماً والأولويات محددة بكل دقة والحسابات دقيقة، والذمم نظيفة إلى حد كبير، خلال سنوات قليلة، تحقق للبلاد استقلالها المالي و الاقتصادي، ولم تعد في حاجة للمساعدات والهبات الخارجية، ولم ينسى آباؤنا استقلال سياسة بلادهم النقدية والمصرفية والائتمانية.
وأصدروا قانون المصارف رقم 4 لسنة 1963 أنشئوا بموجبه مصرف مركزي، حل محل البنك الوطني الليبي له شخصيته الاعتبارية والذمة المالية المستقلة. يسمي (مصرف ليبيا) عدل اسمه فيما بعد ليكون (مصرف ليبيا المركزي) وهو الاسم الذي هو عليه حتّى الآن، أعطيت له صلاحيات وسلطات ووظائف المصارف المركزية كاملة.
وتضمن باباً لتنظيم الجهاز المصرفي التجاري ووسائل الرقابة عليه، ورد به استثناء واحد، هو أنه أبقى على الإدارة التجارية ضمن إدارات مصرف ليبيا، ومبررة في ذلك عدم وجود أي مصرف ليبي في البلاد غيره، وقد أدمجت هذه الإدارة فيما بعد وفروع البنك العربي المحدود في ليبيا في مصرف جديد هو المصرف التجاري الوطني وذلك بموجب قانون إعادة تنظيم المصارف وتأميم الحصص الأجنبية فيها.