Skip to main content
“النعاس” يكتب: انتحار تأميني واقتصادي يهدد قطاع التأمين في ليبيا
|

“النعاس” يكتب: انتحار تأميني واقتصادي يهدد قطاع التأمين في ليبيا

كتب مدير الاكتتاب والتسويق بالمؤسسة الأفريقية لإعادة التأمين وخبير التأمين الدولي عبد الناصر النعاس:
يشهد قطاع التأمين في ليبيا حالة غير مسبوقة من الفوضى، إذ بلغ عدد شركات التأمين العاملة في السوق ما يقارب 77 شركة، في بلد محدود الحجم والإمكانات. هذا التضخم العددي لا يعكس نمواً حقيقياً في السوق، بل يشكل ما يمكن وصفه بـ “الانتحار التأميني والاقتصادي”.

سوق صغير لا يتحمل:
السوق الليبي لا يستطيع استيعاب هذا الكم الهائل من الشركات، فالأقساط المتاحة محدودة، والقدرات الفنية والبشرية ضعيفة، ما يؤدي إلى منافسة غير صحية، وانخفاض جودة الخدمات، وظهور شركات ورقية تعمل شكلياً دون أن تقدم قيمة حقيقية للاقتصاد أو للمؤمَّن لهم.

غياب الرقابة… وثغرة قانونية تستنزف العملة الصعبة:
الأخطر من ذلك أن ضعف الرقابة ووجود ثغرات في التشريعات فتح الباب أمام استنزاف موارد الدولة بالعملة الأجنبية. فقانون دعم وتشجيع المستثمرين الأجانب منح ثغرة تسمح للشركات الأجنبية بالتأمين عبر شركاتها الأم في الخارج، بدل الالتزام بالتأمين محلياً.

هذا الأسلوب – سواء عبر ما يُعرف في صناعة التأمين بـ Fronting Business أو عبر الإعفاءات الممنوحة – أدى إلى خروج أقساط التأمين بالعملة الصعبة إلى الخارج، بما يشكل دعماً مباشراً لاقتصادات الدول الأخرى على حساب الاقتصاد الليبي.

هذه ليست مشكلة ضعف قدرات الشركات المحلية، بل خلل تشريعي وتنظيمي يستوجب التعديل الفوري لسد هذه الثغرات، خاصة أن هناك مشاريع استراتيجية تم تأمينها بهذه الطريقة، ما جعل استنزاف العملة الصعبة ظاهرة متكررة.

الهيئة بين التبعية والاستقلال… ورفع رؤوس الأموال:
من الضروري إعادة النظر في وضع هيئة الإشراف والرقابة على التأمين، بحيث تكون مستقلة تماماً عن وزارة الاقتصاد، وتحظى بدعم سيادي مباشر من المجلس الرئاسي أو البرلمان أو الحكومة. استقلالية الهيئة سيمنحها القوة لفرض الرقابة الحقيقية، ومنع التجاوزات، والتصدي لعمليات غسيل الأموال وهروب العملة عبر بوابة التأمين.

كما أن الوقت قد حان لرفع الحد الأدنى لرأسمال شركات التأمين المحلية إلى 50 مليون دينار ليبي على الأقل، حتى تتمكن من مواكبة حجم الاقتصاد والمشاريع الاستراتيجية، إضافةً إلى رفع رؤوس أموال شركات إعادة التأمين بما يتناسب مع حجم المخاطر.

التدخل العاجل المطلوب: إن الوضع الحالي لا يحتمل التأجيل:
• إلغاء جميع الإعفاءات التأمينية الممنوحة للمستثمرين الأجانب.
• تعديل قانون التأمين بما يُلزم جميع المشاريع داخل ليبيا بالتأمين محلياً.
• فصل هيئة الإشراف والرقابة عن أي تبعية وزارية ومنحها صلاحيات مالية وإدارية مباشرة.
• دمج الشركات الضعيفة وغير الفاعلة لتقليص العدد وضمان سوق أكثر تماسكاً.

كلمة أخيرة
إن ما يحدث في سوق التأمين الليبي اليوم ليس ظاهرة طبيعية، بل خللاً خطيراً يهدد الاقتصاد الوطني. استمرار هذا الوضع يعني فقدان ثقة المواطن، واستنزاف موارد الدولة بالعملة الصعبة لصالح شركات أجنبية، الأمر الذي يتطلب تدخلاً عاجلاً وحاسماً قبل أن ينهار أحد أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد

مشاركة الخبر