كتب “منصور الهمالي” مقالاً حول مفهوم المواطنة حيث قال فيه: “المواطنة (citeznship) كلمة تم اشتقاقها من الوطن، ذلك المكان الذي يقطنه سيادة (المواطن) والفعل منها (وَطَن) بفتح الواو و الطاء بمعنى اتخذ و طناً وأقام فيه، والمواطنةُُ هي مصدر الفعل ( واطن) على وزن فاعل أي بمعني شارك المكان مولداً وإقامةً وهذا المعنى لغةً، أمّا اصطلاحاً فهي علاقة متبادلةُ بين الأفراد و الدولة التي ينتمون إليها ويقدمون لها الولاء مقابل حصولهم على جملة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
هذا هو المفروض، فما هو الواقع لدينا؟“
“في حقيقة الأمر أن هذا المفهوم شبه غائب بمضمونه الصحيح سواء على صعيد الحكومة أو على مستوى سيادة المواطن الكريم في حين كان لزاماًً أن يكون ركيزةً ومعياراً آساسياً لبناء الدولة يتم على ضوءة تقاسم الأدوار بتحديد الواجبات و ضمان الحقوق، ولا شكّ أن الإخلال بهذا المعيار وعدم تبني هذا المفهوم بالشكل السليم خلق نوعاًً من عدم الإتزان في إدارة الدولة و جعلها مثقلةًً بالأعباءِ التي ما كان لها أن تحملها على كاهلها لعقود، بل كان واجباًً عليها أن تنأى عن ذلك الأمر الذي جانبها فيه الصواب، و كان يكفيها أن تُعلِم السيد المواطن و تلقنهُ أبجديات هذا المفهوم على مقاعد الدراسة و في أسلوب إدارة الدولة منذ زمنٍ لتجعل منه شريكاً حقيقياً في عملية البناء لا أن يكون عالة عليها و معول هدم يشدها إلى الخلف”.
“فالمواطنةُ واجباتٌ قبل أن تكون حقوق، وهي عطاءٌ قبل أن تكون مطالبة، و هي إلتزام و ليست عبثاً، وهي إلمام وإلتزام بالقوانين و اللوائح و ليست جهلاً بها وتسيب، وهي تعزيزُ للقيم والأخلاق وليست الإتيان بما يناقضها، وهي السعيُ لتحقيق السلام وليست الدفع تجاة التأجيج و الصراعَات، وهي شعورٌ بالإنتماء والولاء في حال النواب و الأهوال لهذة الأرضِ المعطاء”.
“ولست هنا بصدد الرجوع للخلف لمعرفة من المسؤول عن هذا الفهم المبتور وتطبيقه بالشكل الخاطئ، بقدر ما أنا بصدد القول بأَن عدم إدارك الدولةِ (الحكََومة) لهذا المفهوم وإهماله وعدم اعتباره كأهم الركائز لإدارة الدولة ولعقودٍ جعل من السيد المواطن الكريم يُلقي كوب قهوته بعد احتسائها من نافذة سيارته في الشارع العام وينتقد الحكومة لوجود القمامة، وجعلته يسرق اسلاك الكهرباء و يمتنع عن سداد فاتورتها ويطلب أن يكون بيته مضاءً على الدوام، وجعلته يمتهن الفساد وينتقده فأصبح سبباً في الإخفاق بدل أن يكون رافداً من روافدِ النجاح”.
“وستدرك الحكومةَ إن لم تكن أدركت أن عدم الإرتكان إلى المفهوم الصحيح للمواطنه وتطبيقه بالشكل السليم سيقوّض من قدرتها على الإستدامة والإستمرار، وأنّه لا مناص من تقاسم الأدوار مع كافة المكونات المجتمعية في تسيير دفة الدولة وفق منظور جديد تلعب فيه الدولة دورها الأكبر في التنظيم ورعاية الحقوق بدلاً من الدور الشمولي الذي لم تعد تطيقه، فالدولة كما رأها ابن خلدون كائن حي ذو طبيعة خاصة يحكمها قانون السببية وهي مؤسسة بشرية و طبيعية و أنها وحدة سياسية واجتماعية لا يمكن أن تقوم الحضارة إلاّ بها”.