الولايات المتحدة في ليبيا ” نهج متوازن وخطوة جيدة ولكن ليست كافية “

122

لسنوات ماضية نأت الولايات المتحدة بنفسها عن عملية المصالحة الوطنية في ليبيا ، واعتمدت دورًا أكثر محدودية يرتكز بشكل أساسي على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

أما بالنسبة لليبيا البلد الغني بالنفط فأن هذه المساحة المخصصة لأصحاب المصلحة الليبيين وداعميهم الأجانب لملء الفراغ وإطالة أمد عدم الاستقرار في البلاد أصبحت عبئاً عليها.

ومع ذلك ، هناك دلائل على أن واشنطن بدأت في إدراك تكاليف فك الارتباط وسعت إلى تحقيق التوازن في تعاملاتها مع المنافسين الرئيسيين في ليبيا في الشرق والغرب و هذه خطوة جيدة ، لكنها ليست كافية.

حيت يقول المحلل ” روماني شيكر ” في مقال نشرته فاونديشين فور ديفينز أوف ديموكراسي – FDD ” أنها المرة الأولى التى يقوم فيها وزير الخارجية مايك بومبيو يوم 4 ديسمبر بالتغريد عن ليبيا ، مشيداً باجتماعه في بروكسل مع فايز السراج ، رئيس حكومة الوفاق الوطني ، حيث أعرب بومبيو عن دعمه للخطة التي أعيد تقويمها والتي قدمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة ، والتي تدعو إلى عقد مؤتمر وطني في يناير 2019 وعملية انتخابية لاحقة تبدأ في الربيع.

وقد أعقب تغريدة بومبيو اجتماع سري تم الإبلاغ عنه في روما بين الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي (LNA) ، والسفير الأمريكي في تونس دانييل روبنشتاين والذي تم فيه نقاش دبلوماسي عن أخر التطورات في ليبيا .

كما التقى المسئولون الأمريكيون في كثير من الأحيان مع السراج ، وأعربوا عن دعمهم العلني لحكومة الوفاق ، لكنهم أبقوا على بعدهم عن حفتر الذي ينسجم مع الحكومة الليبية المؤقتة .

لكن مسؤولًا كبيرًا في البيت الأبيض أخبر صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرًا:

“بالتأكيد سنرى دورًا مهما للجنرال حفتر مستقبل لليبيا وإذا أصبحت هذه السياسة رسمية ، فإنها ستشكل تحولًا من تفضيل الحكومة القائمة في طرابلس إلى السعي للحصول على اتفاق بين المنافسين الرئيسيين للسلطة و بالإضافة إلى ذلك ، لا غنى عن نهج متوازن للتوفيق بين المنافسين الليبيين لحملة مكافحة الإرهاب في ليبيا.

وفي الواقع وحسب رأي الكاتب ستؤدي الانقسامات المستمرة في البلد إلى تقويض الحكومة الوطنية الضعيفة أصلا ، وستواصل الجماعات الإرهابية ، ولا سيما تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ، استغلال هذا الواقع لإعادة بناء قواتها.

وأضاف الكاتب أنه وخلال الشهرين الماضيين فقط ، شنت داعش هجومين كبيرين مفاجئين على بلدتي الفقهاء وتازربو في وسط وجنوب ليبيا في محاولة لتعزيز موطئ قدمها بعد خسارة معقلها الساحلي في سرت في عام 2016. لذلك  فإن الانتقال إلى إعادة التنظيم سيكون الانخراط في المصالحة السياسية أكثر فائدة على المدى الطويل.

وقد جاء هذا التحول في الولايات المتحدة بعد تنظيم قمتين رئيسيتين في شهري مايو ونوفمبر من قبل فرنسا وإيطاليا على التوالي وحاول كلا البلدين حل الأزمة الليبية والتقدم في أجندتهما الخاصة ، لكن مؤتمرات القمة لم تسفر عن أي اختراقات كبيرة.

باريس وروما لديهما مخاوف مشروعة فيما يتعلق بالهجرة وتهديدات الإرهاب و تسعى إيطاليا إلى الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في ليبيا ، وخاصة في طرابلس وغرب البلاد ، بينما تعطي فرنسا الأولوية لتحقيق الاستقرار في جنوب ليبيا ، حيث يهدد الإرهابيون والمجرمون والمهربون الموجودون هناك منطقة الساحل ، وقد تم نشر 4000 جندي فرنسي حاليًا في المنطقة وبسبب هذه المصالح المتباينة ، فضلت باريس حفتر في حين دعمت روما حكومة الوفاق الوطني وبعض الميليشيات المتحالفة معها في الغرب ومع ذلك ، فإن الصراع على السلطة بين حلفاء الاتحاد الأوروبي قد ضاعف من مشاكل ليبيا المعقدة والسياسات المحمومة.

والحقيقة أن المبادرة الإيطالية أثبتت أنها أكثر عملية وإنتاجية مقارنة بنظيرتها الفرنسية وقد نجح مؤتمر باليرمو في ناحيتين أساسيتين :

أولاً في إخماد المهلة المتفائلة المفرطة في 10  ديسمبر والتي حددتها فرنسا ، وإعطاء الأولوية للبعثة وخطة عملها وقد كان هذا سبب تفضيل الولايات المتحدة لمقاربة إيطاليا الأكثر واقعية ، كما يتجلى في بيان رحب باستنتاجات مؤتمر باليرمو ودعم خطة عمل الأمم المتحدة.

 

وقال الكاتب أن هذه الانقسامات داخل ليبيا  تعكس انقسامات خطيرة بنفس القدر في الشرق الأوسط الكبير ، في حين قدمت مصر والإمارات العربية المتحدة دعمًا كبيرًا للسلطات التي تتخذ من الشرق مقراً لها ، بينما دعمت تركيا وقطر الإسلاميين في الغرب.

إن الأجندات المتعارضة لهذه المعسكرات الإقليمية ، التي كانت أول من يسعى إلى مواجهة الإسلاميين في ليبيا والثانية التي تحاول إقامة نظام إسلامي ، فاقمت الانقسامات العالقة بين أصحاب المصلحة الليبيين وقد حذر خبيران مؤخرا من التدخل الأجنبي ، قائلين “إن جزءا من الانقسام الذي يغذي هذا الصراع الليبي له جذور في الخارج”

وفي هذه الأثناء صعدت روسيا  التي تنسجم استراتيجيتها مع مصر والإمارات العربية المتحدة  الوضع في الآونة الأخيرة لملء الفراغ الذي خلفته السلبية الأمريكية.

وأنهي الكاتب مقاله :

 

أنه في الوقت الذي ينبغي فيه التصفيق لأحدث نهج أميركي متوازن والذي لايعتبر كافياً ، عززت الأمم المتحدة والتي تسعى لمساعدة الليبيين على تحقيق حكومة مستقرة وموحدة جهودها.

ولتحقيق هذه الغاية يجب على واشنطن الضغط على اللاعبين الدوليين والإقليميين لإنهاء تدخلاتهم السلبية التي تؤخر التوصل إلى تسوية يمكن أن تمهد الطريق لإجراء انتخابات نزيهة وذات مصداقية وإحلال السلام والاستقرار في ليبيا وبدون مشاركة دبلوماسية قوية من قبل الولايات المتحدة  سوف يستمر الممثلون الليبيون وداعموهم الخارجيون في تشويش مأزق ليبيا من خلال تأجيج الانقسامات القائمة والمجموعات الإرهابية مثل داعش.