مع مرور شهرين تقريبًا على إغلاق الحقول والموانئ وتوقف الصادرات النفطية في البلاد، يواجه المصرف المركزي صعوبات مختلفة في إدارة الوضع المالي للدولة لافتقاده أهم المصادر التي تمول الخزينة العامة.
وفي أحدث بيانات نشرها مركزي طرابلس عن الإيرادات المالية للدولة خلال الشهرين الأوليين من العام 2020، تشير الأرقام إلى انخفاض كبير في الأموال الداخلة إلى المؤسسة الأهم في البلاد، حيث بلغت الإيرادات النفطية 380 مليون دولار فقط، مما يوضح تراجعًا كبيرًا في العائدات.
يمثل وجود إيرادات من الجهات السيادية الأخرى كالضرائب والجمارك، إضافة إلى قطاع الاتصلات هامشًا مهما لمركزي طرابلس للمناورة وإدارة الأزمة، على الرغم من الأرقام التي تظهر أن عائداتها المالية لاتزال ضعيفة مقارنة بالإيرادات النفطية.
وفي ظل استمرار الأزمة التي تسبب بها توقف تصدير النفط، تعتبر الرسوم المفروضة على بيع النقد الأجنبي عائدًا ماليًا مهمًا للمصرف والحكومة، رغم المعادلة الصعبة التي تقول بأن توقف بيع النفط يعني توقف بيع الدولار، وبالتالي فقدان السيطرة على الاستقرار الهش للوضع الاقتصادي في البلاد.
وبلغت مبيعات النقد الأجنبي خلال نفس الفترة 6.110 مليار دينار، متجاوزة جميع الإيرادات الأخرى، لكن مع توقف المصارف عن شحن وإصدار بطاقات الأغراض الشخصية التي تصل قيمتها إلى 10 آلاف دولار خلال العام، شهد السوق الموازي ارتفاعا كبيرا لسعر العملات الأجنبية مقابل الدينار على مدار الأيام الماضية.
المصرف المركزي قال في بيان، إن الترتيبات المالية للعام 2020 قدرت بحوالي 38.5 مليار دينار، في انتظار إصدار المجلس الرئاسي قرارًا باعتمادها خلال الأيام المقبلة.
معادلة ثنائية
وقال الخبير الاقتصادي عطية الفيتوري، إن فقدان المركزي للعائدات المالية من النفط يمكن أن يسبب مشاكل كبيرة، خاصة في حال ركز اعتماده على الرسوم المفروضة على بيع النقد الأجنبي.
ويعتقد الفيتوري في حديثه لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن استمرار بيع النقد الأجنبي عبر المركزي بالطرق السابقة يمكن أن يحافظ على استقرار الوضع الاقتصادي، إضافة إلى توفير مبالغ مالية ستساهم في سد العجز إن حصل مستقبلا.
لكن مقابل ذلك، يرى الخبير الاقتصادي بأنه لا يمكن توقع مضي المصرف المركزي في نفس الاتجاه من خلال بيع العملة الصعبة مع عدم وجود عائدات مالية بسبب توقف تصدير النفط، مؤكدا بأنه في حال أقدم المصرف على تغيير سعر الرسوم أو التوقف عن بيع النقد الأجنبي فإن النتيجة ستكون سلبية بمقايس مختلفة.
وأشار عطية الفيتوري إلى أنه يجب على المصرف المركزي في طرابلس اتباع سياسية التقشف مع الحذر في اتخاذ القرارات للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي النسبي الموجود.
الحفاظ على الاستقرار
من جهته، قال الخبير الاقتصادي عمر زرموح إن مهمة المصرف خلال العام الحالي هو الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، على الرغم من توقف تصدير النفط منذ منتصف يناير الماضي.
وقال زرموح في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، إن الإيرادات غير النفطية لا تمثل أهمية كبرى داخل الميزانية العامة للدولة (الترتيبات المالية)، حيث بلغت نسبتها في العام الماضي 5٪ مقابل 69٪ لعائدات النفط.
زرموح يعتقد بأن الاحتياطي الأجنبي داخل المصرف المركزي جيد، مطالبًا الأخير باستخدامه في ما يشبه الاقتراض لدعم الحكومة خلال الترتيبات المالية لهذا العام، إلى حين التوصل إلى اتفاق يقضي بعودة تصدير النفط ورجوع الإيرادات للمستوى الطبيعي قبل يناير.
ويرى عمر زرموح أن سياسية التحرك مع اتجاه الأزمة تعتبر وسيلة سيئة، حيث أن المصرف المركزي يطلق سياسة التقشف في حال انخفضت الإيرادات النفطية، مقابل اتباع سياسة الصرف مع ارتفاع إنتاج النفط والحصول على عائدات مرتفعة.
وأضاف بأنه يجب أن يستمر المركزي في بيع النقد الأجنبي للمواطنين خلال الفترة المقبلة، للحفاظ على استقرار سعر الدولار والعملات الأخرى مقابل الدينار والتي ستعمل على إبقاء القوة الشرائية للمواطنين مرتفعة.
وتظهر البيانات الخاصة بالترتيبات المالية لهذا العام وجود خلل عبر قرب تجاوز الأموال المخصصة للمرتبات 50٪ من الميزانية والتي تتطلب إعادة النظر في هذه المشكلة ومحاولة إيجاد حل لها يسمح بتوفير الأموال واستثمارها بطريقة أفضل، وفق زرموح.