| أخبار
برعاية مركز الحوار الانساني ومن ضمنهم أعضاء بالصالون الاقتصادي.. عدد من الخبراء يوجهون رسالة هامة بخصوص الوضع الاقتصادي بليبيا
أصدر عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين والذي تضمن منهم عشرة من أعضاء منظمة الصالون الاقتصادي من أصل سبعة عشر والمتمثلين في: د. أبوبكر أبوالعيد أبوالقاسم ، أ. حموده الأسود، أ. مراجع غيث، د. عبدالغني الفطيسي، د. فتحي المجبري، م. محمد خالد الغويل، د. محمد بن يوسف، د. سليمان الشحومي، أ. محمد الشكري، د. عزالدين عاشور رسالة هامة حول التحديات المالية العامة للدولة الليبية, وذلك برعاية مركز الحوار الانساني.
-بخصوص الوضع الاقتصادي الحالي:
من يهتم لأمر الليبيين يجب أن يقول لهم الحقيقة كاملة، لذلك فخطابات المداراة والتماهي مع تشوهات الوضع الاقتصادي لا تخدم إلا أصحاب المصالح الضيقة وهي مغامرة بالوطن وأجياله.
لقد تراجع مستوى المعيشة في العقد الأخير، حيث ازدادت نسبة الفقر وتقلصت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مع الارتفاع الكبير في نسب التضخم الفعلي والبطالة وتآكل مدخرات المواطنين. إن التفاوت الكبير في الفرص الاقتصادية بين المواطنين يهدد بانفجار سياسي نتيجة تراكم الشعور بالتهميش – سواء أكان حقيقيا أو متخيلا -، ويزداد الأمر احتمالا عندما يلتقي هذا الشعور مع سرديات التهميش المناطقي والاجتماعي.
لقد وصلت المؤشرات المالية الكلية إلى مستويات تهدد الاستدامة المالية وتقوض جهود الاستقرار، لذلك أصبح لزاما الشروع في برنامج شامل لإعادة هيكلة الاقتصاد الليبي.
لقد زاد الانقسام المؤسساتي أفقيا ورأسيا من حالة الارتباك في الإدارة الاقتصادية والمالية للدولة، ومهما كانت الحلول الوقتية المقترحة إلا أنها لا يمكن أن تكون بديلا عن ضرورة توحيد القرار الإداري والمالي بتوحيد جميع المؤسسات السياسية وتجديد شرعيتها عبر الانتخابات العامة.
-بخصوص الموازنة العامة
الأصل بالموازنة العامة للدولة أنها تعكس رؤية استراتيجية وأداة تمويل ورقابة ومتابعة، لكن للأسف تستخدم حاليا فقط في الإنفاق الجاري مما يفقدها الفعالية ويضعف مصداقيتها السياسية والمجتمعية.
ضرورة وجود موازنة موحدة شاملة لكل بنود الانفاق الحكومي ولكافة أنحاء ليبيا. رغم كل التحفظات الممكنة تبقى الموازنة الموحدة أفضل من أي ترتيبات مالية.
يجب أن تكون الموازنة واقعية وتراعي الاحتياجات والإيرادات المتوقع تحقيقها. كما يجب أن تكون الموازنة مؤسسة على المؤشرات الكلية والقطاعية الكمية والنوعية، بما يضمن إمكانية المتابعة والتقويم في إطار السياسة المالية. إن غياب المؤشرات الاقتصادية في الموازنات العامة يعكس التعاطي المؤسف مع المال العام بمنطق استنزافي.
بخصوص الإيرادات
يتعين على جميع الجهات العامة المكلفة بتحصيل الإيرادات العامة القيام بذلك. كما يجب ألا تقوم أي جهة بالاحتفاظ بها أو استقطاع جزء منها لأي سبب أو تحويلها لغير الجهة المختصة قانونا.
يجب أن تودع حصيلة جميع مبيعات النفط والغاز والمشتقات النفطية وجميع الإيرادات السيادية الأخرى بدون استثناء وفي آجالها المحددة في حساب الإيراد العام التابع لوزارة المالية.
في دولة تعتمد أساسا على إيراداتها النفطية، يجب على المؤسسة الوطنية للنفط أن تفصح بشكل شهري عن البيانات التفصيلية لصادراتها وكمية كل خام منها وسعر البيع وحصة الشريك الأجنبي وحصة الخزانة العامة.
بخصوص ضوابط ومعايير الانفاق
يتعين على الحكومة والمؤسسة الوطنية للنفط عاجلا إنهاء العمل بنظام مبادلة شحنات النفط لتوفير احتياجات السوق المحلي من المحروقات. يجب تحديد هذه الاحتياجات بصورة دقيقة وتوريدها وفق الكميات المطلوبة والمحددة على أن تقوم المؤسسة الوطنية للنفط، بالتعاقد مع المصافي العالمية وفق اجراءات شفافة. كما تلتزم المؤسسة الوطنية للنفط والشركة العامة للكهرباء بعمل مطابقة شهرية لتحديد الإمدادات الفعلية للشركة من الغاز والنفط الخام ومشتقاته.
لأسباب اقتصادية وكذلك أمنية تهم الاستقرار في ليبيا، يجب إعادة هيكلة دعم المحروقات، على أن يتم وفق سياسة منهجية مدروسة وتدريجية تقوم على توفير شبكة حماية اجتماعية وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين وقبل ذلك كسب ثقتهم في مؤسسات الدولة عبر التواصل والشفافية والافصاح.
إن ترشيد الانفاق في أبواب المرتبات والدعم قد يعتبر بطبيعته إجراء قاسيا ومؤلما لبعض الفئات الاجتماعية. ولكن الدولة يجب أن تمارس سياسة الحقيقة مع المواطنين وأن تتوقف الجهات العامة عن سياسة استرضاء الرأي العام وتحقيق المصالح الفئوية.
في باب ترشيد الانفاق، يجب في موازنة سنة 2025 القيام بالإجراءات التالية:
وقف التعيينات الحكومية ووقف الزيادة في المرتبات طيلة سنة 2025 لفسح المجال لحصر دقيق للموظفين العموميين وتحديد الاحتياجات الفعلية. ومراجعة العمل بنظام الإفراجات المالية لما يشوبه من مخالفات.
إصدار جدول مرتبات موحد يراعي مستوى المعيشة وتناسبا معقولا بين الدرجات العليا والدنيا.
مراجعة تضخم بعض بنود الموازنة مثل الإعاشة والإقامة وشراء السيارات.
تقليص عدد الجهات الممولة من الموازنة العامة بدمج المؤسسات العامة ذات الأغراض المتشابهة
تقليص عدد السفارات والبعثات الليبية الدبلوماسية بالخارج وعديد العاملين بها
التوقف عن إنفاق الأموال العامة وبأرقام كبيرة وبدون أولويات واضحة في موضوعات اجتماعية مثل الزواج دون دراسات اقتصادية وميدانية تبين آثارها على الفئات المستهدفة بها.
نحث الجهات المسؤولة على تفعيل ودعم المؤسسات التالية لأهمية أدوارها في التطوير الاقتصادي: مصلحة الأحوال المدنية، السجل العقاري مصلحة الإحصاء والتعداد مصلحة الضرائب مصلحة التخطيط العقاري مصلحة الأملاك العامة ومصلحة الجمارك.
تكون الأولوية في باب التنمية لمشروعات الطاقة والكهرباء والخدمات الأساسية والاجتماعية وأعمال البنى التحتية. وفي جميع الأحوال يجب أن تكون المخصصات المالية للمشروعات المستهدفة بمسمياتها وتوزيعها الجغرافي وقيمة كل منها وتدفقاتها النقدية المطلوبة على مدى فترة التنفيذ.
التأكيد على الالتزام بعدم النقل من الباب الثالث (التنمية) إلى الأبواب الأخرى في الموازنة العامة.
بخصوص متابعة وتقويم تنفيذ الموازنة
أصحاب هذه الرسالة واعون أن الموازنة العامة تتضمن حقائق هيكلية يصعب تجاوزها في بعض الأحيان مثل تضخم أعداد الموظفين واعتماد الكثير من المواطنين على الدعم واستشراء الفساد في دواليب الإدارة. لكنهم واعون أيضا بأن معالجة التشوهات الهيكلية ومحاربة الفساد تأخذ وقتا وتحتاج تصميما وعزما وتخطيطا حتى لا تتحول النوايا الحسنة لواضعي السياسات المالية إلى قرارات غير محسوبة وغير مدروسة تذكي النزاعات.
يجب أن تخضع جميع الجهات العامة بدون استثناء لقواعد المتابعة من الأجهزة الرقابية بما يعزز الشفافية والحوكمة.
التأكيد على أن تصدر الجهات العامة تقريرا شهريا بالإيرادات والنفقات وتقرير بانجاز مشروعات التنمية وتكلفتها ومدى الزيادة أو الوفر في المال والوقت.
يقوم ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية بإصدار تقرير ربع سنوي حول إنفاق مخصصات التنمية، بالإضافة للتقرير السنوي في النصف الأول للسنة الموالية لتدارك المخالفات وعدم استفحالها.
تلتزم جميع مؤسسات الدولة بإقفال حساباتها الختامية مما يمكن من تحديد مركزها المالي لحصر الالتزامات والديون على الخزانة العامة.
بخصوص الإجراءات الإصلاحية المصاحبة:
نستحث المؤسسات التشريعية والتنفيذية وبيوت الخبرة القيام بمراجعة جميع التشريعات المرتبطة بالنظام المالي والاقتصادي للدولة. هذه المراجعات يجب أن تتم بشكل منهجي وتشاوري لضمان دخولها حيز التنفيذ دون عوائق.
إلى أن يحدث ذلك، تتقيد المؤسسات في إدارتها المالية بالتشريعات الحالية ووفق قواعد التعاون والمهنية التي يجب أن تسود بين مؤسسات الدولة.
يجب إجراء التعداد السكاني والمسوحات الأساسية بما يمكن من توفير مؤشرات كافية يمكن الاعتماد عليها عند اتخاذ القرارات الاقتصادية وتحديد توقيتها المناسب.
توفير ونشر البيانات الاقتصادية والمالية وتعزيز شموليتها وموثوقيتها.
تخصيص موارد للبلديات ومنحها الصلاحية في إنفاقها على أولوياتها التنموية المحددة.
أن تكون الأولوية في المشتريات والتعاقدات العامة للقطاع الخاص الليبي.
لا يجب أن تتحمل الخزانة العامة أي التزامات مالية لم تدرج لها مخصصات ضمن الموازنة العامة. كما ينبغي أن تضطلع وزارة المالية بحسن إدارة أصول الدولة الليبية من شركات عامة وصناديق سيادية) وتعظيم إيراداتها وعدم التصرف فيها خارج الموازنة العامة للدولة.
-الخطوات الإجرائية لاعتماد الموازنة
إذا كان الوضع الاقتصادي استثنائيا فيجب التعامل أيضا بشكل استثنائي مع موازنة السنة القادمة، من أجل اعتمادها وضمان الالتزام بها وتنفيذها بسلاسة يقتضي الأمر توافقات سياسية واسعة بين الأطراف الرئيسية وتواصلا نشطا بين الجهات الفنية والمؤسسات السياسية ذات العلاقة.
يجب أن يحافظ مصرف ليبيا المركزي على استقلاليته والعمل وفق اختصاصاته المحددة بالتشريعات الليبية ضمانا لمهنيته وحياديته. كما يجب ترتيب العلاقة مع وزارتي المالية والاقتصاد بما يسمح لكل منهما بتنفيذ صلاحياته دون تداخل.
ختاما، فإن التعاطي الجدي والمسؤول مع التحديات الاقتصادية يستلزم إطلاق عملية سياسية شاملة وتكاملية بين مساراتها المختلفة دون إبطاء أو تأجيل من طرف البعثة الأممية. إذا كانت ليبيا تحتاج لميثاق وطني متين بين مكوناتها السياسية والاجتماعية، فإنها أيضا تحتاج لحوار عميق حول النموذج الاقتصادي المنشود الذي يجب أن يوجه عمل جميع المؤسسات ويعالج محفزات الخلاف المتجذرة والمتكررة.