| مقالات اقتصادية
بريون يكتب لصدى مقالاً بعنوان “كيف يكون المرتب المتوازن ملائماً للعيش .. الجزء الثالث”
كتب المستشار الأسبق بمصرف ليبيا المركزي”د. نوري عبد السلام بريون ” لصحيفة صدى الاقتصادية مقالاً بعنوان “كيف يكون المرتب المتوازن ملائماً للعيش الجزء الثالث”.
الأصل في دفع الأجور والمرتبات هو ما يقوم العامل به من جهد نافع، ولا توجد علاقة بالاجتماعية مع الأجور على الإطلاق، لكن بانتشار الاتجاه الاشتراكي في أوائل القرن العشرين انتشرت الروح الاجتماعية، فدخلت ما يُسمى بالعلاوة الاجتماعية للطفل، والعلاوة الاجتماعية للزوجة، والعلاوة الاجتماعية للسكن، علما بأن الحاجة إلى المسكن هي حاجة أساسية للإنسان، بعد الحاجة إلى الأكل والملبس والمشرب، كما جاءت في قوله تعالى ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى، إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ، وأنك لا تظمؤُ فيها ولا تضحى ) طه 117-119 ، لأن مشكلة الحاجة إلى السكن تحتاج إلى آلية التنظيم آلاقتصادي الفعالة ، وليس إلى التوجه الاجتماعي فقط.
إذ تكون بإنشاء شركة وفق الحجم الأمثل في كل مدينة أو قرية، يُراعى فيها جانب العمل التجاري، لتكون مستدامة، ويُراعى فيها أيضا ًالجانب الاجتماعي، لتكون تكاليفها مُيسرة ومقبولة لدى الطبقة الأقل دخلاً من خلال قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ) المائدة 3.
أما بالنسبة لعلاوة الطفل وعلاوة الزوجة، فرغم أن الحاجة إليهما تقررت لتخفيف عبء تكلفة ميزانية الأسرة، إلا أنه في الغالب امتداد لسياسة الدولة في توسع الحرية الشخصية، وإلغاء العامل الاقتصادي الذي يمنع رغبة أرباب الأسر في زيادة النسل من جهة، أو يمنع رغبة الدولة في التوسع في عدد السكان من جهة أخرى.
ولكن الدول التي تواجه انخفاضا في عدد السكان مثل أمريكا وكندا واليابان، وتبنت آلأخيرة منح علاوة اجتماعية، لغرض زيادة عدد السكان، ولم تصلنا النتائج بعد حتى يمكنني التعليق على ذلك، بينما تدعم كل من أمريكا وكندا العجز في عدد السكان المرغوب من خلال الترغيب والتشجيع، ثم الدقة في الاختيار لغرض الكفاءة في الاستيطان.
أما بالنسبة للحالة الليبية فيمكن وقف العلاوات الاجتماعية ونقل مخصصاتها إلى مكان الإستفادة منها في المدرسة في شكل توزيع بعض الأدوات المدرسية مثل الشنطة والكراسة والقلم على الطلبة الذين أولياء أمورهم لا تتجاوز دخولهم آلألف دينار، لكن المهم أن نركز على تحديد قيمة المرتب المتوازن لدخل الكفاية المرغوب تحقيقه في المجتمع الإسلامي وذلك من خلال دعم الشريحة آلأقل انتفاعا ( دخلاً ) بواسطة المعونة والزكاة، ليكون المرتب الأدنى المتوازن المدعوم مساوياً لدخل حد الكفاية للمعيشة.
أما باقي الشرائح الأكثر انتفاعاً من المرتب وجب على الدولة تنمية مستثمراتهم ( العفوية والإجبارية ) لمواصلة التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة لهم، وإذا كان ميل الشعب الليبي إلى خلق فرص الاستثمار ضعيفاً، فوجب على الدولة أن تساهم في خلق مثل هذه الفرص، بالترغيب المباشر من خلال المساهمة المالية مع الحداق الشباب الجدد من جهة، أو بالترغيب غير المباشر من خلال آلإعفاء المؤقت للضرائب والجمارك، أو من خلال الدعم المؤقت للإنتاج من جهة أخرى.
وهنا تجب الملاحظة بأن المبالغ المحددة من قبل المؤتمر الوطني ( 100 دينار كعلاوة للطفل، و150 دينار كعلاوة للزوجة ) أو من قبل ديوان المراجعة ( كمقترح ) ( 25 دينار للطفل و50 دينار للزوجة ) لازلت أشعر بأن الواقع الليبي غير قادر على مواجهة هذا الالتزام، بما فيه مُقترح ديوان المراجعة ( هو الأقرب للواقع )، لسببين: الأول هو أن الشعب الليبي أصبح مستهلكا صافياً بنسبة كبيرة (بمعنى أن قيمة الإنتاج التي يستهلكها الليبيون والأجانب يقدمون مقابلها جهداً لا يتجاوز 39.3% من قيمتها، كمتوسط سنوي خلال الفترة (2008-2010 )، بما فيه من مدخرات كزيادة في الأصول عند الليبيين والمساهمين آلأجانب ).
علما بأننا افترضنا أن الناتج المحلي للنفط ( ن م ف ) وهو السلعة الريعية، والناتج المحلي للقطاعات الأخرى ( ن م خ ) هو مجموع السلع والخدمات التي يتم إنتاجها وفق ظروف السوق. لكن بعد ثورة 17 فبراير 2011 حدثت هزة قوية في الاقتصاد الليبي، مما جعلها تدخل الخوف في قلوب العاملين الأجانب فتركوا العمل ورجعوا إلى بلادهم، ودخلت تلك المشروعات الركود المتواصل حتى الوقت الحاضر، الأمر الذي جعل الكمية القليلة من العمال المعروضة في السوق قد أدت إلى مضاعفة الأجر اليومي من 40 دينارا إلى 80 دينارا، بسبب شدة الطلب على العمال.
والملفت للنظر أن متوسط (ن م خ) السنوي خلال الفترة ( 2011-2013 ) قد زادت كنسبة مئوية من ( ن م ج ) بسبب الانخفاض الكبير في الكميات المصدرة من النفط ليصل إلى 34.5%، مقابل28.2 % خلال الفترة (2008-2010 )، بينما أظهر متوسط (ن م خ) كنسبة مئوية من متوسط (ن م ف) زيادة كبيرة بلغت نحو 52.7% خلال الفترة بعد الثورة ، مقابل نسبة أقل بلغت نحو 39.3% خلال الفترة قبل الثورة، أي بزيادة بلغت 13.4 درجة مئوية.
لا شك أن هذه الزيادة الملموسة في أهمية الناتج المحلي غير قطاع النفط، ترجع إلى عاملين: الأول منهما هو انخفاض كمية صادرات النفط الذي أثر سلباً في انخفاض الناتج المحلي للنفط، والأخير سيؤثر إيجاباً في أهمية الناتج المحلي للقطاعات الأخرى، بينما العامل الثاني هو الانخفاض الكبير في عرض العمل، مما أدى إلى زيادة الأجور إلى الضعف، الأمر الذي جعل بعض الليبيين مضطرين للقيام بالأعمال التي يحتاجونها بسبب عدم توفر العمالة الرخيصة الملائمة لأعمالهم، فزادت مساهمة الليبيين في ( ن م خ ) وهو اتجاه مرغوب اقتصادياً، وخاصة أن الحالة الليبية قد غرقت في بحر البطالة المقنعة، بسبب ممارسة الحكومة المستدامة في تعيين كل من يطلب العمل سواء كان مؤهلاً أو غير مؤهل، بسبب ضغوطات العلاقات الاجتماعية مثل القرابة والقبيلة، ودون قدرتها على تشغيل هؤلاء العاملين في المكان المناسب وجعلهم يقومون بالعمل المفيد المطلوب، مما جعل معظم القوى العاملة تعمل مع الدولة (1.8 مليون عامل ) ومما جعل الاقتصاد الليبي والقطاع الخاص يزيد طلبهم على العمالة الأجنبية، وخاصة في مجال البناء الأكثر مشقة، وفي مجال الأعمال الهامشية مثل تزويد السيارة بالبنزين بمحطات الوقود، وتزويد أصحاب المحلات التجارية بالمساعدة في القيام بالعمل الشاق في عملية البيع، التي تتطلب العناية والصبر، حتى أنه لم يبق عمل للتاجر الفردي سوى القبض. ألا توجد سياسات اقتصادية للترغيب في هذه الأعمال الهامشية، بدل السماح لتلك الطبقة من العمالة الأجنبية الوافدة غير معروفة الهوية ( أخلاقاً وصحة )، وإن كان صعباً في المدة القصيرة، فيمكن علاجه تدريجياً ( 2-5 سنوات ) في المدة المتوسطة.
لكنني لست معارضاً لمنح علاوة اجتماعية للأطفال والزوجة لتخفيف العبء على ميزانية الأسرة، إنما ما جاء حتى في مقترح ديوان المراجعة أعتبره مُبالغا فيه لأنه سيكون ثقيلا على بند المرتبات في ميزانية الدولة، وخاصة أن متوسط عدد أفراد الأسرة نحو 5.3 وذلك بناء على المسح الوطني لصحة الأسرة سنة 2014. وهو لا زال كبيراً إذا قورن مع حجم الأسرة في الدول المتقدمة، إذن من الممكن أن نقبل علاوة الطفل بعشرة دنانير شهرياً لعدد سبعة أطفال كحد أقصى و 30 دينارًا لزوجة واحدة. وإذا أضفنا المئة دينار للمواطنة المذكورة في الجزء الأول من هذا المقال ( من شروطها تُخفض إلى 50 دينارا إذا انخفض سعر النفط إلى أقل من 56 دولارا، وتُوقف إذا انخفض السعر إلى أقل من 40 دولارا ).
ومع ذلك يجب المحافظة على استمرار دعم التنمية التي تخلق فرص العمل، أفضل من دعم المعونات الاجتماعية التي تنفق على السلع الأجنبية، لكن إذا كان دعم المعونات الاجتماعية يُنفق على السلع المنتجة محليا، فإنه سيكون هو الآخر دعما للتنمية الاقتصادية المحلية أو على الأقل لاستمرار النشاط الإنتاجي محلياً، أما بالنسبة لسعة الهامش الواجب مراعاته سواء بين الدرجات المستدامة في الكادر، أو بين هذه الدرجات الدنيا ودرجات كبار المسئولين الذين يتم تعيينهم بصورة مؤقتة، مثل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس الشعب المنتخب، وغيرهم من الوظائف العليا المؤقتة. وهذا صحيح، لأنه في حالة وجود فرق شاسع بين الدخل الأدنى والدخل الأعلى كما هو الحال في ليبيا، سوف يقلل من الترابط الاجتماعي ويزيد من تنافر النفوس، الأمر الذي يتطلب منا وضع هامش متوازن يؤلف بين النفوس ولا يفرقها.
إذ هناك من يقول لو كان الفرق بينهما عشرة أضعاف يمكن أن يكون مقبولاً، لكن في نظري إن الاقتصاد الليبي ريعي قابل للنضوب، وليبيا تحتاج إلى التنمية في كل مجالات الاقتصاد بما فيها التنمية البشرية، الأمر الذي يجعلنا أن نخفف بقدر الإمكان من عبء التكاليف، لكي نسرع بالتنمية المستدامة، وهذا لا يتأتى إلا بأيدي عاملة قليلة التكلفة. وهنا وجب على الليبيين أن يقتدوا بالشعب الألماني الذي هب كرجل واحد في إزالة آثار الحرب العالمية الثانية ما تركته من دمار وخراب.، لذلك أقترح أن يكون عدد آلأضعاف وسطاً وهو سبعة أضعاف علما أن الرقم 7 مكرركثيراً في القرآن، لذلك أرى إنه رقم مميزووجب إستخدامه في المجال الملائم مثل هذه الحالة ، إذ قال تعالى ( مثل الذين يُنفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سُنبلة مائة حبة والله يُضاعف لمن يشاء والله واسع عليم -261-.) البقرة. إذ وفق تفسير إبن كثير هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وآبتغاء مرضاته وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى 700 ضعف، أي مثل إنفاقهم
كمثل الحبة التي أغلًت 700 حبة ،لأن الله واسع وخيره لا ينضب .أما آلأنسان وفق إعتقادي محدود آلإنتاجية وآلقدرة ، وبالتالي وجب تقدير توسعه في حدود طاقته آلإنتاجية ، لذلك أرى من الممكن آلإكتفاء في حدود المستوى سبعة أضعاف وهي آلمضاعفة آلأولى في إستثمارات القمح التي يمكن أن تتوافق مع قدرات آلإنسان.علما أنه حتى مستوى العشرة أضعاف، ربما تكون أكثر سعة من الطاقة آلإنتاجية للإنسان ، لأن الله الواسع العليم قد ضاعف الحسنة بعشر أمثالها والله سخي العطاء.إذ قال سبحانه وتعالى ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلا مثلها وهم لا يُظلمون -160-) سورة آلإنعام. وعند المقارنة بين المرتب آلأساسي للدرجة آلأولى والمرتب آلأساسي للدرجة السادسة عشر الظاهرة بالجدول المنشور في الجزء الثاني من هذا المقال، نحصل على السبعة أضعاف المرغوبة في إطار الجدول المذكور ( 2781 ÷401 =6.935 ) ، أي نسبة النقص كانت أقل من واحد في آلألف من الهدف المتوازن . لكن بالنسبة لهؤلاء ذوي ألمسئولية الكبيرة ، والذين يُعينون لفترة مؤقة معلومة أو غير معلومة، فيكون آلأساس الذي تُحسب عليه السبعة أضعاف هو مضاعفة متوسط آخر مربوط المرتب آلأساسي بسبعة أضعاف ليكون المرتب المقطوع لرئيس الجمهورية ( 1305.6×7=9139 دينار) شهريا.
وبالتالي يمكن بناء جدول المرتبات المؤقتة للمسئوليات الكبرى كما يلي:
الجدول الثاني –المرتبات المؤقتة العليا
الوظيفة المؤقتة المرتب المقطوع (د.ل)
- رئيس الجمهورية 9139
- ن/رئيس الجمهورية 7500
- رئيس الحكومة 8000
- ن/ رئيس الحكومة 7500
- وزير نوعي مثل المالية 7000
- وزير دولة 6500
- رئيس المجلس التشريعي وزير نوعي
- ن/ رئيس المجلس التشريعي وزير دولة
- رئيس مجلس النواب وزير دولة
- ن/ رئيس مجلس النواب 5500
- عضو المجلس التشريعي 6000
- عضو مجلس النواب 5000
- محافظ المصرف المركزي ن/ رئيس الحكومة
- ن/ م. المصرف المركزي وزير دولة
وإذا تطلب النظام وظيفة مؤقتة أخرى فوجب أن تأخذ مرتب أحد الوظائف المذكورة بالجدول التي تساويها في المسئولية ومتطلباتها الأساسية، كما أن المُعين في الوظيفة المؤقتة من النظام الوظيفي للدولة ( الكادر )، وجب رجوعه إليه عند تركها وذلك عند المستوى الذي يستحقه، إلا في حالتي الاستقالة أوالتقاعد.
هنا تجدر الملاحظة في حالة الوظائف المؤقتة يجب تحديد المرتب وزمن استحقاقها من قبل لجنة فنية قبل التعيين أو قبل الانتخابات بالنسبة لمجلس النواب، ولا يسمح للمجلس بالتمديد إلا في حالة الحرب فقط.
لا شك أن المحافظة على القوة الشرائية للمرتب يتطلب بالدرجة آلأولى المحافظة على ثبات سعر صرف الدينار بوحدة حقوق السحب الخاصة أو بالدولار من جهة، وعلى ثبات استقرار آلأسعار السلعية في السوق الليبية من جهة أخرى. علما بأن المحافظة على استقرار آلأسعارأصعب بكثير من المحافظة على أسعار الصرف، لأن استقرار أسعار السلع والخدمات بسبب اعتماده على السلوك الاقتصادي للبلد والسلوك الاقتصادي للبلدان المشاركة معها في التجارة، وهذا يتطلب الإرادة القوية المصحوبة بآلعلم العميق والخبرة الطويلة، لإحداث العدل وليست مصحوبة بالجهل وعدم الخبرة لإحداث الفساد، إذ بالعلم والخبرة تنشط وسائل التنمية المستدامة، بينما الجهل وعدم الخبرة (مع غياب الطموح) يؤديان إلى مزيد من الجهل والفقر والمرض .