بعد شهر … هل تحقق الإصلاحات الاقتصادية المأمول منها ؟

346

مضى شهر على بدء المرحلة الأولى من الإصلاحات الاقتصادية في ليبيا والتي كان في مقدمتها وضع رسوم على سعر بيع الدولار الأمريكي بالمصارف التجارية بنسبة 183% وهو ما مثل بادرة تفاؤل لدى عديد الخبراء الاقتصاديين والمتابعين للشأن الاقتصادي الليبي أضف عليهم المواطنين الليبيين الذين انتظروا حلولا جذرية لأزمتهم الاقتصادية الحادة.

في بداية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في البلاد وضع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني القيمة المفروضة على بيع الدولار مع بقاء السعر الرسمي للصرف في البلاد عند قيمه الأولى بعد تعذر اجتماع مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي بسبب خلاف أعضائه مع رئيس المجلس “الصديق الكبير” وهو ما مثل مصدر خوف لدى عدد من الخبراء الذين تخوفوا من وجود سعرين للصرف في البلاد.

بداية تفاؤلية لدى عدد من الخبراء والمتابعين الاقتصاديين الليبيين .. !

رحب “إدريس أبوفايد” أحد اعضاء المجلس الاعلى للدولة بالإصلاحات الاقتصادية واصفاً إياها “بالمؤقتة”، حيث نشر على صفحته الرسمية تفاؤله بالإصلاحات الاقتصادية موجها خطابه لما سماهم “بالبعض المشكك”

وأوضح بوفايد بأن الإصلاحات الاقتصادية ستنقد عشرات المليارات من الدينارات من النهب من خلال الاعتمادات وتهريب البضائع المدعومة حسب قوله، مضيفاً بأنها ستنهي السوق السوداء ويصبح سعر الدولار في حدود 4 دينار بعد أن وصل حتى العشرة دنانير في فترة ما، وأن الاصلاحات الاقتصادية ستوفر السيولة وتنهي طوابير المصارف والدفع بالشيك المكلف، وستخفض الأسعار بدرجة قد تصل إلى 50%..

محسن دريجة الخبير الاقتصادي والرئيس السابق للمؤسسة الليبية للاستثمار قال إن قرار فرض الرسوم على بيع النقد الاجنبي الذي تم اتخاذه يشكل خطوة على طريق الإصلاحات الاقتصادية، وإن القرار في عمومه، وإذا ما تم الالتزام بتنفيذه، سيخفض سعر الصرف ويسيطر على السوق الموازي للعملة الصعبة، ولكن نجاح هذا القرار في الاستمرار في تخفيض سعر الصرف مرتبط بحجم إنفاق الحكومة الذي إن استمر في النمو سيدفع نحو زيادة عرض النقد الليبي وسيجعل تخفيض الرسوم المفروضة وبذلك سعر الصرف صعب.

واعتبر “دريجة” بأن من اهم عيوب القرار هو استثناء واردات الحكومة من الرسوم بما في ذلك الوقود “ديزل وبنزين” الذي تحتكر استيراده، واستثنى الانفاق بالعملة الصعبة على كل ما هو غير متوفر من القطاع الخاص، وسلطة الحكومة على إنفاق الرسوم وهذا ربما يوفر للحكومة ميزانية اخرى غير تلك الناتجة عن الترتيبات المالية بدون ضوابط تحكم التصرف فيه سيرفع الانفاق ويجعل تخفيض سعر الصرف أصعب.

مختار الجديد الخبير الاقتصادي والأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة مصراته رحب بالقرارات التي أصدرها المجلس الرئاسي ومصرف ليبيا المركزي للبدء في تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية وقال أنه قد تكون مجدية رغم أنها جاءت متأخرة .

واعتبر رجل الأعمال حسني بي أن الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها في صالح المواطن والتاجر، مضيفا أن هذه الإصلاحات وإن كانت قد تأخرت كثيرا إلا أنها ستسهم في تخفيف المعاناة على المواطنين بالدرجة الأولى، وأن الدولة ستستفيد منها حيث ستتمكن من حل جزء من المشاكل الاقتصادية بتوفير السيولة بالمصارف.

 

 

 

من جهته رحب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في ليبيا “محمد الرعيض” بالإصلاحات الاقتصادية قائلات ” هي خطوة للاصطلاح ونأمل أن تطبق بصورة صحيحة، مشيدا باستثنائه منحة 500 دولار لأرباب الأسر من فرض رسوم على النقد الأجنبي.

رغم مرور شهر على الإصلاحات الاقتصادية وبدء معظم المصارف التجارية العاملة في ليبيا في بيع النقد الأجنبي للمواطنين بحسب القرار الجديد للمجلس الرئاسي وفرض رسوم على البيع بما نسبته 183% إلا إن أسعار صرف العملات الأجنبية في السوق السوداء لم تنخفض إلى ما دون الـ 5 دينار مقابل الدولار، وهو ما اتفق معظم الخبراء الاقتصاديين على الوصول إليه بعد تطبيق سعر الصرف الجديد المقدر بحوالي 3.90 بعد فرض الرسوم على بيع الدولار بل وأن معظمهم تحدث عن وصول سعر الصرف إلى 4.25 و 4.50 دينار، ولكن هذا ما لم يحدث حيث وصل سعر صرف الدولار إلى 5.51 دينار وهو ما جعل المواطنين يتساءلون حول سبب تأخر انخفاض الدولار في السوق الموازية.

تشاؤم من استمرار ارتفاع أسعار الصرف … !

عزى “سليمان الشحومي” الخبير الاقتصادي ورئيس سوق المال الليبي سابقاً ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية إلى أنها سوق كاش وصكوك في نفس الوقت في حين أن البنوك تفتقد للدولار الكاش الذي يمكن للكثيرين الاختباء خلفه ودون حسابات خارجية للحوالات وبسبب أن الإجراءات بالبنوك تأخذ وقت أكثر من اللازم بسبب البيروقراطية بالإضافة إلى وجود أسقف لعملية التحويل المباشر.

وأضاف “الشحومي” بأنه لا يوجد مبرر جوهري يجعل الفارق يستمر بشكل واسع حتى الأن، وأن البعض يفضّل التعامل بالسعر الأعلى خوفاً من الرقابة والمتابعة لمصدر أمواله، وقد أنهى تحليله بالقول بأن الأمر يحتاج الي وقت وصبر من الجميع واستقرار في السياسات وعمل من البنوك لرفع من قدرتها الفنية وتطوير خدماتها وتعزيز السرية المصرفية.

وفي تصريحات أخرى رصدتها صدى “للشحومي” قال إن الخطوات التي قام بها المركزي بزيادة المعروض من العملة الأجنبية بالسعر الخاص بحاجة لتطوير من وقت لآخر في ظل انقسام إدارة المركزي، مضيفا بـأنه يجب على المركزي تشكيل فريق من جميع البنوك بإشراف المحافظ يعمل على المتابعة الشهرية سيكون له صدى في تطور العمليات، مؤكدا أن ذلك سيدفع إلى تحسين واقع البنوك التجارية والرفع من قدراتها وشفافيتها.

وواصل “الشحومي” أن السوق الموازي أوسع من مايبدو عليه، فالمركزي وبحسب الشحومي المزود الرئيسي لذلك السوق الذي يمتد إلى الحدود ودول الجوار.

واتهم الخبير الاقتصادي والأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة مصراته “مختار الجديد” المصارف التجارية بالوقوف وراء استمرار ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية رغم الإجراءات التي اتخذها مصرف ليبيا المركزي وفي مقدمتها الرسوم المفروضة على بيع الدولار.

وأوضح “الجديد” في أوجه التقصير في مصرف التجاري الوطني مستعينا ببيانات المصرف التجاري الوطني خلال الأسبوعين الماضيين حيث قال إن ” عدد طلبات الاعتمادات التي تمت الموافق عليها في الأسبوع ما قبل الماضي بلغ 60 اعتماد، وقد أحيل منها إلى المصرف المركزي 31 طلب، وبقي عدد 29 طلب إلى الأسبوع الذي يليه في انتظار الإحالة إلى المصرف المركزي، مضيفاً بأن عدد الطلبات التي تمت الموافقة عليها خلال الأسبوع الماضي بلغ 46 اعتماد، يضاف إليها 29 طلب المتأخرة من الأسبوع قبل الماضي، وبذلك يكون مجموع الطلبات التي يفترض إحالتها في الأسبوع الماضي إلى المصرف المركزي (46+29) = 75 اعتماد، أحيل منها خلال هذا الأسبوع 13 طلب وبقي 62 طلب في انتظار الإحالة إلى المصرف المركزي

واستخلص “الجديد” من البيانات التي استعان بها ما يلي :

1- طلبات الأسبوع ما قبل الماضي60-طلب أحيل منها 44 لمصرف ليبيا المركزي وباقي 16 طلب في الانتظار منذ حوالي أسبوعين وهو ما يفند كذبة تنفيذ الاعتمادات المستندية في ثلاثة أيام عمل.

2- طلبات الأسبوع الماضي وعددها 46 طلب لم ينفذ منها اعتماد واحد حتى الأن.
واعتبر “الجديد” الأسباب التي ذكرها بأنها سبب بقاء سعر الصرف في السوق الموازية فوق الخمسة دنانير، مضيفا بأن للمصرف التجاري حوالي 70 فرع على مستوى ليبيا أي أن متوسط الاعتمادات المفتوحة بمعدل فتح اعتماد واحد لكل فرع خلال أسبوعين، وهي نسبة متدنية جداً.

من جهة أخرى رصدت “صدى الاقتصادية” تصريحات محافظ مصرف ليبيا المركزي “الصديق الكبير” أكد فيها الثلاثاء أن الإصلاحات الاقتصادية تسير في الطريق الصحيح رغم بعض التأخير في الإجراءات، مضيفا أن هذا العام لن يشهد عجزا في الميزانية ومؤشر التضخم في انخفاض مع تعافي قوة الدينار الليبي أمام العملات الأخرى في السوق الموازي.

وأضاف “الكبير” في تصريحات إعلامية على هامش مؤتمر مجلس الأعمال الليبي البريطاني الذي عقد بتونس قائلا : “نحن نراقب السوق عن كثب وهناك تحسن ملحوظ رغم التأخر في إتمام إجراءات المستحقات الشخصية”، مضيفا أنه اتفق مع المصارف التجارية على دفع عجلة الإصلاحات للأمام وتسهيل الإجراءات.

ومع هذه الآراء يبدو بأن الوقت هو الكفيل بتوضيح نجاعة القرارات الاقتصادية التي اتخذها المجلس الرئاسي بالتنسيق مع مصرف ليبيا المركزي، وذلك في انتظار تسريع آليات عمل المصارف التجارية وتطوير عملها بعد توقفها لسنوات ليست بالقليلة عن مزاولة أعمالها.