بعد مرور عام على الإصلاحات الاقتصادية.. محاولة الرئاسي الفاشلة

1٬427

عندما وقع المجلس الرئاسي على حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، كان الهدف منها على أقل تقدير دعم العملة المحلية مقابل الدولار وتوفير السيولة النقدية في المصارف لما تمثله من انعكاس مباشرة على المواطنين في تلك الفترة الصعبة والتي امتدت حتى الآن.

في شهر سبتمبر من العام الماضي، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق عن توقيع حزمة من الإصلاحات الاقتصادية بعد الاتفاق مع المصرف المركزي في طرابلس إضافة إلى مجلس الدولة. حيث تعتبر أول حزمة من الإصلاحات الاقتصادية منذ سقوط النظام السابق في عام 2011.

وعلى الرغم من أن حزمة الإصلاحات تضمنت زيادة مخصصات الأسر السنوية من الصرف الأجنبي من 500 دولار إلى ألف دولار للفرد، وإعادة تفعيل قرار دفع علاوة الأسرة والأبناء، ورفع الدعم عن المحروقات، وتغيير سعر الصرف الأجنبي المتاح للاستيراد والعلاج ليصبح متاحًا للجميع، في محاولة إلى إحراز تقدم للأمام. لكن الوضع الاقتصادي لم يتغير.

مناورات اقتصادية

مثلت إعادة تغيير سعر الصرف الأجنبي محاولة من المجلس الرئاسي والمصرف المركزي لدفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام من خلال الحصول على الإيرادات وتوفر السيولة النقدية في المصارف وبالتالي قطع جزء مهم في اتجاه تخفيف العبء على المواطن وضخ السيولة إلى قنوات المصارف التي جفت من الأموال تقريبًا.

ولكن نتيجة للانفسام السياسي والمؤسساتي في الدولة، كانت االمحاولات غير قادرة على تحقيق نتائج كبيرة؛ في ظل ما يعانيه القطاع المصرفي من انقسام وفساد مالي.

يطالب الكثيرون حكومة الوفاق الوطني والمصرف المركزي بالمضي قدماً بسياسات أكثر شمولاً، بما في ذلك إصلاحات أكثر جوهرية بتطبيق فكرة رفع الدعم عن المحروقات، ومراجعة استراتيجية لأولويات الميزانية المرتفعة دائما. مع ضرورة تقليص الفجوة بين الدينار مقابل العملات الأخرى. من أجل تحقيق نجاحات مهمة.

وقال الخبير الاقتصادي وحيد الجبو لـ”صدى الاقتصادية”، إن محاولة المجلس الرئاسي والمصرف المركزي إجراء إصلاحات اقتصادية جزئية لم تحقق أي نجاحات خاصة من ناحية توفير السيولة وإصلاح السياسات النقدية بشكل عام.

وأضاف الجبو: “مع وجود الانقسام السياسي والعسكري والمالي للدولة، من المستحيل إطلاق برامج لإصلاحات اقتصادية ناجحة”.

يعتقد الخبير الاقتصادي بأن ما نشاهده اليوم من خلال استمرار أزمة نقص السيولة النقدية، هي وحدها خير دليل على فشل أحد أهم أهداف الإصلاحات الاقتصادية.

وينظر كثيرون إلى أن حزمة الإصلاحات التي أطلقها الرئاسي عبارة عن مناورات الهدف منها التقليل من سرعة الانحدار التي وصل إليه الوضع الاقتصادي في البلاد.

وفي 10 أغسطس الماضي، قال المصرف المركزي إن إيرادات رسوم بيع النقد الأجنبي منذ بداية العام 2019 بلغت 14.9 مليار دينار متجاوزة المتوقع بـ5 مليارات تقريبًا.

إعادة تدوير الأموال

ساعدت الأموال التي تحصل عليها المركزي من خلال بيع النقد الأجنبي في جعل مُهمة الإصلاحات الاقتصادية أكثر تأثيرًا من خلال توفير السيولة النقدية أو إطلاق مشاريع تنموية تحسن من الوضع القائم، ولكن رغم ذلك لا تزال الأزمة الاقتصادية مستمرة.

وقال الخبير الاقتصادي السابق في المصرف المركزي، نوري بالروين، لـ”صدى الاقتصادية”، إن ما قام به المجلس الرئاسي والمركزي لا يرقى للإصلاحات الاقتصادية، إنما هي عبارة عن إعادة تدوير الأموال بطريقة شرعية أو غير شرعية.

عندما قام الرئاسي بتغيير سعر الصرف الخاص بعملة الدولار إلى 3.90 وتعديلها في وقت لاحق وتخفضيها بنسبة 7%، كان الهدف منها الحصول على مال إضافي يمكن التصرف فيه بحرية وبعيدًا عن الرقابة، لكنه كان له آثر سلبي على المواطنين، بحسب بروين.

ووفق الخبير السابق، لايزال الناتج الاقتصادي القومي مُنخفضا للغاية مقارنة بالأعوام السابقة، مما يدل على عدم القدرة على تنفيذ إصلاحات حقيقية مع استمرار حدة الانقسام السياسي والعسكري في البلاد.

ومنذ ثلاث سنوات تقريبًا أطلق المصرف المركزي منحة أرباب الأسر وهي عبارة عن مخصصات من العملة الأجنبية تُمنح للأسر بحسب عدد الأفراد كنوع من المساعدة في توفير السيولة للمواطنين وأشياء أخرى.

وانتقد كثير من المحللين عملية بيع الدولار للمواطنين بهذه الطريقة حيث ساهمت في تفشي الفساد بدل مكافحته، إضافة إلى استمرار تفوق الدولار مقابل الدينار مع نمو السوق السواداء في البلاد.

تعويض خطير

ويعتبر نظام التعويض الوحيد الذي يقدمه المصرف المركزي للمواطنين عبر 500 دولار وبسعر الصرف الرسمي، أمرًا محفوفا بالمخاطر؛ لأن معظم المواطنين قد يلجأون على الأرجح إلى السوق السوداء للحصول على المال اللازم، أو إرسال البطاقات للخارج بدون أصحابها أو بيعها في السوق السوداء والتي بدورها ستزود التجار بمئات ملايين الدولارات نتيجة العمولات.

إن دعم قيمة الدينار بشكل صحيح، واستبدال نظام رسوم بيع العملة، هو الطريقة الوحيدة للتخلص من سعر الصرف المزدوج الذي يتم استغلاله بسهولة، بشرط توحيد المصرف المركزي وإجراء مراجعة لكلا فرعيه.

سيؤدي توحيد المصرف المركزي بطرابلس والبيضاء إلى وقف النزيف الحاد لأموال الدولة كما أنه سيساعد في نجاح أي برنامج أومبادرة إصلاح اقتصادية تساهم في تحقيق الاستقرار في البلاد.

إن أي إصلاحات اقتصادية في ظل حالة الانقسام لن يكون لها تأثير، ولكن تبقى الحزمة التي تم تقديمها من قبل المجلس الرئاسي رغم فشلها في تحقيق أهدافها، خطوة على مسار طويل ينتظر الحكومات المقبلة نحو إنهاء الفساد وتنمية الاقتصاد بشكل صحيح.