كتب الخبير القانوني “د. طه بعرة” مقالاً بعنوان “اعتماد الترتيبات المالية في المصارف المركزية”.
نشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي، خبر إجتماع (محافظ) مصرف ليبيا المركزي، داخل (مكتبه) الرسمي، برئيس المجلس الرئاسي، ورئيس المجلس الأعلى للدولة الإستشاري، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس مجلس النواب الغربي، وآمر غرفة العمليات المشتركة للجيش الليبي.
أشير في الخبر إلى انتهاء الإجتماع بإعتماد الترتيبات المالية للعام الحالي، مع تعديل وخفض الرقم الإجمالي، بحذف عدد من المليارات بشكل فوري ، أتى ذلك بعد إيقاف مرتبات شهري يناير وفبراير من قبل محافظ المصرف المركزي، بدعوى عدم إعتماد الترتيبات المالية أو ربما لعدم موافقته عليها أو عدم تضمنين ملاحظاته عليها.
يحكى قديماً أنه عندما فرغ الخليفة المأمون من إنشاد قصيدته على مدعويه وحاشيته، سأل الشاعر أبو نواس “الذي كان من بين الحاضرين” هل أعجبتك القصيدة؟ هل كانت بليغة؟ فأجابه أبو نواس: لم اشتم بها أية رائحة للبلاغة يا مولاي.
غضب المأمون وسرها في نفسه وأمر حاجبه بحبس أبو نواس في الأسطبل مع الخراف والحمير بعدما ينهض وينفض مجلسه، وهكذا ظل أبو نواس محبوساً شهراً كاملاً في الإسطبل، ولما أٌفرج عنه وخرج، دعاه الخليفة إلى مجلسه مجدداً ليسمعه شعره الجديد مع بقية الحاضرين، فألقى الخليفة شعره وقبل أن ينتهي من إلقائه نهض أبو نواس وهمّ بالخروج من المجلس، فلمحه الخليفة وسأله منادياً: إلى أين يا شاعر؟ رد أبو نواس مٌجيباً: إلى الأسطبل يا مولاي.
لا يدري المرء من أين تم إختراع ما سمي بالترتيبات المالية بدل الميزانية العامة، ومن أين جيئ بإعتماد الميزانية داخل مقر السلطة النقدية بدل التشريعية، وكيف للمصارف المركزية تعطيل الأحكام القانونية في صرف المرتبات الحكومية، وإشتراط إنفاذ إقتراحاتها لمشروع الميزانية، ولماذا تقمص الحاضرون صفة اللجنة الإقتصادية والمالية المعنية بمراجعة وتعديل الميزانية، ووإختزل نائب واحد بقية الأصوات البرلمانية.
قال أبونواس لم أشتم بالقصيدة رائحة البلاغة، ونقول بأننا لم نشمتم في الوثيقة رائحة السلامة، فلا مال عام يصرف دون قانون، ولا ميزانية تصدر دون قانون، ولا إعتماد يوضع دون تصويت، ولا تصويت إلا بنصاب، ولا نصاب إلا في برلمان، ولا برلمان إلا بدستور.
الميزانية العامة للدولة لا تولد بين يوم وليلة، وإنما تمر بعدة مراحل وحلقات تبدأ منتصف السنة وتنتهي بنهايتها، هذه الخطوات ليست صنيعة عرف أو إجتهاد، وإنما رسمها المشرع عبر القانون المالي للدولة ولائحة الميزانية والمخازن وتعديلاته، وقد حرص المشرع على رسمها بقانون وإصدارها سنوياً بقانون، ليكرس مفهوم قدسية المال العام، ويتشارك في إنفاقه ملاكه الحقيقيين وهم أفراد الشعب عن طريق من يمثلهم تشريعياً وتنفيذياً، والعجز المتوقع عن إقرارها قد عالجه ذات القانون وأقر فيه بحق الحكومة في فتح إعتمادات شهرية مؤقتة على أساس جزء من اثنى عشر من إعتمادات السنة السابقة، دون أن يحق للمصرف المركزي والجهات الرقابة الإعتراض على صرف المرتبات أو فتح الإعتمادات، حتى إن إستند على الإتفاق السياسي، فإن الأخير لا يوجب على الحكومة الإنصياع الآراء هذه الجهات، وإنما يوجب عليها فقط إستشارتها.