كتب: الخبير القانوني ” د. طه بعرة”
الحرب العالمية مفتوحة منذ أشهر بين البشر والفيروسات التاجية، ولازالت لها الغلبة رغم تسخير كافة الإمكانات الإنسانية والاقتصادية، ونحن في ذات المعركة ولكن على طريقتنا الكلامية والبيانية، وبفضل الله مازلنا في المراحل الوقائية ولم ندخل المنطقة البرتقالية، متمنين الشفاء والعافية للحالات الخاضعة للتدابير العلاجية.
ذات يوم خطب أمير في قومه قائلاً: لم يصبكم الطاعون منذ أن وليت عليكم، فأجابه أعرابي من المستمعين: إن الله أرحم من أن يجمع علينا مصيبتين، أنت والطاعون.
وفي السياق،، بتاريخ 17 مارس 2020م صدر القرار رقم 209 لسنة 2020م عن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، بشأن إعلان حالة طوارئ مفتوحة المدة على كامل التراب الليبي، بسبب ظهور وباء كوفيد 19 العالمي، استناداً على الأحكام المرسومة بقانون الصادر بتاريخ 5 اكتوبر 1955م بشأن حالة الطوارئ، وهي حالة يختص بتقديرها مجلس الوزراء، متى رأى ظهور أوبئة تهدد حياة السكان أو أمنهم أو سلامتهم، بحيث يطلق للحكومة عنان الصلاحيات التي كانت تفتقرها في الظروف العادية، لتتمكن من الإستجابة السريعة لمتطلبات الحالة، بما يكفل أمن الناس في صحتهم وغذائهم، وهي الحالة التي قدرها المجلس الرئاسي بعد إعلان منظمة الصحة العالمية بأن وباء كوفيد ١٩ جائحة عالمية، وأصدر بناء عليها قرارات بحظر التجول والإقفال شبه التام.
– بتاريخ 23 مارس 2020 م خاطب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني محافظ مصرف ليبيا المركزي، إستناداً على حالة الطوارئ المعلنة، طالباً منه تسييل كافة المرتبات الحكومية، وفتح منظومة الإعتمادات المستندية، الخاصة بتوريد السلع الغذائية والطبية والصحية والمواد الخام للصناعات الغذائية والدوائية، وتنفيذ الترتيبات المالية وجميع أوامر الصرف وطلبات التغطية ضمن مخصصات الطوارئ.
– في اليوم التالي بتاريخ 24 أبريل 2020 م رد محافظ مصرف ليبيا المركزي على طلب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، موضحاً له بأنه وتقديراً منه لحالة الضرورة وقبل صدور وإعتماد الترتيبات المالية، قد سبق وأن لبى طلبات فتح إعتمادات لصالح جهاز الإمداد الطبي مراعاة للصالح العام، وقد باشر في تنفيذ الترتيبات المالية، كما نفذ فعلياً صرف المرتبات الحكومية، غير أن فتح منظومة بيع النقد الأجنبي لم يتأتى نظراً لعدم وفاء رئيس المجلس بإتفاق رفع قيمة الرسم المفروض على بيع النقد الأجنبي.
وهنا الأخير وهو مصرف ليبيا المركزي قد أقر على نفسه بتجاوز القانون لتلبية لإحتياجات جهاز الإمداد الطبي، ومراعاة لما أسماها بحالة الضرورة والمصلحة العامة، وهي صلاحية لا يملك تقديرها بأي حال من الأحوال، بإعتبار أن القانون قد منحها حصرياً لمجلس الوزراء وبشرط إعلانه لحالة الطوارئ، وأن القانون المالي للدولة قد جرم إنفاق المال العام دون قانون لأي سبب من الأسباب، وأن قانون المصارف وتعديلاته قد جاء خلواً من هذه المكنة التقديرية، لفلسفة تشريعية ظاهرة تتمثل في أن هذه المؤسسة النقدية ذات إختصاصات فنية محددة، وتعمل تحت إشراف السلطة التشريعية.
كما أقر المصرف على نفسه الإمتناع عن القيام بما واجب قانوناً، بعدم صرف المرتبات الحكومية عن أشهر يناير وفبراير ومارس حتى إعتمدت الترتيبات المالية بتاريخ 03 مارس 2020م، رغم صدور قرار المجلس الرئاسي رقم 1569 لسنة 2019 م بشأن فتح إعتمادات شهرية مؤقتة، وفق أحكام المادة 8 من القانون المالي للدولة ولائحة الميزانية والمخازن، التي تخول الحكومة الصرف على أساس جزء من اثنى عشر في حال تأخر إعتماد الميزانية العامة للدولة.
وأخيراً أكد المصرف رفضه لفتح منظومة الحوالات وبيع النقد الأجنبي إلى حين صدور قرار الحكومة بزيادة رسم البيع، دو أساس من القانون، ذلك أن المجلس الرئاسي قد خاطب وطالب بفتح المنظومة إستناداً على قانون الطوارئ الذي تعتبر مخالفته جريمة وليس على قانون المصارف أو القانون المالي للدولة، وأن قرار فرض الرسوم قرار حكومي خالص من حيث إختصاص الإصدار وميعاد الإصدار وقيمة الرسم، لأنها المعنية بتقديم الخدمة والحريصة على جباية مقابلها وتجميع ريعها في خزينتها، ولا يعني نقصانها أو زيادتها المصرف المركزي في شيء لهم إلا واجب المشورة الإقتصادية الغير ملزمة، مع تأكيد عدم قناعتنا بأحقية الحكومية في فرض رسم على بيع النقد الأجنبي، للأسباب التي أوضحناها في عدة مواضع سابقة، وأهمها أن الحكومة لا تملك النقد الأجنبي المراد بيعه، وأن قانون الرسوم يرمي لأحقية الحكومة في فرض مبالغ رمزية نظير أعمال خدمية تقدمها للمواطن.
– بتاريخ 31 مارس 2020 م أصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بيان رحب فيه بالدعوات الدولية والبعثة الأممية للدعم في ليبيا وسفارة الولايات المتحدة الأمريكية، لإعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي وعودة مجلس الإدارة للإنعقاد وتحمل مسئوليته الوطنية الطارئةـوهو بيان سياسي تعاطى من خلاله المجلس الرئاسي مع الدعوات الدولية التي أشار إليها، والتي كان حرياً به أن يتبادلها مع تلك المؤسسات عبر الطرق الدبلوماسية بدل الفيسبوكية، وأن يستعين بها كبادرة لتوحيد ولململة موسساته الحكومية حتى لا يلام عليه النهي عن مسلك والإتيان بمثله.
– بتاريخ 02 ابريل 2020 م أصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بيان دعى فيه مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي للإنعقاد، وإنهاء حالة الانفراد بالقرار على السياسة النقدية وفرض وجهة نظر الشخص الواحد، التي أضرت بدخول المواطنين والسياسة الإقتصادية والمالية للدولة، متعهداً بإتخاذ ما يلزم لا نعقاد الاجتماع ومتابعة ما يصدر عنه من قرارات وهي دعوة لا يملك رئيس المجلس الرئاسي وفق قانون المصارف وتعديلاته توجيهها إلى أعضاء مجلس إدارة المصرف المركزي، لهم إلا إذا ما إعتبرت بادرة أو توصية بالإنعقاد، حيث أن المادة 19 من القانون المذكور قد حددت حصراً من لهم الحق في الدعوة للإنعقاد وهم المحافظ أو نائبه أو أغلبية أعضائه وبشروط.
أما اعتراض رئيس المجلس الرئاسي عما أسماه بحالة الإنفراد والسيطرة الأحادية وفرض وجهة النظر الواحدة للمحافظ، الذي ذكر بأنه أوقف منظومة المقاصة والتحويلات وأخر تنفيذ المرتبات وألحق ضرر بدخول المواطنين وتدخل في سياسات الدولة الاقتصادية والمالية،، فهي لا تعفي من المسئوليات الوظيفية الحكومية سواءً الإعتيادية أو اللازمة لمواجهة حالة الطوارئ المعلنة، والتي كان حرياً به أن إستعمال أدوات إنفاذ القانون ووضع الجهات الرقابية والقضائية أمام إختصاصاتها، وعدم رميها على مجلس الإدارة المختص حصرياً برسم السياسات النقدية للمصرف وليس التحقيق والمحاكمة.
– بتاريخ 02 ابريل 2020م أصدر محافظ مصرف ليبيا المركزي بيان أشار فيه إلى دعوة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، وأوضح من خلاله بأنه المبادر لتوحيد المؤسسة بعد إجراء عملية التدقيق على المصرف المركزي والمصرف الموازي، وأنه ملتزم بتقديم الدعم اللازم لوزارة الصحة وتنفيذ المرتبات الشهرية، وأن إقفال منظومة المقاصة كان مرتبطاً بقرصنة حسابات حكومية من طرف نائب المحافظ خارج إطار القانون، والمجلس الرئاسي لم يتخذ اللازم لإعادة إنتاج وتصدير النفط، وهو السبب الرئيس لايقاف بيع النقد الأجنبي، الذي لا يمكن مباشرته قبل تعديل قيمة الرسم المضاف من قبل المجلس الرئاسي.
وفي هذا تأكيد على رده السابق بالصرف لمتطلبات وزارة الصحة، وضرورة رفع قيمة الرسم على بيع العملة الأجنبية حتى تفتح منظومة بيع العملة الأجنبية، وإضافة بأن توحيد المؤسسة أمر مرحب به بعد إجراء عملية التدقيق للمصرفين، وهو إقرار بأن المصرف حريص على إستمرار حالة إنقسامه إلى حين إستكمال عملية التدقيق وظهور نتائجها والتي لم تبدأ بعد، وفي هذا خرق صريح لقانون المصارف وتعديلاته.
كما أن مقولة المصرف بأن إقفال منظومة المقاصة كان مرتبطاً بقرصنة حسابات حكومية من طرف نائب المحافظ خارج إطار القانون، فإنه قول فيه الكثير من التجاوز للقانون، ذلك أن القانون الجنائي للدولة وقانون المصارف قد أوجب على المحافظ بوصفه موظفاً عمومياً أن يبلغ الجهات الضبطية أو القضائية المختصة بأية جريمة يعلم بإرتكابها اياً كانت صفة مرتبكها، ولم تمنحه تلك القوانين اقفال المقاصة طالما لم يتقرر ذلك من الجهات المختصة بتحقيق ونظر الواقعة، ناهيك على أن عبارة القرصنة خارج إطار القانون ليست بالدقة الواجبة، لأنه لا توجر قرصنة في إطار القانون.
– بتاريخ 03 أبريل 2020 أصدر أربعة أعضاء لمجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، بيان دعوا فيه المجلس إلى إجتماع طارئ يوم الخميس الموافق 09 أبريل 2020 ، لمناقشة تنفيذ صرف المرتبات الشهرية، وفتح الإعتمادات المستندية، وفتح منظومة المقاصة، وإستمرار العمل بسعر الصرف الحالي والرسم المضاف إليه دون تغيير ولكافة الأغراض، والمضي قدماً في برنامج المراجعة الخارجية الدولية، وإسقاط المحافظ وتعيين لجنة تنفيذية تخضع لإشراف مجلس الإدارة وتتولى مهام المحافظ.
وفي هذا ممارسة سليمة لاختصاص مجلس الإدارة لمهامة المتعلقة برسم السياسة النقدية والمصرفية والائتمانية، بإستثناء ما تم تأويله من نصوص تبيح للمجلس إسقاط المحافظ وتعيين لجنة فنية يوكل إليها مهام المحافظ، ذلك أن إختصاص العزل والإقالة يخرج عن صلاحيات مجلس الإدارة، ولا تملكه إلا السلطة التشريعية أو قوة القانون الطوعية أو الجبرية، وأن صلاحية المجلس في تعيين لجان فنية أمر يتفق مع القانون ولكن حدود الاختصاص الفني ولا يستطيل لدرجة إدارة المصرف وتولي مهام المحافظ، وهي لجان دأب مجلس الإدارة سابقاً على تشكيلها مثل لجنة مكافحة جرائم غسيل الأموال والصيرفة الإسلامية ورعاية موسم الحج وو، وبالتالي لا يمكن للمجلس الضلوع بمهام المحافظ إلا من خلال (المحافظ القانوني) أو نائبه، ودعوى وجود التجاوزات القانونية لا تخول المجلس الحكم عليها.
وإنما يوجب على المجلس الإبلاغ عنها والتصدي لها من قبل الجهات القضائية المختصة، صفوة القانون أن القانون وحدة واحدة وليس بالقارورة التي نسكب منها عندما نريد ونحجم عندما لا نريد، أوصي بالإتفاع عن كافة الخصومات وتلبية كافة الدعوات التي من شأنها المساعدة على الحالة الطارئة وحماية الوطن والمواطن في إطار إحترام القانون.