“بعرة” يكتب عن قصة الشركة العامة للإلكترونات

497

كتب أستاذ القانون العام والخبير القانوني “طه بعرة” مقالاً بعنوان “قصة الشركة العامة للإلكترونات أو بالأحرى مأساتها”

الشركة العامة للإلكترونات هي شركة ليبية مساهمة، مملوكة بالكامل للدولة الليبية، وتابعة لوزارة الاقتصاد والصناعة، وخاضعة لأحكام القانون التجاري رقم (23) لسنة 2010م، فضلاً عن نظامها الأساسي ، وهي باختصار مختصة بصناعة وتطوير وتحديث الأجهزة الإلكترونية وتصديرها واستيرادها كلياً أو جزئياً، وعدد موظفيها يزيد عن 1400 موظف وموظفة، ورأس مالها حوالي (25) مليون دينار، وتملك أصولاً عقارية متمثلة في أراضٍ ومقرات ومصانع ومنقولات عديدة في مختلف المدن الليبية.

الشركة بعد زمن طويل من عملها وبموجب قرار رئاسة الوزراء أحليت للخصخصة، وأضحت تابعة للهيئة العامة للتمليك وتشجيع الاستثمار والخصخصة، وظل موظفوها يتقاضون رواتبهم تمهيداً لتمليكها أو خصخصتها، إلى أن توقف البرنامج في أبريل 2011، واعتبرت شركة متعثرة رفقة (44) شركة آخرى.

منذ شهر مارس 2015 توقف صرف مرتبات موظفي الشركة رغم التزامهم بواجباتهم الوظيفية، باستثناء تسعة أشهر صرفت لهم بقرار المجلس الرئاسي رقم (181) لسنة 2017، وظلت تكبر وتكبر ككرة متدحرجة من جبل ثلج حتى بلغت (48) شهراً أو أربعة سنوات متأخرة، بعد فتح النقاش مع خبراء في الاقتصاد ورجال أعمال، وسؤالهم عن مقترحاتهم لإيجاد آليات حلول للشركة وموظفيها، توافقت آرائهم في جوانب وتباينت في أخرى، على النحو التالي:- ·

بعضهم رأى بأنه يجب إعلان إفلاس الشركة وبيع ممتلكاتها وسداد ديونها لمصلحة الضرائب وصندوق الضمان الاجتماعي والموظفين، وفي تأجيل حلها تفاقم للمشكلة، إحالة موظفيها العاجزين إلى صندوق الضمان الاجتماعي، مراجعة الذمة المالية لكل من تولى إدارة الشركة، بعضهم الآخر رأى بأنه يجب إعادة هيكلة الشركة والنظر في إمكانية خصخصتها أو عرضها للاستثمار بين القطاعين العام والخاص أو تصفيتها وإعادة ناتج التصفية للخزينة العامة.

يتخذ بشأن العاملين غير المقبولين في حالتي التخصيص أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص الآتي:-

تشكيل فريق بحث اجتماعي لمعرفة ظروفهم المادية، ومدى حصولهم على أعمال أخرى، والوصول لتسوية قانونية ومادية معهم مقابل ترك العمل، تقوم وزارة العمل والتأهيل بتدريب جزء من موظفين، تختار المصارف وشركات النفط جزءًا من المؤهلين منهم والذين يتناسبون مع ملاكها الوظيفي، يختار القطاع الخاص بعضاً من ذوي المؤهلات والذين يتناسبون مع احتياجاته (فِي إطار مسئوليته الاجتماعية).

ما تبقى مما سبق تتولى شبكات الأمان الاجتماعي (صندوق الضمان، صندوق التضامن) توفير دخل مناسب لهم، بعضهم الآخر رأى بأنه يجب استحداث صندوق للخصخصة يتبع لهيئة تشجيع الاستثمار وشؤون الخصخصة، يستطيع حل بعض مشاكل العوائد، ويعيد عوائد أقساط التمليك التي سحبت أوائل العام 2011، وفتح مجال تعويض العمالة وتدريب بعضهم، استحداث لائحة عاجلة لاستئناف برنامج الخصخصة دون بيع أصول، أو برنامج تشغيل بالمشاركة مع القطاع الخاص لمدة زمنية محددة، ويمنح القطاع الخاص الأولوية في خصخصة الشركة عن طريق سوق الأوراق المالية، مع تسهيل برامج الرهن وحل مشاكل الملكيات السابقة بالتراضي.

بعضهم الآخر رأى بأنه يجب دراسة الوضع المالي من حيث الأرصدة والديون وقيمة المخزون وقيمة الأصول، دراسة وضع العاملين من حيث العدد وإمكانية إحالة بعضهم للتقاعد الاختياري أو تسريحهم بالتراضي، دراسة الوضع القانوني من حيث القضايا المرفوعة لصالح أو ضد الشركة والتأكد من ملكية الشركة للعقارات بإجراءات قطعية للنظر في إمكانية استمرار الشركة في نفس النشاط وقبول منتجاتها بالسوق، التقييم الفني لخطوط الإنتاج والمرافق المساعدة وتحديد إمكانية استخدامها في منتجات متطورة بنفس النشاط، إمكانية توظيف عقارات الشركة في نشاط يناسب موقعها وإمكانياتها من صالات إنتاج ومخازن ونقاط بيع.

آخر الخيارات هو القرار بتصفية الشركة وإزاء ما تقدم من أراء، وحيث أن النظام الأساسي للشركة العامة للإلكترونات قد نص في فقرته (د) من المادة الثامنة، بأن الدولة ملزمة بتقديم الدعم المالي للشركة بشكل طارئ أو منتظم، وهو ما يفسر التزام الدولة حالياً بصرف مرتبات العاملين بشكل منتظم وتسديد المتأخر منها، لا سيما وأن الحالة الطارئة قائمة ولا دخل للموظف في قيامها، وأن المادة (51) من ذات النظام الأساسي قد نصت على أن الشركة تحل وتصفى بقرار من مجلس الوزراء في حالة قيام حالة تستوجب ذلك، وهو ما أكدته المادة (30) من القانون التجاري الصادر عام 2010، وأن حالة الإفلاس أو عجز الشركة عن القيام بتحقيق أغراضها ليست متيقنة على النحو الكافي، ذلك أن إثبات هذه الحالة التي تنهي حياة الشركة وتفسخ علاقتها بموظفيها تعتبر مسألة فنية لا يتأتى تقريرها إلا بإجراء المراجعات والتقييمات اللازمة التي أشار إليها خبراء الاقتصاد المشار إلى آرائهم، ومن ثم تحال للتصفية خلال مدة عام واحد وتسدد ديونها من ناتج التصفية، أو يواصل نشاطها مع إعادة رأس المال إلى ما يزيد عن النصف على الأقل.

هذه وضعية الشركة العامة للإلكترونات وغيرها من الشركات الوطنية، التي قدمت إنتاجها وخدماتها لكل الليبيين لسنين طويلة، وأسهمت في تغطية جانب اقتصادي وخدمي وكذلك اجتماعي معين، ربما فرضها واقع سياسي أو اقتصادي معين، ومنحت لها مزايا لا يمكن من خلالها إلا أن تكون رابحة، إلا أنها الآن شاخت وتركت تواجه مصيرها دون اكتراث بمصير أموالها أو موظفيها، أوردتها وفق ما أتيح من معلومات شحيحة، وبما لا يتعارض مع صدق الرواية ولا يخفف من لذع الحقيقة، ونصفوا من خلالها إلى الآتي:

التزام الدولة بسداد مرتبات موظفي الشركة العامة للإلكترونات والشركات المتعثرة الأخرى المتأخرة منها والحالية وبشكل منتظم تلبية للحالة الطارئة التي تمر بها الشركات واستناداً على مصادر تمويلها الواردة بنظامها الأساسي.

إخطار الملاك والشركاء بضرورة العمل على اتخاذ كل ما من شأنه تقييم الشركات فنياً وقانونياً واقتصادياً، والنظر في قيمة أصولها وديونها وأوضاع العاملين فيها، ورسم الخيارات المناسبة لمصيرها كالتصفية أو الشراكة مع القطاع الخاص أو التطوير، وفي زمن لا يزيد عن ستة أشهر، وتعزيز ثقافة المبادرة واللجوء إلى القضاء بدل الاستكان وانتظار راتب ليس مرتب.