كتب الخبير القانوني “طه بعرة” مقالاً بعنوان “مرتبات يناير 2020 علاج أخطاء الدولة على نفقة المجتمع”
بتاريخ 21 يناير 2020م نشرت وزارة المالية عبر حسابها غير الرسمي بموقع فيسبوك، بيانا ذكرت فيه بأن (مصرف ليبيا المركزي قد قام بترجيع الحوالة المالية الخاصة بمرتبات شهر يناير 2020م، دون أي مصوغ أو مبرر قانوني، بالرغم من توفر التغطية المالية بحسابات الخزانة).
وبتاريخ 24 يناير من نفس الشهر نشرت صحيفة صدى الاقتصادية عبر موقعها الإلكتروني، بأن مصرف ليبيا المركزي قد عزى سبب إرجاعه لحوالة المرتبات (بعدم إقرار الميزانية للسنة الجديدة 2020م) وحيث أن ما يتم تقاذفه بين أجهزة الدولة هي مرتبات شهرية مستحقة تنفق من المال العام لموظفي القطاع العام، وهي بالتالي منظمة بموجب قانون، وأن القانون قد رسم كافة الحلول لكل ما قد يعترض صرفها من معقوات وإشكاليات، وعلى رأسها عدم اعتماد الميزانية العامة عند بداية العام الجديد، حيث نصت المادة (8) من القانون المالي للدولة ولائحة الميزانية والمخازن وتعديلاته على أنه إذا لم يتم إقرار الميزانية الجديدة قبل بدء السنة المالية، تفتح اعتمادات شهرية مؤقتة على أساس جزء من اثني عشر من اعتمادات السنة السابقة، وهذا ما جرى العمل به منذ عشرات السنوات عندما يتأخر ميلاد قانون الميزانية، فتسرع وزارة المالية بإعداد مقترح للصرف يقدم لرئاسة الوزراء.
ويمر بذات الإجراءات الروتينية لإصدار الميزانية عدا العرض على السلطة التشريعية، وتصدر الحكومة بناء عليه قرارا بالإذن بفتح اعتمادات شهرية مؤقتة، أشبه بما أصدرته العام المنصرم حكومة الوفاق الوطني بموجب قرارها رقم (1569) لسنة 2019م.
بين المجلس الرئاسي ووزارة المالية ومصرف ليبيا المركزي غموض في الإجراءات وضبابية في التصريحات، فهل أعدت وزارة المالية مقترحاً بفتح اعتمادات شهرية على أساس الإنفاق بذات قدر إنفاق آخر ميزانية معتمدة إلى حين اعتماد الجديدة؟ وإذا ما أحالت وزارة المالية مقترح الإنفاق بجزء من اثني عشر شهر أو كما يعرف بالصرف ( 1/12 )، فهل أصدر المجلس الرئاسي قرارا يأذن بهذا الصرف أم لا؟ وإذا أصدر الرئاسي قرارا يأذن بالصرف على النحو السابق ومع ذلك أرجعت المرتبات من مصرف ليبيا المركزي دون سبب من القانون، فهل منشور الفيسبوك يكفي لإبلاغ السلطة القضائية بالإخلال والجريمة أم أن نص القانون لا يراد تفعيله في هذه الملف إجمالاً؟
وهل مصرف ليبيا المركزي جاد ودقيق في تبريره بعدم اعتماد ميزانية 2020م وبالتالي عدم صرف المرتبات إلى حين ذلك؟ أم أنه تصريح غير مسئول أو فهم بشكل خاطيء؟ وهل اعتماد الترتيبات المالية التي ينتظرها مصرف ليبيا المركزي بقرار حكومي كافية لاعتبارها قانوناً يسمح بإنفاق المال العام وفق القانون المالي للدولة وحتى لاتفاق الصخيرات وبالتالي سوف ينفق بناء عليها، أم أنها مجرد تعطيل لقانون عاطل؟
صفوة القول أن الإجابة على كل تلك التساؤلات لا تحتاج لأكثر من طالب بكلية الحقوق للإجابة عنها، والإحساس بآثارها الوخيمة على عيش المواطن لا تحتاج لأكثر من نظرة في عيني عميل مصرفي أعياه السؤال اليومي عن نزول مرتبه الشهري.
لكل ذلك أوصى الجهات ذات العلاقة أن تبرز ما لديها من مستندات تؤكد التزامها بآداء الواجب، وأن تطالب بإنفاذ حكم القانون طوعاً أو جبراً عبر اللجوء إلى القضاء، حيث أن ما نشر إلى حد الآن مبتوراً ولا يكفي إلا لنصرة المواطن في وجه الدولة.