رصدت صدى الاقتصادية مقالة للدكتور ” محمد أبوسنينة” المستشار الاقتصادي لمحافظ مصرف ليبيا المركزي بخصوص اكتناز التجار لأموالهم خارج القطاع المصرف حيث قال متسائلا ..
التاجر أو رجل الأعمال أو الموطن الذي يحتفظ بكميات من الدينار في خزائنه أو بيته، ألا يهتم بالمحافظة على هذه الدينارات كمخزن للقيمة ووسيلة للتبادل؟
مضيفاً ..
أن هذه الدينارات تتأكل قيمتها بفعل التضخم وتفقد وظيفتها كمخزن للقيمة نتيجة لعدم توظيفها والاستفادة منها ضمن دورة النشاط الاقتصادي.
وتسائل “أبوسنينة ..
ألم تعد الفرصة سانحة لمن يريد ان يفتح اعتمادات لاستيراد السلع لغرض المتاجرة وتحقيق أرباح مشروعة ، ولمن يريد الدراسة بالخارج او العلاج على نفقته ؟ هاهي المصارف وقد أعلنت عن استعدادها لقبول الطلبات وتنفيذها .
أليس المصارف هي المكان الطبيعي للاحتفاظ بالأموال وإدارتها في حسابات مصرفية تمكن أصحابها من الحصول على كافة الخدمات المصرفية؟
واسترسل ” أبوسنينة” في مقالته قائلا “ قد يرى البعض أن هذا الطلب أو النداء عاطفي ولا يتجاوز كونه نوع من الاقناع الأدبي ( moral persuasion ). والحقيقة هي أن هذا النداء تكمن وراءه خلفيات وحقائق اقتصادية بحتة ، وكثيراً ما تلتجئ إليه المصارف المركزية والحكومات في سياق معالجة الأزمات الاقتصادية ، وهو أيسر السبل لمعالجة مشكلة السيولة ودعم قيمة الدينار، بل أن الإقناع الأدبي يعتبر أحد وسائل السياسة النقدية المعروفة . ففى أوقات الأزمة يصبح التعاون بين القطاع الخاص والحكومة، من جهة، والمصارف التجارية والمصرف المركزي، من جهة أخرى، شرطا ضرورياً ومطلباً وطنياً معني به الجميع.
وستظل المصارف المكان الطبيعي والمناسب للاحتفاظ بالأموال، بصرف النظر عن الدوافع التي أدت بأصحابها لسحبها، ولو بقدر من التضحية من قبل رجال الاعمال الوطنيين، ولكن على المصارف ان ترتقي بخدماتها وتوفر ما يطلبه عملاءها بدون جهد ومكابدة إذا ارادت تعظيم أرباحها، فضلا عن ان القانون يحمي الودائع ويضمنها، ولا قيد على حرية المودعين.
وأضاف “محمد أبوسنينة”
انهيار قيمة الدينار أو تدهور قيمته في السوق السوداء، يعني خسائر محققة لقطاع الأعمال، بل قد يصل الوضع الى افلاس بعض الشركات وضياع مدخرات المواطنين المقومة بالدينار الليبي، والسبيل الى تفادي ذلك يكون بإيداعه بالمصارف
ونبه “أبوسنينة “ إلى أن التفاعل الإيجابي لرجال الأعمال ورواد القطاع الخاص مع السياسات الاقتصادية هو الكفيل بتحقيق تلك السياسات لأهدافها، وهذا هو مضمون ما يعرف بالاقتصاد الأخلاقي ( moral economy ) .
واعتبر “أبوسنينة” إن ايداع الدينار بالمصارف يعتبر واجب وطني ومسؤولية أخلاقية إذا كنا نهتم بهذا الوطن ونحرص على استقراره والخروج بالاقتصاد من حالة الانكماش، وفِي ذات الوقت فان التربح من وراء الأزمة يعتبر عمل غير اخلاقي. وهناك مصلحة عامة من وراء رجوع السيولة النقدية للمصارف، علاج مشكلة السيولة (أولا) ودعم قيمة الدينار الليبي (ثانيا).
واعتبر “أبوسنينة” بأنه في ظل الأزمة الحالية ينبغي ألا يكون المردود المادي المباشر، رغم أهميته، هو المحفز الوحيد لإيداع الاموال بالمصارف، كما لا ينبغي ان تكون امكانية صرف الدينار الى دولار السبب الرئيسي للإيداع بالمصارف، فحجم ودائع الشركات والافراد لدى المصارف، ضمن خصومها الإبداعية، يتجاوز الستين مليار دينار وهي كافية لتمويل التجارة الخارجية ومواجهة الطلب للأغراض الشخصية، وتغني عن الحاجة الى اللجوء للسوق الموازية لهذا الغرض.
ايداع الدينار بالمصارف يؤدي الى انتهاء الكثير من التشوهات مثل الهامش بين سعر الشراء نقدا وسعر الشراء بالصكوك، هذه الظاهرة اللاأخلاقية الدخيلة على السوق الليبية التي أنهكت ذوي الدخل المحدود، والقضاء عليها يرجع الأمور الى نصابها، وفى ذلك مصلحة كبيرة للجميع. ايداع الدينار بالمصارف يؤدى الى القضاء على الفساد المصاحب لطلب السيولة ويفعل دور البطاقات الالكترونية ويعيد للمصارف وظيفتها وحيويتها ودورها في الوساطة المالية ويدعم الاقتصاد الوطني. فهو من جهة يرشد الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات، وينمي المدخرات وتعبئة الموارد لغرض الاستثمار من جهة أخرى. كما أن قبول تجار الجملة والقطاعي لاستخدام البطاقات الالكترونية يقلل من الحاجة الى الاحتفاظ بالسيولة النقدية ويخفف من الطبيعة النقدية التي يعاني منها الاقتصاد الليبي.
إن بقاء أكتر من 30 مليار دينار في التداول وخارج القطاع المصرفي اليوم يتجاوز حاجة الاقتصاد الوطني للسيولة النقدية لأغراض التبادل والدفع، حيث تزيد نسبة العملة في التداول الى الناتج المحلى الإجمالي بالأسعار الجارية خلال النصف الاول من عام 2018 عن 74% متجاوزة بذلك كل المقاييس والمعايير الاقتصادية، فهذه النسبة لا تتجاوز 9% من الناتج المحلي الإجمالي في مجموعة من الدول تشكل مجتمعة 80% من الاقتصاد العالمي. وفِي تقديرنا ان تداول عشرة مليارات دينار خارج القطاع المصرفي، ففي الاقتصاد الليبي، يكفي لتبادل سلع قيمتها 30 مليار دينار بفعل المضاعف النقدي حيت يتم تداول الدينار الواحد أكتر من مرة، ويزداد معدل دوران النقود في حال انتعاش الاقتصاد. وينبغي ان ندرك ان الاحتفاظ بالنقود السائلة خارج القطاع المصرفي يدعم ما يعرف بالقطاع الاقتصادي غير الرسمي الذي يشكل تشوهاً وعبئا على الاقتصاد الوطني ويعتبر مظهراً من مظاهر التخلف.
وفي العادة يحتفظ التجار ورجال الاعمال بأرصدة نقدية سائلة بهدف تغطية الفجوة الزمنية الفاصلة بين إنفاق النقود على المشروع والحصول على ايرادات بيع المنتجات، وهذه الارصدة المحتفظ بها تقدر بنسبة محددة من الدخل السنوي وأي مبلغ يحتفظ به نقداً فوق حاجة المشروع يرتب خسارة ضمنية للتجار والموردين وفرص ضائعة على الاقتصاد الوطني. على رجال الاعمال ان يعوا ان هناك تكلفة للاحتفاظ بالعملة خارج المصارف، مالم يتم توجيهها لأغراض الاستثمار في حال ارتفاع ما يعرف بمعدل الكفاءة الحدية لرأس المال. كما ينبغي ان يدرك الجميع ان الاحتفاظ بالدينار الليبي في شكل سيولة نقدية لأغراض المضاربة هو عمل غير مشروع ويهدد قيمة الدينار الليبي ويعرض السياسات الاقتصادية الموجهة لعلاج الازمة لاحتمالات الفشل. كما ان طريق المضاربة بالعملة مسدود وتكتنفه مخاطر أكبر بكثير من مخاطر العمل من خلال القطاع المصرفي. ومن المهم الا يغيب عن اذهان من يكتنزون الملايين بمنازلهم وخزائنهم ويمتنعون عن ايداعها بالمصارف، لمختلف الأسباب، ان هذه الملايين تهددها عدة مخاطر (مخاطر تفضيل السيولة) وترتب مشاكل للقطاع المصرفي خاصة والاقتصاد الوطني بصفة عامة، فضلا عن احتمالات الاشتباه في غسل الاموال، مما ينعكس سلبا على رجال الاعمال والتجار أنفسهم وعلى النشاط الاقتصادي برمته، فهي لعبة صفرية النتيجة. ومن اهم هذه المخاطر ما يلي:
1- مخاطر نقل العملة من مكان لآخر ومخاطر تخزينها واحتمالات ضياعها لمختلف الأسباب.
2- للاحتفاظ بالعملة خارج المصارف تكلفة فرصة ضائعة على أصحابها تتثمل في الاستعمالات البديلة للنقود عندما تكون مودعة بحسابات مصرفية.
3- تكون دائماً مهددة باحتمالات الالغاء او السحب من التداول إذا رأى المصرف المركزي ذلك مناسبا لأغراض السياسة النقدية.
4- – تعرقل جهود المصارف في التوسع في خدمات السحب النقدي الإلكتروني بواسطة (ATM) آلات السحب الذاتي. عندما يصعب على المصارف تغذية هذه الآلات بالنقود لعدم توفرها لديها.
5- ما قد تتعرض له العملة الورقية من تزييف بفعل عصابات اجرامية، ويحدث ذلك في الدولة النامية والمتقدمة على حد سواء.
6- تفقد النقود دورها كمخزن للقيمة بسبب التضخم وارتفاع أسعار السلع من وقت لآخر.