هل هناك أسوء من أن تعطل مسيرة الحياة التي من المفترض أن تكون طبيعية ومضمونة لأي انسان ، و هل هناك اسوء من أن تسقط الضحايا تباعا بسبب وضع اقتصادي أصبح سيئا و يتجه الأن الى مستقبل مجهول المعالم .
مستقبل مجهول :
في ليبيا ضرب الوضع الاقتصادي باشتداد صعوبته المواطن على اختلاف فئاته العمرية و طبقاته ، و لكنه وجه الضربة القاضية و القصوى للفئة الحالمة و الواعدة و التي من المفترض أن تكون عازمة على التخطيط لمستقبل مشرق و لكنها وجدت نفسها و للأسف تتجه لمستقبل مجهول .
فئة الشباب كانت ولا تزال من أكثر الفئات المتضررة من الوضع الاقتصادي السيء ، فأصبحت البطالة سمة لمعظم الشباب و التي حتى وإن تجاوزو حاجزها فإنهم لن يتجاوزو ازدحام المصارف ، لذلك بدأت عجلة حياتهم بالتوقف ، لا عمل ولا نقود و بالتالي لا زواج خاصة مع المتطلبات “الخيالية” التي يفرضها الزواج في عصرنا هذا .
غلاء يستمر :
منذ عام 2016 بدأت الأسعار في الإرتفاع بشكل غير معهود و ذلك تزامناً مع إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازري , و التدهور الذي شهده الاقتصاد الليبي ، و رغم الحلول التي حاول المركزي أن يضعها ليخفف من وطأ الأزمة مثل الإعتمادات و النقد الأجنبي للعائلات إلا أنها كانت بمثابة مسكنات تخفف للحظة و لكنها تسبب في تفاقم الألم على المدى البعيد ، و الألم في هذه الحالة تفاقم على الدولة و التي بدأت أموالها تستنزف بشكل غير معهود .
وصل الارتفاع لكل المنتجات من مواد غذائية و أدوية و هواتف ووصل إلى حدته في معدات البناء و الذهب و الفضة و التي تعتبر الهرم الأساسي و العمود الذي يقوم عليه الزواج في بلدنا ليبيا .
منزل الأحلام :
حيث إرتفعت أسعار مواد البناء بشكل فاق المتوقع رغم محلية انتاج بعضها حيث صعد الحديد القمم ليصل القنطار إلى ما يزيد عن الـ200 دينار على اختلاف فئاته ، ولم تستطع باقي المواد البنائية الخروج من دوامة الإرتفاع هذه فارتفعت أسعار الطلاء إلى ما يزيد عن ثلاثة دنانير للكيلو الواحد و إرتفعت أسعار الأسمنت والطوب المستخدم وكل المواد التي من الممكن أن يتم إستخدامها للبناء الأمر الذي دفع الشاب الليبي إما الانجرار إلى الحل السهل الممتنع ألا وهو تأجير منزل بسعر زهيد ، أو العزوف عن الزواج وإيقاف عجلة مستقبله على أمل أن تصنع الدولة له حلاً في يوم ما .
عروس المستقبل :
مع تفاقم المشكلة الإقتصادية و تردي الأوضاع الإنسانية داخل ليبيا ، بدأت و على عكس المتوقع تنتشر المتطلبات “الخيالية ” من قبل الإناث كشرط للموافقة على الزواج ، 50 ليرة من الذهب و مهور بالآلاف و ومؤخر لا يقل عن ألاف المهور ، مما ساهم في هذا العزوف ، و خاصة مع إرتفاع أسعار الذهب إلى ال300 و ال 400 دينار للجرام الواحد و الذي تزامن مع نقص في السيولة إن لم تصل إلى الندرة في بعض الأحيان .
كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى عزوف الشاب مرغماً عن الزواج لأنه لا يملك متطلباته في ظل الوضع الإقتصادي ، و حتى وإن استطاع الحصول على سكن فإنه لن يستطع توفير المتطلبات التي تضعها الأنثى الليبية في مقدمة شروط الموافقة .
شباب مكافح :
تحدث محمد وهو شاب في الخامسة والثلاثين إلى صحيفة صدى قائلاً ” تخرجت من الجامعة وأنا في الرابعة والعشرين من العمر كنت أطمح بمستقبل مشرق ، رئيس لإحدى الشركات أو رئيس لقسم في شركة مشهورة أو مهندس له إسم في بلدي ، وصلت أحلامي إلى أوجها في عام 2011 و لكن ومنذ بداية عام 2013 بدأت أحلامي تسقط تباعاً مع مغادرة الشركات الأجنبية و سوء الوضع الأمني و البطالة المنتشرة إضافة إلى نقص في السيولة و الغلاء في الأسعار ، بدأت في بناء منزل صغير في عام 2012 و لكنني توقفت عن البناء مرغماً لأن التكاليف أثقلت كاهلي ، تركت حلمي ألا و هو الهندسة و رميت شهادتي جانباً و عملت في أسواق و محلات حتى إستطعت اكمال 75 % من المنزل ، وبدأت في رحلة البحث عن العروس المناسبة حتى أيقنت أن هذه الرحلة ستنتهي بغرق القارب و بإستسلامي فالمتطلبات خيالية و الأسعار لم تتوقف عن الارتفاع “
اتجهت صحيفة الصدى إلى أسامة شاب في الثلاثين من العمر وتحدث لنا ” تكفل والدي ببناء منزل لي أنا و أخي أتممت دراستي و عملت قليلاً ثم توفي والدي و طلبت مني والدي البحث عن زوجة مناسبة و لم أستطع التكفل بمصاريف الزواج حاولت شراء الذهب المطلوب و لكن التكلفة كانت تقدر بالآلاف ومع غلاء المهر أصبح الوضع أقرب للمستحيل “
أمالٌ تنتعش :
خلال الفترة الماضية بدأ سعر صرف الدولار في الانخفاض بشكل غير معهود ، و قد تحدث الكثير من الخبراء عن الأسباب كل حسب تحليله فمنهم من رأى أن هذا الانخفاض عائد الى سياسات المركزي التي ان لم يعتمدها في فترة قصيرة فسيرجع سعر الدولار الى ما كان عليه ، و مع هذا الانخفاض تجدد الأمل و التفاؤل في نفوس المواطنين ،وأصبحو ينتظرون انخفاض الأسعار تبعا لانخفاض سعر صرف الدولار و لكن وللاسف الانخفاض كان انخفاضا لا يذكر في بعض المواد الثانوية و التي لا يحتاجها المواطن بشكل كبير كالهواتف و غيرها ، و لكن أسعار مواد البناء لم تشهد انخفاضا ملحوظا بدرجة كبيرة ، فالانخفاض كان بسيطاً جداً .
أما فيما يتعلق بأسعار الذهب فقد تضاربت أراء أصحاب المحال ، بين من يلتزم بسعر قديم وبين من يجدد الأسعار تبعا لسعر الصرف ، ومن يكتفي بخفض الاسعار لفترة بسيطة لبيع بضاعته .
هذه المؤشرات أصبحت تشكل هاجساً مرعباً لدى المواطن ، وأصبح المواطنون وخاصة الشباب منهم في حالة سكون و ترقب ، يترقبون انخفاضا يتناسب مع انخفاض سعر صرف الدولار عله يمكنهم من تحريك عجلة مستقبلهم التي توقفت بسبب وضع اقتصادي كارثي .