قبل أن تعلن مجموعة من رجال القبائل في مناطق مختلفة من البلاد إيقاف تصدير النفط عبر إغلاق الموانئ والحقول النفطية، ظهر مصطلح وتردد على نطاق واسع عبر مطالب بتوزيع الثروة العادل الذي رفعته عدة مكونات في المجتمع شعارًا لإحداث تغيير في الوضع الاقتصادي العام.
ولكن في حقيقة الأمر، لا يوجد شيء يمكن تسويته من خلال توزيع الثروة بطريقة عادلة، مما يستوجب طرح سؤال منطقي حول لماذا يستخدمه أنصار المصطلح إن صح التعبير في هذا الوقت بالذات وإصرارهم على تحقيق العدالة عبر إغلاق النفط والتسبب في خسائر بمليارات الدولارات؟.
إن الحرب التي تشنها قوات الجيش الموالية للبرلمان في طبرق، أظهرت بأن الصراع على الموارد المالية في البلاد هو من بين الأسباب الرئيسية للقتال منذ سنوات.
ومع استمرار إغلاق الحقول والموانئ النفطية لمدة تجاوزت الشهرين، تنطلق في العاصمة المصرية القاهرة اجتماعات المسار الاقتصادي الذي يعتبر من بين ثلاثة مسارات أعلنت عنها البعثة الأممية للخروج من الأزمة المتواصلة في البلاد. وعلى الرغم من انقضاء الجولتين الأولتيْن للاجتماعات، لم يتوصل الممثلون عن المؤسسات المالية المختلفة والخبراء الاقتصاديون لاتفاق ينهي الحصار المفروض على الموانئ ويجنب الخسائر.
إن طريقة إصلاح الاقتصاد في الوقت الراهن عبر ما يسمى توزيع الثروة العادل لا يمكن تحقيقه لعدة اعتبارات مختلفة مما يجعل المسألة استغلال سياسي أكثر من كونها إيجاد حل اقتصادي للبلاد.
وأدى توقف تصدير النفط إلى تجاوز الخسائر المالية حاجز الملياريْ دولار، وفق ما أعلنت عنه المؤسسة الوطنية للنفط مؤخرًا.
النفط مقابل الغذاء
وقال وزير الاقتصاد في حكومة الوفاق الوطني علي العيساوي، إنه يخشى بأن يقود تناول مسألة الاقتصاد الليبي عبر مصطلح “التوزيع العادل للثروات” إلى برنامج سيئ السمعة كالعراق وهو النفط مقابل الغذاء وبأن توضع اليد على موارد ليبيا.
وفي مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة، أشار العيساوي إلى أن هذا المصطلح غير دقيق، حيث يجب الحصول على ثروة تراكمية من خلال الاستثمار في عائدات النفط قبل توزيعها على المجتمع بصورة غير مباشرة.
وتأتي تصريحات الوزير في ظل تراجع الحديث عن الدستور والانتخابات، مقابل أحاديث الثروة التي قد تعمق من الانقسام في المؤسسات، ما يعطي مؤشرات خطيرة على هذا الأمر.
خلط الأوراق
من جهته قال أحد خبراء الاقتصاد عمر زرموح، إن محاولة تقسيم الموارد بشكل أحادي بعيدًا عن القوانين والتشريعات يمكن أن تعقد من المسألة بدلًا من حالها.
وقال زرموح في مقابلة مع صحيفة صدى الاقتصادية، إن ما يسمى توزيع الثروة (العائدات المالية) بدون وجود تشريعات أو قوانين في ظل انقسام الأجسام التشريعية والتنفيذية ما هي إلا محاولة لخلط الأوراق والاستمرار في الفوضى والرجوع إلى الصراع.
وأضاف الخبير الاقتصادي، بأن من يتحدثون عن التهميش في ظل الأوضاع الراهنة ما هي إلا تداعيات هدفها أغراض سياسية مختلفة.
ويعتقد زرموح بأن الاتجاه الصحيح في مسألة الاستفادة من العائدات المالية من بيع النفط تكمن في إعداد قانون للميزانية العامة للدولة يراعي المرحلة واحتياجات الجميع داخل البلاد، دون الدخول في اجتماعات لإضاعة الوقت واستعمال مفاهيم خاطئة ومظللة.
أولوية تصدير النفط
من جهته قال الدكتور في جامعة بنغازي عطية الفيتوري، إن الحديث عن توزيع الموارد في ظل استمرار توقف تصدير النفط يعطي انطباعًا غير واضح.
وأوضح الفيتوري في حديث لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن عودة تصدير النفط عبر إعادة فتح الحقول والموانئ النفطية من المفترض أن تكون أولوية للمجتمعين في القاهرة.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن الحديث عن توزيع الدخل العائد من بيع النفط أمر غير منطقي خاصة مع استمرار حالة الانقسام والتشظي التي تشهدها البلاد منذ سنوات.
وأضاف: على الجميع التوافق على إعادة فتح الموانئ وتصدير النفط في أقرب وقت ممكن، نتيجة الأثار السلبية المترتبة على الإقفال والتي ستربك المشهد وتؤثر على الحوارات ونتائجها.
“إن الوصول إلى عدالة في توزيع العائدات من الثروات أو العائدات الأخرى غير النفطية يمر عبر توحيد الدولة من خلال سلطة تشريعية وحكومة قوية”، يقول الفيتوري.
الدكتور المحاضر يعتقد بأنه في حال استطاع المجتمعون في القاهرة الوصول إلى نتائج حول الوضع الاقتصادي فإنها ستبقى مؤجلة إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي.
بعيدًا عن السياسة
وقال الخبير الاقتصادي وحيد الجبو، إن إصلاح الاقتصاد يمكن أن يكتب له النجاح من خلال إبعاده عن السياسة، مؤكدا في الوقت نفسه بأن الأوضاع الاقتصادية لا تختلف بين جميع المناطق في البلاد والتي تسودها حالة من عدم الرضى.
وأوضح الجبو في تصريح خاص لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن المسار الاقتصادي الذي تقوده الأمم المتحدة في القاهرة يجب أن يتناول المسائل العامة لجميع الليبيين والتي تمثل التفاوت غير المنطقي للمرتبات وبرامج التمنية حتى يكتب له النجاح.
وأشار في حديثه إلى أن تدخل السياسة في تصحيح المسار الاقتصادي سيعرقل الجهود الرامية لتحقيق نجاحات في إنشاء هيكلة جديدة للاقتصاد الوطني.