“حبارات” يكتب: تحليل بيان المركزي عن الإيرادات والمصروفات التي تعكس واقع اقتصاد البلاد اليوم

289

كتب الخبير الاقتصادي “نورالدين حبارات” قراءة تحليلية لإيرادات ومصروفات الدولة خلال أربعة أشهر الماضية.

أصدر المركزي أمس بيانا بالإيرادات والمصروفات وباستخدامات النقد الأجنبي وذلك عن الفثرة من 1/1 و حتى 30/4/2020، هذا وقد تضمن البيان أرقام ومؤشرات صادمة تعكس واقع الاقتصاد اليوم.

و رغم إن تقديرات الإيرادات النفطية بالترتيبات المالية المعتمدة قد قدرت عند حدودها الدنيا وبقيمة 6،000 مليار د.ل فقط سنويا أي بمعدل 500 مليون د.ل شهريا فإن إيرادات أبريل المنصرم لم تتجاوز 72 مليون د.ل لا غير والأمر نفسه فيما يتعلق بالإيرادات السيادية من ضرائب وجمارك ورسوم خدمات وفوائض شركات حيت بلغت قيمتها المحصلة فعليا عن الفثرة قرابة 522 مليون د.ل أي مايمثل 44% من القيمة المقدرة بالترتيبات المعتمدة المقدرة 1،175 مليار د.ل وإذا ما استمرت الأوضاع على ما هو عليه وهذا متوقع خاصة مع التراجع الحاد في إنتاج النفط فضلا عن إنهيار أسعاره إلى جانب تلكؤ الحكومة في تحصيل الضرائب والرسوم المقررة لها فإن الأمر ينبئ بعدم قدرتها على تحصيل حتى 60% من إجمالي الإيرادات السنوية المحددة بالترتيبات المالية والمقدرة ب 9.693 مليار د.ل ما يعني تنامي العجز السنوي الإجمالي المتوقع بالترتيبات والمقدر ب 26.706400 مليار د.ل إلى قرابة 30 مليار د.ل والسؤال هو من أين ستدبر الحكومة تمويل الزيادة في قيمة العجز؟

و لكن الأبرز ومن جانب أخر العجز الذي سجله ميزان المدفوعات والذي بلغ حسب البيان المرفق ما قيمته 1.675 مليار دولار ما يعني استخدام جزء أخر من الاحتياطي الأجنبي وذلك بعد أن أظهر ميزان المدفوعات في نهاية 2019 م عجز بقيمة 1.173 مليار دولار تقريبا وهذا مؤشر خطير له تداعياته، وإذا ما وضعنا قيمة الإيرادات النفطية المحصلة عن ديسمبر 2019 م البالغة قرابة 2.080 مليار دولار جانبا وأخد في الإعتبار قيمة الإلتزامات الخارجية التي لم تدفع حتى تاريخ صدور هذا البيان لناهزت قيمة العجز حاجز 4 مليار دولار وعلى هذا النحو وفي ظل الظروف الراهنة قد يتخطى العجز عتبة الــ13 مليار دولار مع نهاية العام أي بما نسبته 50% من قيمة الاحتياطي الأجنبي الحر المقدر بــ27 مليار دولار وفق لبيان صادر مؤخرا عن المركزي.

وفي المقابل وعلى الرغم من محدودية الإنفاق العام من حيث الحجم قياسا بحجمه في السنوات السابقة حيث لم تتجاوز قيمته عن الفترة موضوع البيان 11.346 مليار د.ل وهذا بالتأكيد لا يعني إن الحكومة انتهجت سياسات تقشفية وترشيدية في الإنفاق بل لعدم امتلاكها إيرادات أصلا لتتوسع في إنفاقها كعادتها دون نتيجة، ومع كل ذلك فإن الأرقام الصادمة للإيرادات النفطية والسيادية والعجوزات في الميزانية العامة (الترتيبات المالية ) وميزان المدفوعات في ظل الحجم الكبير من المعروض النقدي بشقيه والذي يقارب من 110 مليار د.ل ألقت بظلالها على واقع اقتصاد البلاد اليوم وبشكل مباشر فقيمة الدينار شهدت مزيدا من الانخفاض إلى أن سجلت 6 دينار للدولار ومعدلات التضخم وأسعار السلع الأساسية ارتفعت كثيرا مقارنة بمعدلاتها في يناير الماضي كما إن أزمة السيولة مرشحة للتفاقم مجددا فضلا عن تدهور الخدمات.

والمؤسف اليوم إن الأزمة الاقتصادية أصبحت أكثر تأزما تعقيدا عن ما كانت عليه في 2016 م مما يتطلب معه الأمر اعتماد حلول وإصلاحات هيكلية حقيقية وجذرية تكفل تعافي الدينار وإستقراره واخفاض معدلات التضخم وتنويع و تنشيط الإيرادات العامة وترشيد الإنفاق العام عبر تحفيز التنمية والاسثتمار و تشجيع القطاع الخاص وهذه الحلول والإصلاحات لا يمكن أن تتأتي إلا في إطار الوصول إلى حل سياسي شامل ينهيء حالة الإنقسام والإنسداد ويرسئ إلى إستقرار وسلام في كافة ربوع البلاد ولا يجب على الحكومة الركون إلى حلول مؤقتة تلفيقية ترتكز فقط على فرض أو زيادة الرسم أو الضريبة على النقد الأجنبي والتي تفضي في نهاية المطاف إلى إستنزاف الاحتياطي وإنهيار الدينار وتأكل الدخول وتفاقم التضخم وتدهور الخدمات.

وفي الختام يجب التذكير إن المركزي في بيانه هذه المرة تدارك الخطأ المتعلق بالإفصاح عن أوجه استخدام إيرادات الرسم على النقد الأجنبي والذي أشرنا إليه في مقال سابق، حيث ذكر المركزي إن إيرادات الرسم على النقد الأجنبي بلغت 6.662 مليار د.ل خصص منه مبلغ 5.963 مليار د.ل لسداد الدين العام وخصص باقي القيمة البالغة 700 مليون د.ل للباب الثالث أي البرامج والمشروعات التنموية وذلك بما يتفق مع البند الرابع من محضر الإصلاحات، وفي هذا الصدد يجب على وزارة المالية أيضا الإلتزام مستقبلا بمبادئ الإفصاح والإشارة صراحة في بياناتها إلى المبالغ المخصصة لسداد أقساط الدين العام والأرصدة المتبقية منه بحيث يكون كافة القراء والمتابعين والمهتمين بالشأن الاقتصادي وعامة المواطنين على بينة ودراية لحجم هذا الدين وأوجه استخدامه ومصادر تمويله فهم وحدهم من سيتحمل تبعاته وأعبائه.