| مقالات اقتصادية
حبارات: التعديل الخاطئ لأحكام المادة (32) من القانون رقم (1) لسنة 2005 م بشأن المصارف يقف عائق أمام قرار مجلس إدارة المركزي بشأن رفع قيمة الدينار
كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً
في جميع دول العالم تقريباً قرارات تحديد أو تغيير سعر الصرف تتم بالتنسيق المسبق بين الحكومات والبنوك المركزية،
أي إن البنوك المركزية لا تقدم على تغيير أو تحديد سعر صرف عملاتها المحلية أمام العملات الأجنبية إلا بعد تنسيقها ومشاوراتها مع الحكومات وهذا التنسيق إلزامي ووجوبي وله ما يبرره .
فالحكومات هي من تملك الادوات والوسائل للتأثير في حجم الإحتياطي الأجنبي عبر ميزان المدفوعات وإن دور البنوك المركزي في هذا الشأن يبقى محدود و لكن يبقى السؤال كيف ؟
فالحكومات هي من تتحكم في حجم الإنفاق العام عبر ضبطه وأحياناً رفعه وذلك وفق الحالة والظروف الإقتصادية السائدة ، كما إن الحكومات هي من تتحكم في حجم الإيرادات السيادية عبر تنميتها وتنويع مصادرها وتحصيل المتراكم والمستحق منها .
والحكومات هي من يقع على عاثقها رفع وزيادة حجم الايرادات النفطية وذلك عبر زيادة الإستثمار في تطوير البنى التحتية للمنشاءات النفطية بهدف رفع قدراتها الإنتاجية وهي أيضاً من تضمن تدفق إنتاج وتصدير النفط بإستمرار عبر توفير الحماية الأمنية لتلك المنشآت وضمان عدم توقفها .
والحكومات أيضا هي من تتحكم في حجم الدين العام للحد من تفاقمه عبر جدولة سداد أقساطه وهي المعنية أيضاً بتراكم الإحتياطيات العامة ، كما إن الحكومات هي المعنية بضبط فاتورة الواردات عبر تشجيعها للإنتاج المحلي ودعمها لقطاعها الخاص كما إنها المعنية بزيادة قيمة الصادرات وتنويع مصادرها من النقد الأجنبي وإلى ما ذلك من سياسات وإجراءات لا يسعنا الوقت للخوض في تفاصيلها .
والحكومات أيضاً هي من تتفاوض مع صندوق النقد والبنك الدوليين والمؤسسات المنبثقة عنهما بهدف الحصول على القروض والمساعدات المالية في مقابل إلتزامها بشروطهما التي عادة ما تتضمن ضرورة تعويم عملاتها المحلية أي تحرير سعر صرفها .
في حين يقتصر دور البنوك المركزية في التأثير على سعر صرف العملة المحلية من خلال أدوات السياسة النقدية وذلك عبر إستخدامها لسعر الفائدة وفق الحالة الاقتصادية السائدة .
وللأمانة حتى ما قبل 2012 م ليبيا لم تكن أستثناء من كل ذلك ، فالمادة (32) من القانون رقم (1) لسنة 2005 م بشأن المصارف نصت صراحةً على الأتي ( يُحدِّد المصرف أسعار صرف الدينار الليبي مُقابل العُملات الأجنبية، ويتولَّى إدارتها، وذلك بالتنسيق مع أمانة اللجنة الشعبية العامة، حسب التطوُّرات المالية والاقتصادية المحلِّية والدولية، وبما يُحقِّق مصالح الاقتصاد الوطني)
والمصرف المقصود هو المصرف المركزي وأمانة اللجنة الشعبية العامة اليوم هي الحكومة .
لكن التعديل الخاطىء و المتير للجدل الذي أقترحه المركزي والذي تم إقراره من قبل المجلس الوطني الإنتقالي بموجب القانون رقم (46) لسنة 2012 م على المادة المذكورة والتي أختزل فيها المركزي صلاحية تغيير أو تحديد سعر الصرف لنفسه دون الحاجة لمشاركة الحكومة والتنسيق معها مسبقاً في هذا الشأن ، فالتعديل لتلك المادة ينص صراحةً على الأتي ( يحدد المصرف أسعار صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية، ويتولى إدارتها، حسب التطورات المالية والاقتصادية المحلية والدولية وبما يحقق مصالح الاقتصاد الوطني ) .
هذا التعديل وللأسف هو سبب وجوهر الخلاف القائم اليوم بين مجلس إدارة المركزي و محافظه حول قرار تخفيض سعر الدولار إلى 4.26 في ظل غياب أي دور للحكومة التي ترى نفسها غير معنية بذلك الخلاف بموجب التعديل المذكور خاصةً وإن قرار التخفيض لا يخدم مصالحها في توسعها في الإنفاق الذي أعتادت عليه ، فهي تدرك إن تخفيض بمقدار 220 درهم عن كل دولار يحرمها من إيرادات بقيمة 6 مليار دينار في حالة ما افترضنا إن حصيلة الايرادات النفطية لهذا العام تقدر ب 27 مليار دولار .
وعلى الجانب الأخر السيد المحافظ يدرك مسبقا بإنه بموجب التعديل المذكور لم يعد هناك أي نصوص قانونية تلزم الحكومة بالتنسيق مع المركزي و الحصول على ضمانات مكتوبة منها تلزمها بضبط وضغط الإنفاق العام وتنمية الإيرادات العامة وغيرها من تدابير مالية واقتصادية بالتزامن مع تخفيض سعر الدولار .
فاليوم قرار مجلس إدارة المركزي يدخل شهره التاني والحكومة ترى نفسها غير معنية به لا من بعيد ولا من قريب طالما ذلك القرار لا يتوافق مع مصالحها ولا يوجد نص قانوني يلزمها بذلك.