| مقالات اقتصادية
حبارات يكتب: الإقدام على رفع أو إستبدال دعم الوقود في ظل الظروف الراهنة إجراء إرتجالي متهور يفاقم ويعمق من معاناة المواطنين وسلبياته تفوق إيجابياته بكثير
كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً
تعكف حكومة الوحدة الوطنية خلال هذه الأيام على إجراء دراسة لإقرار إستبدال دعم الوقود تدريجياً وقد شكلت لجنة لهذا الغرض .
وكما هو معروف قرار رفع دعم الوقود أو إستبداله يعتبر قرار إستراتيجي بإمتياز ويجب أن بخضع لدراسات تحليلية مستفيضة مسبقاً تنطوي على قياس لأبعاده وأثاره الإقتصادية والإجتماعية على المواطنين بشكل خاص وعلى خزانة الدولة بشكل عام على المدى المنظور والبعيد فهو ليس قرار عادي أو روتيني كغيره خاصةً في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد جراء الإنسداد السياسي والتنازع على الشرعية وذلك بعد فشل الخارطة الأممية للحل السياسي .
فمناصري أو مؤيدي رفع أو إستبدال دعم الوقود يعزون وجهة نظرهم إلى الفساد والهدر الكبير في فاتورة الدعم بسبب أعمال التهريب والإستهلاك المفرط للكهرباء دون ضوابط و هذه حقيقة ، ويروا إن تكلفة الوقود في ليبيا هي الأرخص في العالم وإن رفع الدعم أو إستبداله بمقابل نقدي من شأنه أن يحد من الفساد ويرشد في إستهلاك الكهرباء ويكفل العدالة في الإستفادة من الوقود من قبل كل المواطنين .
لكن وفي نفس الوقت لا يروا إن الفساد مستفحل وبشكل غير مسبوق ويضرب أطنابه في كافة أبواب الميزانية سيما في الطوارئ والتسيير والتنمية ولا يقتصر الفساد على باب الدعم فقط وإن الأمر يتطلب مكافحته ومحاربته بدون هوادة .
كما لا يروا إن البلاد تعيش ظروف إسثتنائية غير طبيعية وإن الحكومة ضعيفة جداً وغير مسيطرة و مؤهلة لإتخاد قرار كهذا كما إنهم لا يحملونها أي مسؤولية جراء تزايد أعمال التهريب و عد إتخادها الإجراءات القانونية الرادعة حيال المهربين فضلاً عن عدم ضبطها للحدود وفي عدم قيامها بجباية رسوم إستهلاك الكهرباء بما يكفل ضبط وترشيد إستهلاكها .
ويبدوا إنهم تناسوا حتى التجربة السيئة لرفع الدعم السلعي أو الغدائي منذ عام 2015 م حينما رفع الدعم دون صرف المقابل واليوم أسعار الغذاء أرتفعت بما يقارب %400 من أسعارها في ذلك العام ، بل يعتبروا إن المواطنين لديهم ثقافة إستهلاكية تمكنهم من توجيه المقابل النقدي للدعم لشراء الوقود فقط وليس لشراء أغراض أو توفير إحتياجات أخرى التي لها أو أول وليس لها أخر .
والمؤسف أيضاً إن مناصري فكرة رفع أو إستبدال الدعم لا نراهم أبضاً يتحدثون عن التداعيات السلبية بل الكارثية المحتملة لقرار كهذا على الأوضاع المعيشية للمواطنين وعلى المستوى العام للأسعار أي معدلات التضخم وتحذير المواطنين منها وأعتقد إننا رأينا جميعاً كيف أرتفعت مؤخراً معدلات التضخم في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول عدة إلى مستويات هي الأعلى منذ عقود كان لإرتفاع أسعار الوقود سبب رئيسي في ذلك ما أرهق القدرة ااشرائية لمواطنيها بعد أن أصبح أعداد كبيرة منهم قريبة من خط الفقر أو Poverty Line رغم إن متوسط دخل الفرد في تلك الدول يصنف بالجيد ولا يقارن بمنوسط دخل مواطنينا المتدنية .
كما إنهم يستندون في تبرير فكرتهم إلى أرقام وقيم غير دقيقة مبالغ فيها عن تكلفة الوقود( البنزين )، وحيث إن الوقود سلعة إستراتيجة أساسية لا يمكن لنا توقع حياة طبيعية بدونها فالطلب عليها عديم المرونة أي إن زيادة أسعارها وإلى حد معين لا يقلل من الطلب عليها كما إنها سلعة أساسية ووسيطة تدخل في تكلفة البضاعة المباعة وفي تكلفة السلع المنتجة أو المصنعة محلياً .
وعليه فإن رفع أو إستبدال دعم الوقود يعني لنا إرتفاع ملحوظ في تكلفة نقل وتسويق البضائع وإرتفاع لتكلفة خدمات نقل الركاب البري والبحري والجوي في بلد شاسع المساحة ومترامي الأطراف لا توجد به بنى تحتية من شبكات طرق وسكك حديدية ومطارات ووسائل نقل عام ومتوسط دخول مواطينها توصف بالضعيفة ، كما يعني لنا إرتفاع لتكلفة التشغيل والإنتاج للسلع أبرزها رغيف الخبز والخضروات والحبوب والوجبات التي تقدمها المقاهي والمطاعم وكذلك الخدمات الصحية والتعليمية و غيرها من سلع و خدمات وإرتفاع أكثر لتكلفة تشغيل المولدات الكهربائية لغرض الحصول على الكهرباء في ظل أزمة تدهور خدمات الكهرباء المزمنة وطرح الأحمال التي فاقمت معاناة المواطنين رغم المبالغ الكبيرة التي تخصص لها سنوياً .
والغريب أيضاً أنهم لم يتطرقوا إلى كم قيمة تقديرات المقابل النقدي المقرر دفعه للمواطنين وكم قيمته الإجمالية وأثره وداعياته الاقتصادية على الأسعار في ظل تزايد الإنفاق العام وشح السيولة وإرتفاع المعروض النقدي خارج المنظومة المصرفية وضعف القدرة الشرائية للمواطنين من جهة والتراجع الملحوظ في إيرادات البلاد جراء إنخفاض صادرات النفط والإنسداد السياسي وحالة عدم اليقين التي تغيم على المشهد بعد فشل الخارطة الأممية من جهة أخرى .
وهل هذا المقابل النقدي كافي لتعويض المواطنين وما هي أسس ومعايير تقديره ؟.
وهل الحكومة قادرة على تأمينه وضمان دفعه بإنتظام وبإستمرار في مواعيده ؟ .
وفي هذا الصدد يجب التذكير إن قيمة مخصصات دعم الوقود في الميزانية المعتمدة للعام الحالي 2022 م والمقدمة من قبل الحكومة الليبية تقدر ب 7.000 مليار دينار وبما يعادل 1.450 مليار دولار نصيب الفرد منها 930 دينار سنوياً وبما يقارب من 75 دينار شهرياً ( مرفق صورة ) و هذه القيمة يمكن ضبطها وتقليصها في حدود 20 إلى %25 وذلك إذا ما تم مراعاة الدقة عن تقدير تلك المخصصات فالفائض في تقديرات كميات الوقود عادةً ما يسيل لعاب المهربين ويفتح المجال أمامهم لتهريبه .
يشار إلى إن تلك المخصصات المقدرة ب 7.000 مليار دينار تقل بمقدار 3.000 مليار دينار وبما نسبته %30 عن إجمالي القيمة الفعلية لدعم الوقود عن العام 2021 م والتي ناهزت حينها من 10.000 مليار دينار وما يعادل 2.233 مليار دولار وفق لبيان صادر عن المركزي ( مرفق صورة ) .
كما إن البيانات الفعلية التي نشرتها حكومة الوحدة مؤخراً عن دعم الوقود تعزز هذه الفرضية فهي قريبة جداً من تقديرات الحكومة الليبية .
وفي الختام يجب التذكير إن الدولة عملياً لا تدعم الوقود فقط كما يعتقد الكثيرين بل تدعم الخدمات الصحية والتعليمية في كافة مراحلها إلى جانب الأمن والدفاع رغم سوء ورداءة تلك الخدمات بل الحكومة ترى اليوم إنها مطالبة حتى بدعم الزواج والحج .
لكن الرسالة التي يتوجب على الحكومات إستيعابها هي إنه لا يمكن إصلاح دعم الوقود ودخول أو مرتبات المواطنين ورفع قدراتهم الشرائية وغيرها من إصلاحات من خلال إجراءات تلفيقية منعزلة غير مدروسة تبررها ظروف وقتية وتحركها دوافع سياسية ولا تبررها أهداف وإعتبارات إقتصادية وفق خطط وإستراتيجيات وسياسات محددة منسقة ترتكز على حل سياسي شامل يرسئ الاستقرار في كافة ربوع البلاد ويوحد مؤسساتها ولإن المواطنين البسطاء فقط من سيكون ضحايا لتلك الإجراءات .