Skip to main content
"حبارات" يكتب: الاقتصاد الليبي إلى أين في ظل الظروف الرّاهنة؟
|

“حبارات” يكتب: الاقتصاد الليبي إلى أين في ظل الظروف الرّاهنة؟

كتب: الخبير الاقتصادي والمهتم بالشأن الاقتصادي “نور الدين حبارات “

قراءة تحليلية اقتصادية بالأرقام والمؤشرات من واقع بيانات رسمية:

يواجه الاقتصاد الليبي الهش اليوم تحديات وظروف غاية في التعقيد يبدو إنها الأولى من نوعها في تاريخه وذلك بسبب توقف إنتاج وتصدير النفط العمود الفقري والمحرك الرئيس له وهذا ما تبين من خلال بيانات المؤسسة الوطنية للنفط التي ذكرت أن الخسائر في إيرادات النفط منذ توقف الإنتاج في الثامن عشر من يناير الى نهاية فبراير بلغت 2.200 مليار دولار كما ان الفاقد في الإنتاج بلغ 40.200 مليون برميل يأتي ذلك بعد أن ساهمت الإيرادات النفطية في تمويل ما نسبته 70% من ميزانية 2019 كما ساهمت ايرادات ضريبة النقد الأجنبي المرتبطة به بما نسبته 24% في حين لم تتجاوز مساهمة الإيرادات السيادية من ضرائب وجمارك ورسوم خدمات وفوائض الشركات 7%.

وتعتبر الأزمة النفطية اليوم أكثر حدة من سابقتها التي أندلعت في منتصف 2013 فالظروف اليوم ليست بظروف الأمس فعند توقف تصدير النفط خلال عام 2013 كانت الأرقام والمؤشرات الإقتصادية أفضل بكثير مما هي عليه اليوم رغم إنها كانت في طريقها للتراجع نتيجة للسياسات الخاطئة والمتهورة من قبل الحكومات السابقة فالدين العام كان محدود جداً ولا يمثل شيء من الناتج المحلي للبلاد والعجز في الميزانية لا وجود له بل ان ميزانية 2012 التي تعتبر الأكبر في تاريخ البلاد حققت فائض قدره 8.092 مليار دينار عزز حينها أرصدة الإحتياطيات او الأموال المجنبة كما إن الإلتزامات المالية التي تتم بالمخالفة لا يمكن مقارنتها بما هي عليه اليوم.

ولكن الأهم من كل ذلك هو إحتياطي المركزي الذي ناهز من 110 مليار دولار أو أكثر في نهاية 2011 م والذي تزايد نتيجة الفائض في ميزان المدفوعات الذي تحقق مع نهاية 2012 والبالغ 12.432 مليار دولار تقريباً .

وفي المقابل ورغم الإنخفاض الواضح الذي طراء على إنتاج النفط خلال النصف الثاني من 2013م فإن قيمة الإيرادات النفطية ناهزت من 52.000 مليار دينار أي ما يعادل 40.665 مليار دولار مستفيدة بذلك من إرتفاع الأسعار التي تجاوزت عتبة 100 دولار للبرميل ونتبجة لذلك توسعت الحكومة(حكومة زيدان) في الإنفاق العام الذي تخطى حاجز 70 مليار دينار مسجلة بذلك عجز في الميزانية قدره 15.627 مليار دينار كما إن المركزي إستمر من جانبه في سياسته التوسعية في إستخدام النقد الأجنبي ولم يقم بفرض أي قيود عليه حيث بلغت قيمة الإستخدامات أو المدفوعات من النقد الأجنبي بمختلف انواعها إعتمادات مستندية للقطاعي الخاص والعام ، حوالات ، بطاقات فيزا ما قيمته 46.899 مليار دولار وما نسبته 115% من إيرادات النقد الأجنبي (ايرادات النفط) ليسجل ميزان المدفوعات عجز قدره 6.233 مليار دولار وهو الأول من نوعه ليبدأ الإحتياطي الأجنبي في التراجع ونتيجة لهذه السياسات التوسعية التي اتبعتها الحكومة والمركزي استقر التضخم عند معدلاته الطبيعية وتقلص معدلات البطالة شكليا عبر التوظيف الحكومي كما تماسك الدينار وحافظ على مكاسبه أو على قدرته الشرائية امام الدولار حيث استقر عند 1.35 دينار للدولار.

على الرغم من الانخفاض الكبير في الايرادات النفطية خلال العام 2014 والتي بلغت 19.976 مليار دينار تقريباً أي ما يعادل 15.624 مليار دولار والتي خسرت قرابة 62% من قيمتها في 2013 فإن الحكومة أنذاك أستمرت في سياستها التوسعية في الإنفاق الذي ناهز من 43.494 مليار دينار تقريباً مسجلة بذلك عجز قياسي في الميزانية يقدر ب22.320 مليار دينار مول معظمه من الإحتياطيات والأموال المجنبة التي خصصت اصلاً للأجيال القادمة ، ومن جانبه أستمر المركزي ايضاً في سياساته التوسعية في إستخدام النقد الأجنبي وبشكل أكبر ما كان عليه في 2013 حيث بلغت المدفوعات من النقد الأجنبي ما قيمته 38.953 مليار دولار وبما نسبته 150% من وارداته (الإيرادات النفطية) ليسجل ميزان المدفوعات عجز قياسي هو الأول من نوعه بلغت قيمته 23.388 مليار دولار و ليتفاقم على اثر ذلك الإنخفاض في الإحتياطي الأجنبي مع ملاحظة إن هذا العجز كان له اثر كبير ومباشر في تطبيع الاوضاع الإقتصادية حيث لم يستشعر او يلتمس عامة المواطنين اي بوادر للأزمة فالتضخم بقى عند معدلاته الطبيعية وكذلك الدينار استقرت قيمته عند 1.5 دينار للدولار في نهاية 2014.

في منتصف عام 2015 بدأت أعراض الأزمة الإقتصادية والمالية تتضح للجميع فالإيرادات العامة لهذا العام (2015) لم تتجاوز 16 مليار دينار تقريباً منها 10.540 مليار دينار فقط كإيرادات نفطية أي ما يعادل 7.608 مليار دولار في حين بلغ الإنفاق العام رغم انخفاضه عن العام 2014 ماقيته 36 مليار دينار تقريباً اي بعجز قدره 19.000 مليار دينار مول من قبل المركزي ولم يكن بامكان الحكومة تمويله (حكومة الإنقاد) وذلك بعد استنفاذها للإحتياطيات أو الأموال المجنبة خلال العامين 2013 و 2014 ومن جانبه شدد المركزي القيود على استخدامات النقد الأجنبي نتيجة لإنخفاض حصيلة البلاد من العملات الأجنبية فالمدفوعات الدولارية بلغت 20.931 مليار دولار في حين بلغت الواردات منها (ايرادات النفط) ما قيمته 7.608 مليار دولار ليظهر ميزان المدفوعات عجزا للمرة الثالثة على التوالي قيمته 13.323 مليار دولار وليستمر التراجع في الإحتاطي الأجنبي ونتيجة لذلك ازداد الطلب على الدولار وبدأت أسعار السلع والخدمات في الإرتفاع وخسر الدينار قرابة 100% من قيمته التي تراوحت في نهاية 2015 بين 3 و 3.10 دينار للدولار.

خلال العام 2016 ازدادت الأوضاع سوءاً وتفاقمت المعاناة رغم إن هذا العام شهد في مطلعه مجيء الرئاسي واستئناف تصدير النفط في أواخره فالإيرادات العامة هوت الي 6.119 مليار دينار وبما يعادل 4,781 مليار دولار وذلك بسبب التدهور في الأسعار، والإنفاق العام تراجع لكنه بقى عند مستويات مرتفعة حيث ناهز من 29.522 مليار دينار يرافقه عجز في الميزانية قدره 21 مليار دينار ليتراكم على اثره الدين العام وبالتزامن شدد المركزي القيود اكثر على استخدامات النقد الأجنبي فالمدفوعات الدولارية لم تتجاوز 12.549 مليار دولار تقريبا في الواردات منها (الإيرادات النفطية) بلغت 4.781 مليار دولار أي بعجز في ميزان المدفوعات قدره 7.767 مليار دولار ونتيجة لذلك أرتفعت الأسعار بشكل جنوني وكذلك معدلات التضخم وتفاقمت ازمة السيولة و أنهار الدينار اما الدولار الذي هوى إلى حاجز 9 بل 10 دينار للدولار.

في العام 2017 م أستمرت المعاناة و لو بوتيرة أقل نظرا للتعافي الذي طراء على أسعار النفط نتيجة للسياسات التي اعتمدتها الأوبك بشأن خفض الإنتاج لدعم الأسعار أو ما يعرف بنظام الحصص و الذي أسثتنيت ليبيا منه ، و رغم إن الإنتاج النفطي لم يصل إلى نصف معدلاته ما قبل تموز يوليو 2013 م فإن الإيرادات العامة بلغت 21.915 مليار دينار منها 19،000 مليار دينار إيرادات نفطية أي ما يعادل 13،982 مليار دولار في حين بلغ الإنفاق العام 32،965 مليار دينار تقريبا و بعجز قدره 10،732 مليار دينار مول بالكامل من قبل المركزي الذي أستمر بدوره في تشديد القيود على إستخدامات النقد الاجنبي ، فالمدفوعات الدولارية بلغت 13،419 مليار دولار تقريبا في حين بلغت الواردات منها ( الإيرادات النفطية) 13،983 مليار دولار ليسجل ميزان المدفوعات و بعد سنوات فائض قدره 562 مليون دولار مع الإشارة إلى إن المدفوعات الدولارية تضمنت مبلغ 2،800 مليار دولار مستحقات لأرباب الأسر بمعدل 400 دولار للفرد حيث ساهمت هذه المستحقات في تخفيف جزئي للمعاناة خاصة فيما يتعلق بالسيولة في حين بقى التظخم تقريبا عند معدلاته في 2016م و تراوح سعر الدينار بين 7 إلى 8 دينار للدولار .

العام 2018م استمر تقريبا على نسق 2017 م و لكن التحسن التدريجي لإنتاج النفط و ارتفاع أسعاره التي فاقت حاجز 80 دولار للبرميل في تشرين الأول اكتوبر (2018) ساهم بشكل كبير في إرتفاع قيمة الإيرادات العامة التي قاربت من 36 مليار دينار منها 33،500 مليار دينار ايرادات نفطية أي ما يعادل 24.549 مليار دولار تقريبا ، و لكن و في المقابل أرتفع الإنفاق العام ليناهز من 42،500 مليار دينار يرافقه عجز في بقيمة 4،600 مليار دينار و هو الأدنى منذ سنوات و من جانبه و في الربع الأخير من العام تخلى المركزي عن القيود المفروضة على إستخدامات النقد الأجنبي و ذلك بعد إقرار ما يعرف حينها ببرنامج الإصلاح الإقتصادي حيث بلغت المدفوعات الدولارية ما قيمته 19،131 مليار دولار في حين بلغت الواردات منها (الإيرادات النفطية) ما قيمته 24،549 مليار دولار محقق بذلك فائض في ميزان المدفوعات قدره 5،481 مليار دولار مع ملاحظة إن المدفوعات الدولارية تضمنت مبلغ 3،723 مليار دولار مستحقات لأرباب الأسر بمعدل 500 دولار للفرد و مبلغ 3،440 مليار دولار قيمة اعتمادات مستندية و حولات شخصية تمت بموجب الضريبة على النقد الاجنبي التي بلغت حصيلتها قرابة 13،200 مليار دينار ، و نتيجة لذلك انخفضت معدلات التظخم مقارنة بما كانت عليه في 2017 م في حين تعتبر مرتفعة قياسا بمتوسط مرتبات و دخول المواطنين كما تراوح سعر الدينار بين بين 5 إلى 4،5 دينار للدولار مقارنة ب 6 إلى 6،5 دينار للدولار قبل إقرار البرنامج .

أما العام 2019 م لن نخوض في تفاصيل بياناته و مؤشراته و لكن سنتطرق له من زاوية إن هذا العام (2019) م يمثل تقييم و إختبار حقيقي لما يعرف ببرنامج الإصلاح الإقتصادي و الذي سوق له عند إقراره على إنه رزنامة من السياسات و التدابير الاقتصادية تهدف إلى إزالة أو إصلاح التشوهات و الإختلالات بالمالية العامة لتنكشف اليوم حقيقة هذا البرنامج و بما لا يدع مجال للشك على إنه

ضريبة مجحفة (ضريبة المبيعات عل النقد الاجنبي) فرضت على كافة المواطنين دون إسثتناء بما فيهم اصحاب المعاشات الأساسية بإعتبار البلاد تستورد كافة احتياجاتها من الخارج و إن المواطنين هم من يدفعونها بطريقة غير مباشرة .

وسيلة أخيرة لتمويل العجز في الميزانية و ذلك بعد أن تراكمت الديون على الحكومة و أضحت الإيرادات النفطية و في أفضل أحوالها غير كافية لتمويل الإنفاق العام المتنامي جراء الإسراف و الهدر في المال العام ، فهذه الضريبة أستخدمت في تمويل العجز في 2019 م البالغ أكثر من 10 مليار دينار و لم تستخدم في إطفاء الدين العام و تحقيق التنمية كم حدد لها .

هذه الضريبة أدت إلى إضعاف القدرة الشرائية للدينار و لمرتبات و دخول المواطنين في المتوسط مما جعل المطالب بزيادتها مبررة و مشروعة و تحقيق هذه المطالب اليوم اصبح و للأسف غاية في الصعوبة فزيادة مبلغ 500 دينار لعدد 1500000 موظف يتطلب زيادة سنوية قدرها 9 مليار دينار كيف و من أين ؟؟؟

هذه الضريبة ما هي إلا استنزاف لمدخرات المواطنين بعد أن دفعوا قرابة 36 مليار دينار خلال عام و أربعة أشهر دون أن تقدم لهم في مقابل ذلك أي خدمات بل تدهورت.

هذه الضريبة أو البرنامج أدى إلى إستنزاف إحتياطي البلاد من النقد الأجنبي فالعجز في ميزان المدفوعات أصبح مزمن و مستحقات أرباب الأسر اليوم تقدر ب 10،500 مليار دولار ناهيك عن الإلتزامات الأخرى ، كما إن هذه الضريبة ثبت بالدليل على إنها وسيلة فاشلة لمعالجة أزمة السيولة .عليه و باء على ما تقدم و من خلال السرد و التحليل للأرقام و المؤشرات الإقتصادية عن السنوات الماضية يتضح لنا إن النفط هو العمود الفقر للإقتصاد الليبي و محركه الرئيس و إن احتياطي المركزي هو خط دفاعه الأخير و المتقد له و إن بيان المؤسسة بإن الفاقد في الإنتاج يقدر ب 40 مليون خلال أربعين يوم يعني إن الإنتاج النفطي في أدنى مستوياته و قد يقترب من الصفر و هذا بالتأكيد سيؤدي إلى انخفاض كبير في الناتج المحلي و تفاقم العجوزات في الميزانية و ميزان المدفوعات و تفاقم للدين العام و أزمة السيولةو إنهيار الدينار و إرتفاع كبير في معدلات التطخم و البطالة و تدهور للخدمات الأساسية كما إن اليوم الأزمة النفطية لم تعد محلية بل جزء من الصراع السياسي و أحد أهم مساراته الثلات و ذلك في إطار ما بات يعرف بالتوزيع العادل للثروات أي إن حل الأزمة النفطية مرهون بالحل السياسي كما إن اليوم هامش المناورة للمركزي ضيق و ليس كما كان في السابق و لا أحد يعلم إلى متى هذه الأزمة ستستمر و من تمة فإن لا يوجد إلا خيار واحد أم الساسة و الفرقاء الليبيين إلا الإسراع في إنها حالة الإنقسام و الانسداد السياسي عبر الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة أو عبر حوار ليبي ليبي يضع حل جدري لهذا الصراع و عليهم أن يضعوا مصلحة الوطن قبل مصالحهم الشخصية الضيقة و عليهم أن يستفيدوا من الكلمات الشهيرة لزعيم مسلمي البوسنة الراحل علي عزت جيبوفيتش عندما قال (إتفاق ناقص أفضل من إستمرار الحرب ) و ذلك عقب توقيع إتفاق دايتوان للسلام في العام 1995 م الذي وضع حد و نهاية لحرب البلقان و الذي تم بوساطة و رعاية مباشرة من الولايات المتحدة و بتوجيه مباشر من التعلب و الداهية بيل كلينتون أحد أبرز رؤسائهم.

مشاركة الخبر