كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً
الركود التضخمي الذي تشهده البلاد هذه الفترة والذي تتمثل أعراضه في تكدس السلع وإرتفاع أسعارها مع تراجع الطلب ما أدى إلى تأكل القدرة الشرائية لمرتبات ودخول المواطنين وتناقص مدخراتهم بشكل كبير ، كما أثر هذا الركود سلباً على أصحاب المحال والأنشطة التجارية والخدمية والصناعية حيث تقلصت مبيعاتهم وإيراداتهم بشكل كبير إلى درجة أن أصبح معظم غير قادر على دفع المصاريف أو التكاليف الثابتة Fixed Costs المتمثلة في قيمة الإيجار الشهري ومرتبات أو أجور العاملين .
أسباب ذلك وللأسف كانت واضحة وجلية لعل أبرزها .
1- تخفيض قيمة الدينار الليبي رسمياً عند 4.48 دينار للدولار .
2- إرتفاع الإنفاق الحكومي خلال العام 2021 م إلى ما يقارب من 86.500 مليار دينار وبزيادة تصل إلى ما يقارب من 50 مليار دينار عن حجمه في 2020 م و بزيادة قدرها 41.000 مليار دينار عن حجمه في 2019 الذي سجل إجماليه في ذلك العام قرابة 46.000 مليار دينار .
حيث بررت حكومة الوحدة هذا الارتفاع أنذاك لإرتفاع سعر الدولار عند ذلك السعر .
3- إرتفاع تكلفة الشحن العالمي خاصة مع أرتفاع اسعار الوقود .
4 – إرتفاع أسعار الغذاء العالمي خلال الأونة الأخيرة مع إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتعطل الإمدادات رغم إنه يتوقع أن تشهد أسعار الغداء خلال الفترة القادمة إنخفاض بعد إتفاق التصدير الذي تم مؤخراً بين البلدين برعاية تركية أممية .
5- شح السيولة .
6- إرتفاع إنفاق الأسر والعائلات خلال مناسبات شهر رمضان والأعياد والعام الدراسي الذي أرهق كاهلهم .
وحيث إن إرتفاع الإنفاق العام على كافة أبواب الميزانية يعني لنا زيادة في دخول المواطنين ما يعني زيادة إنفاقهم وإستهلاكهم للسلع ً الخدمات .
فمثلاً إرتفاع بند المرتبات من 24.000 مليار دينار خلال العام 2020 م إلى 33.000 مليار دينار خلال العام 2021 م تعني زيادة مباشرة لدخول العاملين بالقطاع العام بمقدار 10.000 مليار دينار وهذا بالتأكيد أدى إلى زيادة طلبهم وإنفاقهم على السلع والخدمات بشكل أكبر عن ما كان عليه خلال السنوات السابقة .
كما إن إرتفاع نفقات الباب التاني أو المشتريات الحكومية من 4.000 مليار دينار خلال العام 2021 م إلى 8.000 مليار دينار خلال العام 2021 م أدى إلى زيادة مباشرة لدخول التجار والموردين ومن ثمة سيؤدي ذلك إلى زيادة إنفاقهم على السلع والخدمات .
والحال نفسه فيما بخص باب التنمية الذي تزايد من 1.500 مليار دينار خلال العام 2020 م إلى 17،400 مليار دينار خلال العام 2021 م وهذه الزيادة يفترض أن تؤدي أيضاً إلى زيادة دخول شركات المقاولات والبناء والعاملين بها وهذا أيضاً سيؤدي إلى زيادة إنفاقهم على السلع والخدمات ، وكذلك الأمر فيما يخص نفقات الدعم الذي تزايدات من 6.600 مليار دينار خلال العام 2020 م إلى 20.800 مليار دينار خلال العام 2022 م ، بالطبع دون أغفال تأثير نفقات باب الطوارئ التي ناهزت من 6.500 مليار دينار خلال العام 2021 م .
للأسف الكثير من المواطنين لم يكن يدركون الأثار السلبية لإتفاق بهذا الحجم على الإقتصاد وعلى أوضاعهم المعيشية بما فيها الحكومة التي أكدت مراراً وتكراراً العام الماضي عند تقدمها بمشروع الميزانية للعام 2021 م إن مبررات زيادة الإنفاق الذي قدرته حينها ب 93.000 مليار دينار تكمن حصراً في إرتفاع سعر الدولار عند 4.48 بدلاً من 1.40 الذي سيترتب عليه زيادة تكلفة نفقاتها .
لكن للأسف الحكومة يبدو إنها نست أو تناست إن الزيادة في الإنفاق العام الفعلي خلال العام 2021 م والمقدرة ب 50.000 مليار دينار سيدفعها كافة المواطنين البسطاء بما فيهم اصحاب المعاشات الأساسية من خلال الزيادة في سعر الصرف بإعتبار البلاد تستور تقريباً كافة احتياجاتها من الخارج .
فالحكومة خلال العام 2021 م لم تحقق أي دخل حقيقي Real Income لا من زيادة إنتاج النفط ولا من زيادة الصرائبً الجمارك وفوائض الشركات العامة وغيرها ) ولا حتى من القروض ولا من خلال السحب من الإحتياطيات .
بل حققت وللاسف دخل وهمي أًو ما يعرف ب Fake Income قيمته 103.000 مليار دينار يمثل قيمة مبيعات نفطية بمبلغ 22.300 مليار دولار فقط .
أي 22.300 دولار * 4.48 دينار = 99،400 مليار دينار ..
هذا المبلغ يمثل مبيعات النقد الأجنبي لكافة الأغراض خلال العام 2021 م .
الخلاصة ما حدث هو إن المواطنين خلال العام 2021 م تأكلت دخولهم في ظل إرتفاع الأسعار ما أضطرهم لإستخدام مدخراتهم التي بدأت تتناقص تدريجباً إلى أن أستنفذ معظمها بشكل شبه كامل خلال العام الحالي ولم يعد بإمكانهم زيادة إنفاقهم وطلبهم على السلع و الخدمات .
فلو أفترضنا جدلاً إن مرتب 2000 دينار كان يكفي لسد إجنباجاتهم لفترة شهر خلال السنوات السابقة فإن اليوم مبلغ كهذا لا يكفي حاجتهم لأسبوعين ومن ثم لجوؤهم إلى مدخراتهم التي تناقصت كثيراً أمر غير ذي جدوى ما يعني عزوفهم على الطلب والشراء لغرض الإنفاق وهذا ما نراه اليوم .
لكن في الختام الرسالة التي يستوجب على الحكومة إستبعابها هي إن تمويل الميزانية العامة من خلال سعر الصرف أي عبر مبيعات النقد الأجنبي إجراء خاطئ و تداعياتيه سيئة وقاسية على الاقتصاد وعلى الأوضاع المعيشية للمواطنين بل يجب عليها أن تشتغل وتحترق لخلق إيرادات ودخل حقيقي لا أن تستنفد مدخرات المواطنين البسطاء وتدعي تحقيقها لإيرادات كبيرة .