كتب الخبير الاقتصادي “نور الدين حبارات” مقالةً بعنوان: ثمانية أسباب رئيسية تقف عائق أمام تخفيض سعر الدولار (قراءة تحلية توضيحية).
مفتتحاً بالقول:”يأمل جميع المواطنين تقريباً في هذه الأونة بأن يقدم المركزي على إتخاذ قرار بتخفيض سعر الدولار عند سعر 3.5 إلى 4 دينار للدولار كحد أدنى و يراودهم أمل كبير في ذلك حيث يروا أنّ الظروف ملائمة لإتخاد قرار في هذا الشأن.
و يعزوا ذلك إلى إنتعاش الإيرادات النفطية مصدر البلاد الوحيد للنقد الأجنبي التي استقرت فوق حاجز 100 دولار للبرميل للشهر الرابع على التوالي و بزيادة تصل إلى ما نسبته %40 عن مستوياتها في العام 2021 هذا من جانب، و من جانب آخر إرتفاع معدلات التضخم جرّاء موجة الغلاء في الأسعار التي أرهقت كاهلهم لاسيما في أسعار السلع و الخدمات الأساسية أبرزها الغذاء والدواء والخدمات الصحية، حيث يروا بأنّ قرار المركزي رقم (1) لسنة 2020 بشأن بتخفيض الدينار رسمياً عند 4.48 سبب مباشر في ذلك.
وصراحةً مطالب المواطنين محقة ومشروعة ولها ما يبررها من حيث المبدأ، لكن إقتصادياً وعملياً يبدو الأمر صعب أو مُعقّد، فأسباب و مبررات تخفيض قيمة الدينار التي استند عليها المركزي آنذاك بموجب القرار المذكور أعلاه لازالت قائمة، ناهيك عن حالة عدم اليقين التي لازالت تخيّم على المشهد السياسي بعد فشل الخارطة الأمُميّة للحل السياسي و تعذر إجراء الإنتخابات في الموعد الذي كان مقرر لها سلفاً.”
ان هذا وتنحصر أهم تلك الأسباب و المبرّرات في الآتي:
1- لم تظهر أي زيادة ملحوظة في حجم الاحتياطي الأجنبي بعد مضي قرابة عامٍ و نصف من سريان العمل بالقرار، فميزان المدفوعات في نهاية العام 2021 أظهر عجز فعلي قيمته 7.658 مليار دولار تم تغطيته من خلال قيمة الايرادات النفطية المُجمّد عن العام 2020، وقيمة الضرائب و الأتاوات المتأخّرة مع ملاحظة أنّ القرار المذكور خفّف العبء كثيراً على حجم الإحتياطي الأجنبي.
2- مبيعات النقد الأجنبي على سعر الصرف عند 4.48 دينار للدولار أصبحت وسيلة الحكومة الوحيدة تقريباً في تمويل ميزانيها، فعلى سبيل المثال عند حصول الحكومة على إيرادات نفطية بقيمة 20 مليار دولار فإن بيع هذه القيمة من قبل المركزي في شكل إعتمادات مستندية، أغراض شخصية، مصروفات حكومية يعني حصول الحكومة على إيرادات بقيمة 90 مليار دينار تقريباً، ومن ثمّة تخفيض سعر الصرف عند 3.5 دينار يعني خسارة الحكومة لإيرادات بقيمة 10 مليار دينار، و تخفيضه عند 4 دينار يعني خسارتها لخمسة مليار دينار و هكذا.
3- المركزي له مصلحة في سعر 4.48 في إطفاء الدين العام عبر إعادة تقييم أصوله طبقاً لأحكام المادة 37 من قانون المصارف.
فلو افترضنا جدلاً إن إحتياطيات المركزي تقدر بــِ 50 مليار دولار فإن قيمة هذه الإحتياطيات وفق لسعر 4،48 تُقدّر بـِ222،5 مليار دينار في حين تُقدّر بـِ 70 مليار دينار على سعر 1.40 دينار للدولار و الفارق بينهما المُقدّر بـِ 152.5 مليار دينار يُخصّص لإطفاء الديْن العام المصرفي الذي يُقدّر إجماليه بـِ 153 مليار دينار.
و مِن ثمَّة تخفيض سعر الصرف عند 3.5 يعني أنّ المركزي بحاجة إلى 10 مليار دينار لإستيفاء ديْنه، وتخفيضه عند 4 يعني أنّ المركزي بحاجة إلى 5 مليار دينار.
4- المركزي له أيضاً مصلحة في سعر 4.48 في التخفيف من أزمة السيولة فمبيعات النقد الأجنبي وسيلته الوحيدة في تعاطيه مع هذه الأزمة.
فلو افترضنا مبيعات النقد الأجنبي لغرض الإعتمادات المستندية و الحوالات الشخصية تقدر بِـ 15 مليار دولار فإنّ قيمة هذه المبيعات على سعر 4.48 تُقدّر بـِ 67.200 مليار دينار و لو افترضنا أنّ ما نسبته %50 من هذه المبيعات تم كاش أي نقداً فإنّ المركزي سيتحصل على ما قيمته 33.500 مليار دينار؛ في حين على سعر 3.5 يخسر مبيعات نقدية بقيمة 3.500 مليار دينار وعلى سعر 4 دينار يخسر المركزي مبيعات بقيمة 1.759 مليار دينار، وبالتأكيد مبالغ كهذه من شأنها أن تؤثر سلباً على خطط المركزي في التعاطي مع السيولة.
5- الطفرة في الإيرادات النفطية ظرفيّة أغلبها بسبب التوترات و التطورات الجيوسياسية في أوروبا جرّاءَ الحرب الروسية الأوكرانية و العقوبات الغربيّة على روسيا أحد أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، و لم تكن نتيجة لخطط وإستراتيجيات حكومية ناجعة كزيادة في معدلات الإنتاج مثلاً، ومِن ثمّة قد تتراجع أسعار النفط في حال ما توصلت أطراف الحرب إلى إتفاق سلام لوقف إطلاق النار ورفع العقوبات، و قد تستمر الحرب ويتمكن الأوربيُّون من تقليل إعتمادهم تدريجياً على النفط الروسي عبر إيجاد موّردين جدد أو مصادر بديلة للنفط كالطاقة النظيفة وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى تخمة في المعروض وتراجع الأسعار؛ ناهيك عن إحتمالية تباطؤ الإقتصاد العالمي جراء إحتمالية تباطؤ الإقتصاد الصيني أحد أكبر الدول المستهلكة للنفط.
6- الحكومة وإستناداً على قرار المركزي المذكور أعلاه بشأن تخفيض سعر الصرف رفعت من وتيرة الإنفاق العام على مختلف أبواب الميزانية حيث رفعت المرتبات لقطاعات عدة بهدف دعم القدرة الشرائية المواطنين و في طريقها لزيادة مرتبات قطاعات و جهات أُخرى و هذه الزيادات أصبحت حقوق مشروعة و مكتسبة لأصحابها.
ومن ثمّة أيّة تخفيض في سعر الدولار يُفهم منه مساس بمرتبات تلك القطاعات، وهذا غير ممكن لإنّ ذلك سيزيد من الطلب أكبر على الدولار.
7- رفع الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة بمقدار خمسون نقطة أي ما يعادل نصف في المئة أدّى إلى ارتفاع طفيف في سعر الدولار الرسمي؛ لكنّ هذا الإرتفاع سيتزايد في حال ما أقدم الفيدرالي على مزيد من الرفع لسعر الفائدة فلأول مرة و منذ أكثر من عقدين يتساوى تقريباً سعر الدولار مع اليورو في الأسواق العالمية.
8- حالة الإنسداد السياسي و عدم اليقين التي تخيّم على المشهدً و التي أدّت إلى عودة الانقسام السياسي و المؤسسي و التنازع على الشرعية و ما ترتّب عنه من تعطل لإنتاج النفط و إيقاف التصدير و تجميد إيراداته ما يجعل معه المركزي عاجز عن القيام بأي مساعي لإصلاح سعر الصرف.
خِتاماً كتب “حبارات”: “ورغم كل ذلك تبقى المساعي و الجهود لإصلاح سعر صرف الدولارً دعم الدينار ممكنة و ذلك في إطار خطط و سياسات منسقة و متناغمة بين الحكومة و المركزي، شريطة أن ترتكز على حل سياسي شامل دائم ينهي الإنقسام و يوحّد المؤسسات و يحقّق الأمن و يرسي الإستقرار في كافة ربوع البلد”.