كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً
اقتصادياً يمكن تعريف الدولة المفلسة أو Bankrupt State بأنها تلك الدولة التي تعجز عن سداد ديونها أو الوفاء بإلتزاماتها المالية الأخرى كعدم قدرتها على دفع ما تستورده من الخارج من سلع وبضائع، بالإضافة إلى عدم قدرتها على دفع مرتبات العاملين بالقطاع العام وفاتورة دعم السلع الأساسية كالوقود والأدوية والحبوب وهي أيضاً الدولة التي لاتستطيع تسيير أمورها دون المساعدة من الغير .
واليوم لبنان يسري عليها التعريف المذكور وذلك بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عصفت بها والأسواء منذ إستقلالها، وذلك جراء إنهيار الليرة وهبوطها الحاد إلى قرابة 31000 ليرة لكل دولار وإرتفع دينها العام إلى ما يعادل نسبته %150 من الناتج المحلي الإجمالي معظمه ديون خارجية فضلاً عن إرتفاع معدلات التضخم وتراجع تحويلات العاملين بالخارج وتوقف الدعم السعودي والخليجي وذلك بعد فوز حزب الله حليف إيران وحلفاءه بإنتخابات عام 2018 م .
على المدى المنظور أو حتى المتوسط يمكن القول إن ليبيا تبدو بعيدة عن شبح الإفلاس بحكم لديها مورد طبيعي مهم وهبه الله سبحانه وتعالى لشعبها كالنفط والغاز رغم محدودية هذا المورد حالياً في ظل توسع الإنفاق العام ، فعائداتهما يكفيها للإيفاء بإلتزاماتها المالية ودفع مرتبات العاملين بالقطاع العام والمعاشات الأساسية والضمانية، وكذلك في توفير معظم إحتياجاتها الخارجية وتستطيع أن تسير شؤونها وأمورها دون حاجاتها لمساعدة الأخرين ( حكومات أو مؤسسات أو مالية دولية ) .
وتقارير وبيانات المركزي الشهرية والمتعلقة بالإنفاق والايراد وبإستخدامات النقد الأجنبي تعزز هذه الفرضية .
لكن هذا لا يعني إن ليبيا على هذا النحو قادرة على الإستثمار في التنمية وسداد أقساط الدين العام المصرفي المحلي والإستثمار في صناديق الثروة السيادية لتنويع مصادر دخلها وتكوين إحتياطيات مالية لأجيالها المستقبلية .
فالتجربة التي مرت بها ليبيا على مدار السنوات العشر الماضية أثبتت بالدليل القاطع إن كافة الحكومات السابقة والمتعاقبة لم تعد تعير أي أهمية لمسألة إستهلاك أو سداد اقساط الدين العام المصرفي للحد من تفاقمه والذي تجاوز حاجز 154مليار دينار ولا الإلتزامات المالية المتراكمة التي خلفتها تلك الحكومات بالمخالفة على مدى تلك السنوات، كما لم تعير أي إهمية لحساب الإحتياطي العام ( المجنب ) يل أستنفذت أرصدته المتبقية والتي كانت تقدر ب 30 مليار دينار مطلع 2012 م في تغطية العجوزات في الميزانية بسبب توسعها غير المبرر في الإنفاق العام .
على المدى الطويل أي ما بعد خمس سنوات فما فوق من الممكن جداً أن تتعرض ليبيا لشبح الإفلاس و ذلك في حال ما أستمرت الأوضاع القائمة على ما هو عليه أي التشظي والإنقسام المؤسسي وإستفحال الفساد وسوء الإدارة والتعطل المتكرر لإمدادات النفط وغياب هيبة الدولة وسيادة القانون .
حينها قد تجد ( الدولة ) نفسها غير قادرة على دفع مرتبات العاملين بالقطاع الحكومي وتوفير إحتياجاتها من سلع وخدمات اساسية وبحاجة لمساعدة الأخرين في شكل قروض أو مساعدات .
وصراحةً هناك الكثيرين من يعتقد إن إفلاس الدولة يتضرر منه العاملين بمؤسساتها فقط وذلك في عدم قدرتها على دفع مرتباتهم لكن الحقيقة إن الضرر سيطال الكل بما فيهم العاملين بالقطاع الخاص وحتى رجال الأعمال .
فالإنفاق العام أو الحكومي هو المحرك الرئيس للإقتصاد خاصةً في بلد أصبح فيه هذا الانفاق يناهز من 100 مليار دينار سنوياً ما قرابته %70 يخصص للمرتبات والدعم ومن ثمة عدم قدرة الدوله على سداد هذه النفقات تحديداً يعني إنزلاق الإقتصاد في ركود تضخمي أو Stagflation جراء تراجع الطلب فضلاً عن إنهيار قيمة العملة وتفاقم أكثر لأزمة السيولة وارتفاع لمعدلات البطالة وتزايد الخسائر لشركات القطاع العام والخاص .
فحينها يستنزف القطاع الخاص ورجال الأعمال مدخراتهم ويخسروا ودائعهم المصرفية و تتأكل القيمة السوقية لأصولهم جراء إنهيار العملة المحلية .
وفي الختام فإن ما دعاني للتطرق لهذا الموضوع المهم هو مدى خطورته وقساوة تداعياته واثاره على إقتصاد البلد المنهك وبهدف إرسال إشارة واضحة للسياسيين بمثابة جرس أنذار وناقوس خطر وذلك بأن يتقوا الله في هذا الشعب و أن يضعوا حد لخزعبلاتهم وممحاكاتهم التي لا نهاية لها و أن يضعوا حد لخلافاتهم السياسية ويغلبوا مصلحة الشعب عن مصالحهم الشخصية فالسياسة تعني تحقيق مصلحة الوطن لا المصالح الشخصية .