Skip to main content
حبارات يكتب: ما المقصود بالعقلية الاقتصادية وهل تؤمن بها حكوماتنا؟
|

حبارات يكتب: ما المقصود بالعقلية الاقتصادية وهل تؤمن بها حكوماتنا؟

كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً

العمل بعقلية اقتصادية هو إن الحكومة أو المؤسسة ترتكز في عملها وأدائها لمهامها على التخطيط والإدارة Management and Planning وذلك بما يضمن إستغلالها الأمثل للموارد بكفاءة واقتصاد وفعالية وبما يضمن تحقيق الأهداف الموضوعة والمرسومة مسبقاً أخذة في ذلك كل العوامل والبدائل بما فيها تكلفة الفرصة الضائعة Cost opportunity ومن ثم إجرائها لتقييم موضوعي للتأكد من مدى تحقيق لتلك الأهداف من عدمها والوقوف على أسباب ومبررات ذلك .

فإذا كانت العقلية المحاسبية ترتكز فقط على كل ما يقيد في الدفاتر والسجلات المحاسبية، فإن العقلية الاقتصادية عكس ذلك تماماً فهي تأخد في الإعتبار خيارات وبدائل الإستخدام الأمثل للموارد المالية .

وللتوضيح ، لو أفترضنا إن شخص ما يمتلك محل تجاري ويشتغل فيه ويدر عليه دخل شهري بمبلغ قدره 5000 دينار .

فإنه محاسبياً أي وفق ما تظهره السجلات والدفاتر المحاسبية التي يمسكها هذا الشخص سنجد بالفعل دخله 5000 دينار .

لكن اقتصادياً فإن الأمر عكس ذلك تماماً فهذا الشخص ربما يكون قد خسر الكثير حيث كان بإمكانه نأجير هذا المحل بمبلغ 5000 دينار وفي الوقت نفسه كان إيضاً بإمكانه العمل في أي مجال أخر وحصوله على دخل إضافي قد يكون أقل أو يضاهي قيمة الإيجار أو يفوقه خاصةً إذا كان يمتلك خبرات في مجالات معينة .

وبالعودة لمحور موضوعنا نجد إن حكومة الوحدة أعلنت في وقت سابق أنها أنفقت قرابة 86 مليار دينار خلال العام 2021 م وأكدت أنداك إن هذا الإنفاق هو الأقل منذ سنة 2012 م .

فمحاسبياً ما أنفقته الحكومة صحيح وهذا ما تظهره سجلاتها ودفاترها المحاسبية حيث إذا أطلعنا على تلك السجلات سنجد الأتي .
المرتبات بقيمة 33000 مليار دينار
الباب التاني بقيمة 8000 مليار دينار
باب التنمية بقيمة 17.000 مليار دينار
باب الدعم 20.800 مليار دينار
باب الطوارئ. 6.500 مليار دينار
الإجمالي. 85.300 مليار دينار .

لكن اقتصادياً فالأمر مختلف وكارثي بإمتياز .
فإنفاق ضخم بذلك المبلغ لم يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي للبلاد وزيادة معدلات النمو الاقتصادي ولم يحقق أي تنمية وخلق وظائف حقيقية ولم يؤدي إلى تحسين ميزان المدفوعات وزيادة إحتياطي البلاد من العملات الأجنبية عبر دعم الصادرات كما لم يؤدي إلى مساهمة فاعلة للقطاع الخاص .

والأدهى والأنكى من ذلك إن إنفاق بذلك الحجم لم يساهم ولو بالقليل في زيادة الإيرادات السيادية من ضرائب وجمارك وفوائض شركات عامة رغم إن الإنفاق العام بكافة أبوابه في حقيقته هو دخول مباشرة للمواطنين .

والصدمة هي إن اقتصادياً قيمة الإنفاق العام خلال العام 2021 م ليس ب 86 مليار، كما تعتقد الحكومة بل بقيم مضاعفة .

فمثلاً فيمة المرتبات البالغة 33.00 مليار دينار صحيح هي دخول مباشرة للعاملين بالقطاع العام ولكن عند إنفاقهم لها بعد إستقطاع جزء منها كمدخرات تتحول دخول مباشرة لأصحاب محال التجزئة لبيع السلع الغدائية والمنزلية ومواد البناء وغيرها .

ودخول محال التجزئة ستتحول دخول إلى محال الجملة ثم تتحول إلى دخول إلى محال جملة الجملة و هكذا .

وفي الختام فإن عدم إنتهاج الحكومة للعقلية الاقتصادية أدى إلى تحول إنفاق بذلك الحجم إلى عبء كبير على الاقتصاد الوطني وعلى الأوضاع المعيشية للموطنبن ، حيث فاقم من معدلات التضخم والبطالة والضغوطات أكثر على ميزان المدفوعات وعلى خزينة الدولة المثقلة بالديون أصلاً و كرس الإتكالية عبر الإعتماد المفرط على النفط وأهدر ثروات وإحتياطيات الأجيال القادمة .

يبدو بالفعل بإن الطريق أمام حكوماتنا للعمل بالعقلية الاقتصادية طويل وشاق ونحتاج لعقود من الزمن لبلوغه .

مشاركة الخبر