كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً
الاقتصاد الليبي وكما هو معروف يعاني ومنذ عقود العديد من الإختلالات والتشوهات أو ما يعرف ب Distortions and Imbalances غير إن هذه التشوهات والإختلالات تفاقمت وتسارعت وتيرتها بشكلٍ ملحوظ خلال السنوات الماضية وذلك لعدم إمتلاك الحكومات السابقة والمتعاقبة لأي رؤى وإستراتيجيات للتعاطي معها عبر معالجتها والحد منها وذلك بعد أن أصبحت السياسة المتبعة من قبل تلك الحكومات ما يعرف بالليبي ( سياسة كل يوم ويومه وغدوة إيدير الله طريق ).
فالتشوهات اليوم في المالية العامة وميزان المدفوعات وفي الاقتصاد ككل كبيرة جداً إلى أن أصبحت من الصعوبة بمكان معالجتها أو حتى الحد منها ، ففي المالية العامة نرى إرتفاع فاتورتي الدعم والمرتبات ونفقات التسيير للجهاز الإداري المترهل ، حيث يمثل هذا الإنفاق قرابة %84 من إجمالي الإنفاق العام سنوياً في حين لا يشكل الإنفاق التنموي ما نسبته %14 ومعظمه يتم التحايل عنه عبر تعليته ونقل مخصصاته إلى حساب الودائع والإمانات تفادياً إرجاعها لحساب الإيراد العام بحجة هناك إلتزامات مالية قائمة على عدد من المشروعات لا وجود لها على الأرض.
وفي الجانب الأخر من المالية العامة يبقى التفط هو المصدر الوحيد لتمويل الميزانية في حين تم إهمال الإيرادات السيادية بشكل غريب ومريب ، فهذه الإيرادات لا تصل نسبة مساهمتها في تمويل الميزانية %02 من إجمالي الإيرادات العامة .
أما على جانب ميزان المدفوعات فالأمر لا يقل سوءاً ، فجل الصادرات نفطية في حين معظم الواردات لأغراض إستهلاكية لا إنتاجية وهذا على صعيد الميزان التجاري أحد أهم مكونات ميزان المدفوعات ، أما على صعيد ميزان الخدمات فالنقد الأجنبي يتم إهداره وإستنفاذه عبر بطاقات الأغراض الشخصية وعبر التحويلات للسفارات والبعثات الليبية بالخارج في حين خلا ميزان رؤوس الأموال الأجنبية من أي تدفقات لا عبر إستقطاب للإستثمارات الأجنبية ولا عبر عوائد صندوق الثروة السيادية بسسب العقوبات الدولية التي تطاله والفساد وسوء الإدارة .
في حين تبقى التشوهات والإختلالات في الاقتصاد ككل جراء إرتفاع معدلات التضخم والبطالة وتفاقم الدين العام و تراجع الإحتياطيات المالية والنقدية وإنخفاض سعر الدينار فضلاً عن تهالك البنى التحتية وتدهور الخدمات وإرتفاع معدلات الفساد وسوء الإدارة تبقى هذه جميعها وغيرها عائق أمام أي إصلاح وكابوس يؤرق حياة المواطنين .
لكن ومع كل ذلك تبقى في رائي معالجة كل تلك التشوهات والإختلالات وإصلاح الاقتصاد ممكنة في حال ما تحقق الإستقرار في كافة ربوع البلاد وتوحدت مؤسساتها وأصبحت لدينا حكومات تشتغل بمهنية وبعقلية اقتصادية بحثة تنبذ الفساد وتؤمن بمبادئ الإدارة والتخطيط الإستراتيجي كأداة ووسيلة في التعاطي معها ومعالجتها .